اتصل بنا
 

العيد.. تمرين إحباط بالذخيرة الحية

نيسان ـ نشر في 2017-06-29 الساعة 12:33

x
نيسان ـ

محمد قبيلات...جنرال ماركيز، الذي لم يكاتبه أحد، هو ذاته العاشق سيئ الحظ، صنيعة محمود درويش، الذي أثقل صندوق بريده برسائل كتبها منه إليه، وعلى الأغلب؛ هو نفسه أحد أبطال انتظارية بريخت، المحكومين بانتظار غودو الذي لن يأتي أبدا.
ولجنا العيد بأشواق مبهمة، مفعمة بأمل تائه، بأمل ما، لكنه ما لبث أن رحل من دون أن يصنع الفوارق المرجوة في حيواتنا، نعم، لقد غادر متغطرسا، فلم ينتهِ صريحا مع انقضاء يومه الأول، بل آثر أن يستمرئ لعبة المراوغة معنا، فعلّقنا بيوم ثانٍ، لنكتشف أننا أمضينا سحابة نهار آخر تحت وطأة التعلق بسراب الآمال المستحيلة ذاتها، وإنْ بتفاؤل أدنى، لكنه، ومع ذلك، سحبنا معه، بذلك الخيط الرفيع، إلى تخوم الآمال المعلقة على لقاء خارق، آمال تعيد إلينا شيئا يهيم على أطراف الحلم، لكن ذلك كله، على وهنه، تلاشى مع انحسار سحابة اليوم الثاني.
ويشاء العيد، بسطوته المعهودة، أن يُمعن بغطرسته، فنمضي معه منزلقين إلى يوم ثالث، ليشرع أمامنا نوافذ تنطوي على أكثر من بصيص، ووتيرة أعلى من جري التفاؤل المطعم بالحذر.
لكن، لا شيء يحدث.
فينسل العيد من بين أصابعنا كما كذبة بيضاء أقصى طموحها أن تُتحفنا بما تيّسر من سعادة موهومة، فنخرج مثقلين بجردة حساب تُجبَرُ على أكوام اليأس المكدسة في قلوبنا.
لكأننا نُلدغُ من جحره، عن طيب خاطر، ثلالثًا لا اثنتين فقط!
اللدغة الأولى؛ أُشهِرَت صبيحة اليوم الأول، وكان الأمل على أشده، حين زرنا المقابر علّنا نحظى بإشارة من أولئك ألمُمعنين بالغياب، فلم تبدر عنهم أية إشارات، برغم ما وشحنا به رسائلنا غير المرئية إليهم من صدق الدموع، لكن ملامحهم تسربلت الحياد، حياد لا يشبهه إلّا نظرات عابري السبيل من الغرباء، حياد باهت لا يُسعفنا بأكثر من خيبة صغيرة، نتجرع أولى الخيبات مدعومين بآمال جامحة، فهواجسنا مجبولة على حتمية حدوث معجزة ما، ولو بعودتهم من خلال حلم قيلولة عابر.
اللدغة الثانية، حدثت عندما أيقنا ألا اختراق يمكن أن يحدث في هذه الآونة، فلم ولن يعود 'رفيق غوركي في الطريق'، ذلك الأمير المزيّف، الذي ترك صاحبه، حين انقطع أثره أبدا في زقاق الخيانة، رهينة انتظار لا ينتهي، غير آبه بكل ما قُدِم له خلال رحلة العناء الطويلة.
أما اللدغة الأخيرة، ثالثة الأثافي، فتتحقق حين يغادرنا قطار الرحيل، لنبقى على قارعة محطة غارقة بالوحشة، نعايش لحظة الحقيقة الباردة.
العيد معركة لاستنزاف الآمال، أو تمرين إحباط بالذخيرة الحية، أو ربما هو أفدح من ذلك بكثير.
فهو المتخلق على هيئة تجربة خُسرٍ مُرهِقة، وليس بيدنا مناص إلّا أن نخوضها، ونعود من بعدها أدراجنا إلى حياة محكومة برتابة الأيام.
نعود بعد إحصاء خسائرنا المحققة، لنبدأ من جديد لعبتنا الأثيرة؛ التعلق بالأوهام والأحلام مستحيلة التحقق.

××الصورة لفتى غزي يمارس الفرح بالعيد على طريقته، إنها لعبة يتمثل بها الواقع المعاش في غزة، الفتى تحيطه هالة من نار نسجها من قدح الشرر بسلكة الجلي المعدنية المضمخة بالنفط..

نيسان ـ نشر في 2017-06-29 الساعة 12:33

الكلمات الأكثر بحثاً