فلتشهد يا شجر الزيتون

لم أكن أعرف أن حبر القصائد مصنوع من دم الشهداء.. ولم أكن أعرف أن الدوار الرابع مصنع للشهداء.. ولم أكن أعرف أن العطر الذي يستعمله كبار القوم مصنوع من رائحة الشهداء..

فلتشهد يا شجر الزيتون على جهلي.. فأنا ابن الفلاح الذي التحق بالعسكرية وهو ابن ال16 سنة.. الذي حمل روحه على كفه في بداية خدمته العسكرية في ليالي أيلول الأسود.. ابن القرية التي كنت اصحو على أصوات طناجرها وبوابيرها في ليالي كوانين تنتظر صحيان العسكر من نومهم.. وعلى أصوات رجالها ونسائها في فجر كل بداية اسبوع ينادون.. اصحى يابه يا محمد لحق وحدتك.. اصحى يمة يا احمد اصحى يمة يا حبيبي لا تتأخر ع عسكريتك.. قومي يا مرة صحي الولد خليه يلحق سيارات خو..

أنا ابن القرية التي كان كانت شوارعها تتزين بالتيجان مع عصر كل نهاية أسبوع.. تيجان تمشي على الأرض فوق جباه سمر.. فكل من كنت أراهم.. كانوا يلبسون الزي العسكري.. وكل من عرفته منهم كان يردد معه وبه إنا ماضون..

نحن أبناء القرى والبوادي سرقتنا الأيام ونحن ننتظر الجنود يعودون بسلام.. فلم يكن لدينا الوقت لنتعرف على أسماء شهداء الدوار الرابع.. ولم تسنح لنا الفرصة لنلقي نظرة على جباههم الملفوحة بهواء الكوندشينات.. ولا لرؤية اثار مقاعد السيارات الوثيرة على جنابهم.. فكل من كنا نعرفهم ونراهم.. جباههم ملفوحة من حر الشمس.. وجنابهم موجوعة من مقاعد سيارات الجنود.. الروفر والكونتنتال..

نحن أولاد الأرض كنا نردد قد احببناه وبايعناه وزرعنا الراية في يمناه.. ولم نكن نعرف أننا ندفع ثمن ما كتبوه لنا من أغاني واهازيج وطنية من عرق إخوتنا واباءنا واجدادنا.. كنا نعتقد ساذجين أن هناك من يحب الأرض أكثر منا.. كنا نؤمن أنهم يكتبون لنا ليعلمونا كيف نعشق وطننا.. وكيف هي طريق الشهادة دفاعا عنه..

ظل شجر الدفلى على النهر يغني لأكثر من 30 سنة.. وظل شجر الزيتون يشهد بوطنيتهم طيلة السنين التي كانوا يتقاسمون فيها الوطن وكراسيه.. وعندما لم يعد الزيتون يقدر على الحمل و جف النهر.. قطعوا شجر الدفلى وصنعوا منه معرشات ليدفنوا تحتها مشاريع الشهداء فلذات اكبادهم.. وقطعوا شجر الزيتون.. وباعوه حطب.. ونحن لم نحصل ولا حتى على بوكيه أو إكليل ورد..