اتصل بنا
 

انتهازية الشاعر والرئيس بين نهج الضفدع والتمساح

صحافي أردني

نيسان ـ نشر في 2017-06-18 الساعة 21:22

تيسير سبول يتعرض للقتل برصاصة بعد خلاف مع حيدر محمود بسبب عدم تجديد وظيفة ابنه، لكن الخلاف يتم حله بسرعة بواسطة رئيس مجلس الأعيان، ويتم توضيح أن ابنه لم يفصل من وظيفته. فيما يتم دعوة قادة الغابة للتباحث حول حماية الحيوانات والبيئة من انتهاكات بني الإنسان.
نيسان ـ

تيسير سبول، قهرته النكسة ومحادثات اتفاق خيمة الكيلو 101، فأطلق على رأسه رصاصة. حيدر محمود، أزعجه عدم التجديد لنجله بوظيفة مستشار في الرئاسة، فهدد وتوعد بقصيدة عصماء، تهز أركان السلطة. لكن رئيس مجلس الأعيان، دولة فيصل الفايز، لم يمهل زميله العين، الشاعر حيدر محمود، الوقت الكافي ليبر بقسمه. فطوق الخلاف بين الرجلين سريعاً، وبدا الأمر كما لو أنه زوبعة في فنجان!

وعلى فقه مذهب 'يا دار ما دخلك شر'.. أرسل الملقي باقة ورد لزوجة الشاعر التي تتماثل للشفاء في إحدى المستشفيات، فأعلن الشاعر أن نجله لم يفصل من عمله ولا زال يمارس مهامه مستشارا بدرجة عليا ودون الحاجة لأن يحضر للدوام يومياً، وراتبه لا يزال سارياً، وملفه لن يحال للنزاهة ومكافحة الفساد، وأن ما جرى هو سوء تقدير من قبل موظف صغير حاقد، يختبئ في مكتب مظلم بالرئاسة. يرجح أنه سيطير قريباً جداً ليكون عبرة لغيره!

تحت وطأة هذه التبريرات والتوضيحات التي ساقها شاعر الوطن، تحضرني بقوة، نكتة لاذعة، وذات أبعاد سياسية عميقة، ودلالات لا يمكن القفز عنها. ففي ذات أمسية صيفية، شعر ملك الغابة بأن واجبه السياسي والأخلاقي والدستوري يفرض عليه توجيه دعوة للقيادات الفاعلة في الغابة، للتباحث في السبل الكفيلة للتصدي لانتهاكات بني الإنسان ضد بني جلدته من سكان الغابة ونسل بني الحيوان.

فكر الأسد وتدبر، ورأى أن المسألة تتطلب سرعة الخروج بتوصيات نافذة المفعول ضد الصيد الجائر والتجاوز على السلامة البيئية بفعل مخلفات المصانع الكيماوية والنفايات الطبية غير المدورة بشكل علمي وصحي سليم، والتي يلقيها بنو الإنسان في مجاري السيول والأنهار، وباتت تفتك بالحيوانات وملاذها الآمن من أشجار وأنهار وينابيع مياه، أكثر من بنادق الصيادين ووحشيتهم المفرطة في سفك أرواح أسراب الحمام وقطعان الغزلان وحتى الأرانب والبط والحبش وطيور النعام!

بالفعل، تم توجيه الدعوات العاجلة للحدث الجلل، فملك الغابة يوشك أن يتولى إدارة دفة الأزمة، وقد شمّر عن ذراعيه، وهو ما أقلق بعض التيارات الانتهازية من كبار قادة القطيع، وبينما الملك الأسد يخطط لكيفية التصدي لانتهاكات بني الإنسان ضد بني جلدته من أفراد عالم الحيوان، بادرت تيارات انتهازية، واستدعت 'الضفدع' وقالت له: 'أيها المفوه الجليل، والحكيم الأمين، إنك تعلم أن الملك يعتزم توجيه كلمة إلى الأمة، وهو يريد الخروج بقرارات وتوصيات نافذة المفعول للحد من انتهاكات بني الإنسان. وإنك تعلم أيها الخطيب المفوه، والسياسي 'البراغماتي' وبما تملكه من قدرة عجيبة على القفز من ضفة إلى أخرى، أن إعلان الحرب ضد بني الإنسان سيعود على الغابة وسكانها بالويلات والحسرات. وإننا نحن قادة ووجهاء الغابة، وزعماء قطعانها بكل ألوانهم ومذاهبهم وتياراتهم قررنا تكليفك بتمثيلنا وأن تكون عريف الحفل، ونحن نرجو منك أن تكون عين وضمير الغابة، وكلما شعرت أن الملك يقترب من إعلان الحرب على بني الإنسان، أن تعترض ذلك بذكائك المعهود، وتصرخ عالياً وتطلق شعاراً حماسياً ونحن سنصفق لك، وستجدنا نقف بقوة من وراءك، بحيث تخفف بتدخلاتك من حدة نبرة خطاب الملك العدوانية ضد بني الإنسان، والتي قد تكبدنا ما لا يحمد عقباه، وبحيث تحول بقدرتك ونباهتك ومقاطعتك الدائمة له كلما تحدث دون أن يقدم على هذه الخطوة غير المحسوبة العواقب، فنحفظ أمن مملكتنا ولا ندخل بحرب مدمرة مع بني الإنسان، ولا يشعر الملك بأننا خذلناه أو أننا اعترضنا على قراراته'.

فهم الضفدع اللعبة جيداً، ثم فكر وتأمل السماء ثم نظر صوب الأرض، وبينما هو يشعر بزهو وغرور، قال بصوت رصين فخيم: 'حسناً يا معشر قادة الحيوانات ووجهاء الغابة، لقد شرفتموني بحمل هذه المسؤولية. إن الدفاع عن أمن وسلامة الغابة وبني الحيوان، ومنع دمار مملكتنا البرية الغنية بثرواتها وتنوعها في حرب عبثية مع بني الإنسان، بسبب لحظة انفعال ومغامرة غير محسوبة لملك الغابة، لا شك أنها أمانة كبيرة. وقد قبلت حمل هذه الأمانة، فأعينوني بتصفيقكم الحار وصفيركم الحاد، كلما رأيتموني أقاطع خطاب الملك'.

بالفعل، جاء موعد اللقاء الملكي مع الزعماء وقادة وكبار ممثلي قطاعات عالم الحيوان وسكان الغابة، وقبل أن يصعد الملك إلى المنصة، خرج الضفدع المفوه، وألقى كلمة ترحيبية تفطرت لها القلوب وانشقت بسببها الحناجر وهي تهتف بالروح والدم نفديك أيها الملك. ثم أعلن الضفدع المفوه أن ملك الغابة سيصعد ليلقي كلمة عن الأخطار الجسيمة التي تتعرض لها الحيوانات بفعل الممارسات المشينة من بني الإنسان. وما أن صعد الملك الأسد المنصة، ووقف خلف المايكروفون، وقبل أن ينبس ببنت شفة، علا صياح وصراخ الضفدع المفوه، ومن خلفه علا صراخ وصفير الجماهير المحتشدة، وكلها تهتف بالروح بالدم نفديك أيها الملك.

بدأ الملك كلمته بتوجيه الشكر للحضور، وقبل أن ينتقل إلى المحور الرئيس، وقبل أن يتمكن من الإشارة إلى وجوب اتخاذ قرارات حاسمة وخطيرة وتصاعدية ضد بني الإنسان ترقى إلى حد إعلان الحرب. تدخل الضفدع وبدأ يصرخ بأعلى صوته: 'بدنا نلعن أخت الإنسان' والجماهير تصرخ من خلفه: 'بدنا نلعن أخت الإنسان'. وكلما حاول الملك أن يتحدث في التفاصيل وأن يشرح نقطة أو مقترح أو إجراء تنفيذي لمواجهة تدخلات بني الإنسان الجائرة بحق بني الحيوان، كلما علا صراخ الضفدع والجماهير من خلفه: 'بدنا نلعن أخت الإنسان'!

بدأ الملك يشعر بالضيق والحنق والتوتر والغضب الشديد، فهو لم يعد قادراً على إكمال خطابه، ولم يعد قادراً على استشعار مدى استجابة الجماهير، فما كان منه إلا أن صرخ بعلو صوته، وقال: 'يا إخوان، صحيح أننا نريد أن نلعن أخت الإنسان، لكن قبل ذلك هناك حيوان برمائي لونه أخضر، سوف ألعن أخته قبل أن ألعن أخت الإنسان'. وبانتهازية بالغة تنم عن مكر ودهاء، بادر الضفدع المفوه بالصراخ بعلو صوته: 'بدنا نلعن أخت التمساح' وبدأت جموع الدهماء تصرخ من خلفه: 'بدنا نلعن أخت التمساح'..!

نعم، لقد بات واضحاً أن 'الانتهازية' شكلت فعلاً متراكماً، وانزياحاً دلالياً وسلوكاً حداثياً، يتطلب من جهابذة علوم السياسة والاجتماع واللغة، الانكباب على دراستها، والخروج بتعريفات جديدة تمثل انعكاساً ووصفاً أقرب لحقيقة السلوك الحالي للانتهازيين، لأن التعريفات السابقة باتت مجرد أدبيات مركونة على الأرفف، ولا تفيد في فهم اللحظة الراهنة.

تحضرنا اليوم الكثير من قصص الانتهازية الداخلية والإقليمية، التي يبرز فيها نهج الضفدع المفوه الذي تحركه قوى خفية ومؤثرة من خلف الكواليس فيبدو كما لو أنه سيد الموقف، بينما يبدو التمساح الشرس المتوحش ضحية، وقد صدق فيه قول وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم 'أخذونا على حين غرة' في حواره مع تشارلي روز عبر محطة (بلومبيرج ستيشن) الذي حاول فيه أن يشرح حجم الصدمة التي تعرضت لها الدوحة نتيجة انقلاب المواقف السعودية والأميركية والإماراتية!

نيسان ـ نشر في 2017-06-18 الساعة 21:22


رأي: سعد الفاعور صحافي أردني

الكلمات الأكثر بحثاً