الحلقة العاشرة..هل كان البعث جاداً في عقد وحدة مع القاهرة ؟؟
محمد فاروق الإمام
مؤرخ وكاتب سوري مقيم في تركيا
نيسان ـ نشر في 2017-06-13 الساعة 11:27
البعثيون لا يملكون برنامجاً واضحاً لعقد وحدة مع مصر
لابد أن يتساءل المرء: هل البعثيون جادّون فعلاً ويسعون لعقد وحدة مع مصر؟ ولابد لنا قبل الإجابة أن نذكّر بأن البعثيين لا يؤلفون تكتلاً سياسياً موحداً أو منسجماً. وبالتالي، فليس لديهم برنامج واضح المعالم والخطوات العملية في هذا الميدان. فسياستهم سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد العربي كانت عبارة عن سلسلة من ردّات الفعل بالنسبة للأحداث التي كانت تجري في سورية منذ 8 آذار. ومن جهة أخرى فإن الحزب كحزب، حتى استلام السلطة في دمشق، لم يكن منظماً بعد، ووجوده هو أقرب إلى الوجود الاسمي منه إلى الوجود الفعلي. أي أنه نوع من (اليافطة السياسية) إذا صحت التسمية أو صح التعبير.
فقيادة الحزب القومية - كما نوهنا سابقاً - لم تكن على علم رسمياً بالتحضير للحركة، ولا باليوم الذي سينفذ فيه الانقلاب. وعلى أية حال، فإن الغالبية العظمى من قادته وعلى رأسهم ميشيل عفلق كانوا في بغداد قبل أسبوعين من وقوع الحركة العسكرية في دمشق في 8 آذار. وكذلك فإن صلاح الدين البيطار لم يكلف بتأليف حكومة (اتحاد وطني) إلا قبل وقت وجيز جداً من بدء عملية التنفيذ.
وبكلمة صريحة ومختصرة.. ليس حزب البعث بقيادته القومية.. ولا قيادتيه القطريتين.. ولا حكومة البيطار.. ولا المجلس الوطني لقياد الثورة.. ولا حتى اللجنة العسكرية من يحكم سورية!! إن الذي يحكم سورية هو الثلاثي (صلاح جديد، ومحمد عمران، وحافظ الأسد). فهم وحدهم هم من يسيطر على الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية بأيد أخطبوطية.. ويمسكون بكل مفاصل الجيش والقوات المسلحة.
الواقع أن الاتجاه البعثي الذي يوصف بـ(الاتجاه القومي).. أي الاتجاه الذي تقوده القيادة القومية للحزب، كان في حقيقة الأمر يسعى إلى إيجاد جو من التفاهم مع القاهرة.. ويميل أيضاً إلى تحقيق شكل من الوحدة الاتحادية بين مصر وسورية والعراق.. على أن تضمن هذه الوحدة الاستقلال السياسي لكل قطر من الأقطار الثلاثة، وكذلك حرية تشكيل الأحزاب السياسية. وهذا الاتجاه يتمثل عملياً بالأمين العام للحزب ميشيل عفلق وبرئيس الوزراء صلاح الدين البيطار.
بالرغم من اعتدال هذا الاتجاه وصدقه في نواياه الوحدوية.. إلا أن القاهرة كانت تتهم القيادة القومية بالطريقة التي تقدم بها الوزراء البعثيون استقالاتهم من الحكومة سنة 1959م، والتي اعتبرها عبد الناصر من مقدمات الانفصال، بل ذهب إلى أبعد من ذلك باتهامهم بمسؤوليتهم عن حدوث الانفصال. ومن جهة ثانية استياء عبد الناصر من موقف القيادة القومية اللامبالي عند حدوث حركة الانفصال وتوقيع صلاح الدين البيطار على بيان السياسيين السوريين الانفصالي، أضف إلى ذلك الأحداث الأخيرة التي وقعت بين الناصريين والبعثيين، وتصفية البعثيين لكل الناصريين.
هنا وجدت القيادة القومية أنها جرَّت نفسها إلى مواقع الاتهام سواء من الناصريين الذين يتهمونهم بالخيانة، أم من بعض قواعد الحزب والضباط البعثيين الذين يتهمونهم بأنهم باعوا الحزب لعبد الناصر. يقول منيف الرزاز: (إن تهمة الناصرية توجه للبعثيين الوحدويين للتخلص منهم وإبعادهم _ الاتهام كان من قبل القطريين).
ويضيف الرزاز قائلاً: (ويبدو أن خطيئة صلاح الدين البيطار في توقيع وثيقة الانفصال، وفي سعيه حتى يقبل الحزب الاشتراك في وزارة الدكتور بشير العظمة أيام الانفصال، قد جرحته أمام الحزبيين الوحدويين جرحاً لم يسهل عليهم نسيانه، بالرغم من أنه قاد بعد ذلك الحملة الوحدوية في الحزب، وكان له كبير الأثر في الضغط من أجل البدء في مباحثات الوحدة الثلاثية بعد الثورة. ولكن هذه الحملة الوحدوية قد أساءت إليه عند الحزبيين القطريين والعسكريين والحاقدين على عبد الناصر، ففقد بذلك عطف الطرفين معاً).
ويتضح لنا من كل هذا أن علاقة القيادة القومية بحكم البعث السوري، وتحديدا بالعسكريين، بقيت عائمة وغير واضحة. فضعف القيادة القومية وعدم جدارتها منعاها من أن تقيم تنظيماً قوياً وأن تفرض سلطتها على الضباط البعثيين، وبالتالي من أن تمسك بيدها زمام الحكم، كذلك لم تستفد القيادة القومية من الدعم غير المحدود الذي منحتها إياه القيادة البعثية في العراق. مما دفع العديد من كادرات الحزب وأكثرية أعضائه تستنكر أبوتها، وترفض وصايتها.
ويقول منيف الرزاز حول هذا الموضوع: (فقد كان من عادة القيادة القومية أن تترك الأمور تسير، ثم تشكو من أنها سارت في طريق خاطئ. وتحاول أن تبادر إلى الإصلاح حين يكون وقت الإصلاح قد فات، تركت للجنة فرعية منها زمن الانفصال، أن تعيد تنظيم الحزب. ثم شكت من أن اللجنة قد أساءت استعمال صلاحياتها.. أشركت العسكريين في قيادة الحزب دون أن تعطي نفسها حق الإشراف على الحزب في الجيش، ثم شكت من أن العسكريين قد استولوا على الحزب. ولكن أكبر خطيئة ارتكبتها قيادة الحزب في هذه المرحلة، انقطاعها التام عن قواعد الحزب.. فلا اتصال ولا اجتماعات ولا نشرات. حتى جريدة الحزب لم يكتب فيها أحد من قيادة الحزب.. وتركوها جريدة لا تمثل رأي الحزب في شيء).
وفي تقرير حزبي، وصف أمين المكتب التنظيمي العسكري لحزب البعث الحالة التي وصل إليها الحزب فقال: (لقد وصل التنظيم إلى حالة من التشويه، لم يعد من الممكن تحملها من قبل الرفاق، وحل الولاء الشخصي والتكتلي محل الولاء الحزبي).
يتبع
نيسان ـ نشر في 2017-06-13 الساعة 11:27
رأي: محمد فاروق الإمام مؤرخ وكاتب سوري مقيم في تركيا