اتصل بنا
 

أزمة الخليج: من استخدم الآخر؟

صحافي أردني

نيسان ـ نشر في 2017-07-04 الساعة 19:24

جولات وزراء خارجية السعودية وقطر في العواصم الغربية لتأييد ومعارضة الحصار الخليجي
نيسان ـ

من قلب العاصمة الأميركية واشنطن، ومن دهاليز عواصم القرار الغربية، في باريس وبريطانيا وألمانيا، اختار الإخوة الأعداء في منظومة مجلس التعاون الخليجي، إدارة معركة كسر العظم فيما بينهم. فبرز وزير خارجية السعودية، عادل جبير، يعقد مؤتمراً صحفياً تلو المؤتمر في واشنطن وباريس ولندن، مستغلاً الشبكة الواسعة التي بناها خلال عمله السابق، مساعداً للسفير السعودي البارز لدى واشنطن بندر بن سلطان، وناطقاً إعلامياً باسم السفارة، قبل أن يصبح سفيراً لدى واشنطن، بعدما أعلن البيت الأبيض فجأة أن مدير المخابرات السعودي السابق، وسفير الرياض، وخليفة بندر، تركي الفيصل، شخصاً غير مرغوب به!

جولات عادل جبير المكوكية، رافقها زيارات أخرى قام بها مسؤولون سعوديون من ذات العيار، من بينهم: وزير الثقافة والإعلام السعودي، عواد بن صالح العواد، الذي أمضى ثلاثة أيام في ألمانيا، حرص خلالها على اللقاء مع قادة أحزاب المعارضة وقادة الكتل البرلمانية، وكذلك عقده عدة مؤتمرات صحفية، أكد خلالها 'أنه وجد تفهماً كبيراً لدى المسؤولين الألمان لموقف الرياض ودول الحصار'. مضيفاً أنه'زود مسؤولين ألمان بمعلومات تثبت ضلوع قطر في تمويل الإرهاب ودعم الجماعات المتطرفة، واستغلال فضائية الجزيرة في الترويج للعنف والإشادة بالإرهابيين'.

على المقلب الآخر، لم يقف وزير خارجية قطر محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، مكتوف اليدين، فعمد إلى القيام بجولة مكوكية أخذته إلى واشنطن، التي يبدو أنه لم يجد فيها حفاوة لائقة، مدركاً ومقراً أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وابنته إيفانكا، وزوجها المليونير الناشط في الخفاء، مستشار الرئيس البالغ التأثير جاريد كوشنر، اختاروا الوقوف ضد قطر، وتأييد السعودية العربية، والإنصات إلى ما يقوله حليفهم السياسي سفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبه!

الوزير القطري، قال وبلغة مباشرة تخلو من الدبلوماسية والتحفظ، وقد خرج عن صمته وهو عائدٌ بخفي حنين من واشنطن، بعدما أدرك أن ترمب ينصت فقط لخطاب دول الحصار: 'يجب على الرئيس ترمب أن يلتفت إلى الأصوات الأخرى في مؤسسات الإدارة الأميركية'. قاصداً بذلك أصدقاء قطر، مثل: ريكس تيلرسون، رئيس مجلس إدارة 'إكسون موبيل' للنفط والغاز سابقاً، ووزير خارجية الولايات المتحدة حالياً، وكذلك الجنرال المتقاعد، ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية السابق ديفيد بترايوس، بالإضافة إلى وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس.

ريكس تيلرسون، وفقاً لما تتداوله تقارير الصحافة الأميركية، يعارض بشدة التقارب الفاضح بين صهر ترمب كوشنر والسفير الإماراتي لدى واشنطن العتيبه، وهو يعتبر أن العتيبه وإيفانكا وكوشنر وترمب يديرون الشؤون الخارجية للولايات المتحدة من داخل أحد الأجنحة في البيت الأبيض، أي أن هناك من يتجاوزه في هذا الملف السيادي، بل يحاول تحجيمه، أو عدم الإنصات لتوصياته، وهذا يجعله شكلياً على الأقل منحازاً إلى قطر في مواجهة السعودية، لكن الدافع الحقيقي، هو ارتباطه بعالم الطاقة والنفط والغاز، وقربه الكبير من مفاتيح صناعة الطاقة العالمية، وخاصة مفاتيح اللعب القطرية المؤثرة في عالم النفط والغاز، وهو ما يجعله في صدام مع ترمب وصهره كوشنر الراغبان بقوة في الدخول إلى العالم السري لصناعة الطاقة، واللذان وجدا ضالتهما عبر بوابتي الرياض وأبوظبي!

أما ديفيد بترايوس، فهو عرّاب استضافة الدوحة لقادة حركة حماس، بعد تأليبها على دمشق، ومهندس انشقاق قادة من حركة طالبان الأفغانية عن تيار الملا عمر، واستضافتهم في الدوحة أيضاً، بهدف تأهيلهم للمشاركة بالحكومة الأفغانية الموالية لواشنطن، ووقف عمليات طالبان ضد الجيش الأميركي في أفغانستان. هو من أشد المتحمسين لهجوم عسكري أميركي على سورية، ويرجع ذلك إلى كونه شارك في عام 2003 في غزو العراق، وقادة الفرقة (101) المحمولة جواً، وكان من المهام الرئيسة الموكولة إليه، احتلال محافظة نينوى ومركزها الموصل، وإليه تشير بعض أصابع الاتهام، بالمسؤولية عن تخليق النطفة الأولى لما يعرف بنواة 'داعش'. تمكن من استكمال مهمته بعد أن رشحه باراك أوباما للعودة إلى العراق خلفاً للجنرال جورج كيسي في 2007، وتبنيه نظرية الرئيس أوباما، في توظيف تيارات الإسلام السياسي للتصالح ما بين أميركا والإسلام السني، وهو ما ساعده في إكمال مشروع تأطير وتوظيف 'داعش' لتنفيذ المخطط الأميركي، من خلال برنامج ما سمي آنذاك تدريب عناصر الأمن المحلية، الذي أشرف عليه باتريوس شخصياً. وقد أصبحت لاحقاً قوات الأمن المحلية التي خضعت للتدريب الأميركي، نواة احتلال الموصل، والسقوط المهول أمام جحافل 'داعش' بظرف زمني قصير جداً، في التاسع من حزيران 2014. وقد عُرف عن الجنرال باتريوس، أنه مقرب جداً من دوائر الدفاع والخارجية في قطر، وأنه نسق بشكل مباشر أو أشرف على تنسيق الكثير من العمليات العسكرية التي مولتها ودعمتها قطر في سورية عبر فصائل إرهابية وتكفيرية.

أما وزير الدفاع الأميركي، الجنرال جيمس ماتيس الذي كان لوزارته منذ اليوم الأول من إعلان الحصار على قطر، مواقف معلنة ومستقلة، وداعمة تماماً للدوحة، فقد سجل على لسانه، القول: 'إن أمير قطر تميم بن حمد ورث تركة صعبة'، مضيفاً 'الأمير يحقق تقدماً على الصعيد السياسي وهو يجتهد في وضع المجتمع القطري على المسار الصحيح'.

وفي تصريح سابق: قال ماتيس: 'نود أن نرى دائماً قطر التي تضم أكبر قواعدنا الجوية وكذلك تضم مركزاً للقيادة المشتركة، حليف قوي وفاعل يقف إلى جانب الولايات المتحدة، لدينا الكثير من المصالح المشتركة مع قطر، إذا نحن أمام ملف ليس سهلاً، ونحن بحاجة إلى السير فيه بحذر بسبب تعقيده البالغ'.

الجنرال ماتيس، الذي قال في تصريح آخر 'إن الحصار الذي تفرضه بعض الدول بما فيها السعودية على قطر وضع معقد للغاية، شدد على أن الدوحة تسير في الاتجاه الصحيح لمحاربة الإرهاب ومكافحة تمويل التطرف'، موضحاً في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ 'أن تمويل الإرهاب في السابق كان يتم من قبل القطاع الخاص وشخصيات فردية في قطر من رجال دين ورجال أعمال وليس عبر الحكومة القطرية'!.

في الساحة الألمانية، حيث ثقل الاستثمارات القطرية البالغ أكثر من 11 مليار يورو، في عملاق صناعة السيارات 'فولكس واغن'، إلى جانب تملك رئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم بن جبر، حصة من أسهم بنك دويتشه الألماني، عام 2014، بقيمة مليار و750 مليون يورو. منح الدوحة الأفضلية في الصراع مع الأشقاء في منظومة الخليج، فبدت قطر كما لو أنها هي من سحبت البساط من تحت أقدام إخوتها الأعداء.

ففي الوقت الذي تفوقت فيه قطر في كسب النظام الرسمي الألماني إلى جانبها، وهو ما بدا واضحاً من خلال تصريحات وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل الذي شدد في أكثر من مرة على 'استحالة تطبيق شروط دول الحصار'، و'اعتبارها غير واقعية'، وإعلانه 'أن قطع العلاقات وفرض الحصار على الدوحة أمور مرفوضة وغير مقبولة' ودعوته إلى 'التوصل سريعاً إلى حل لرفع الحصار الجوي والبحري عن قطر'، فقد استطاع الإخوة الأعداء في منظومة الحصار الخليجية، استقطاب تيارات حزبية ألمانية، لمهاجمة الدوحة.

برز ذلك من خلال تصريحات رئيس كتلة الأغلبية البرلمانية للتحالف المسيحي، فولكر كاودر، الذي طالب بإدارة نقاش جاد حول شرعية استضافة الدوحة لبطولة كأس العالم لكرة القدم. متسائلاً: 'كيف يمكن تصور إقامة بطولة دولية في بلد يدعم الإرهاب على نطاق كبير؟'.

وفي تصريحات مماثلة، طالبت العضو الفاعل في حزب الخضر، ونائبة رئيس البرلمان الألماني، كلاوديا روت، رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم، راينهارد جريندل، بالعمل بصفته عضو في مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم 'فيفا' على منع استضافة الدوحة بطولة كأس العالم. قائلة إن قطر ليست مكاناً مناسباً لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم'.

في فرنسا، وكما هو الحال في ألمانيا، فإن ثقل الاستثمارات القطرية كبلت سيد الشانزليزيه عن اتخاذ موقف متسرع، وبدا كما لو أن الشاب، والنزيل الجديد، في معترك السياسة الفرنسية، إيمانويل ماكرون، قد آثر الحذر، وعدم التسرع، فاكتفى بإجراء اتصالات مع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، الحاكم الفعلي في الإمارات، ثم أتبعه باتصال مع أمير قطر تميم بن حمد. وهنا يلاحظ أن ماكرون كان حريصاً على عدم الإفراط أو التفريط في أي من المزايا العسكرية والاقتصادية التي تتمتع بها باريس مع نظامي آل نهيان وآل ثاني.

في تركيا، المشهد على تواضعه، بات محسوماً، فوزير الدفاع القطري، خالد العطية، اختار أنقرة، ليعلن منها: 'أن الدوحة تلقت طعنة بالظهر من أشقائها الخليجيين'، نعم الوزير العطية تحدث عن طعنة بالظهر، ولا نعرف تماماً، ما حجم مرارة وألم وسمية هذه الطعنة، وهل هي شبيهة بالطعنة التي تلقتها دمشق في خاصرتها، أم شبيهة بالطعنة التي تلقتها ليبيا، أو ربما أنها طعنة بمذاق مرارة وحزن وألم وقيح أطفال ونساء اليمن؟!

العطية كشف أيضاً، ومن أنقرة، أن دول الحصار، تريد ابتلاع قطر، وأن الهدف من هذا العداء هو الإطاحة بالأمير تميم، واستبداله بشخصية أخرى من أسرة آل ثاني يكون مفصلاً على مقاس أهواء الأنظمة الحاكمة في الرياض وأبوظبي والمنامة! لكن أين العجب في ذلك؟ ألم تكن قطر حتى الأمس القريب، بل حتى اليوم، تريد نظاماً سورياً مفصلاً على مقاس أمير قطر السابق وعلى مقاس أمير قطر الحالي؟ ألم تقد قطر حملة لتعطيل عضوية سورية في الجامعة العربية؟ ألم تكن قطر أول من شكل ما سمي في حينه 'الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية' عام 2012، بقيادة معاذ الخطيب؟

في أزمة الخليج، ومع كل ما فصول العداء التي يظهرها إخوة يوسف بحق أخيهم وبحق بعضهم البعض، وبحق شعوبهم، وبحق ثروات الأمة المستأمنين عليها، فإن المراقب يتساءل: من استخدم الآخر، وهل ترمب حرض دول الحصار، أم أن هذه الدول اشترت موقفه. وكيف يمكن فهم تصريحات ترمب المعادية للسعودية والتي تحولت إلى النقيض تماماً بعد قمة الرياض والإعلان عن عقود بقيمة 480 مليار دولار؟

الخلاصة، الأزمة ستنتهي، والذي سيعلن صافرة النهاية لا حضور مؤثر له لا في الرياض ولا في أبوظبي ولا في المنامة ولا في الدوحة، ولا أيضاً في أنقرة. الأزمة ستنتهي مع سجل ضخم بالخسائر المادية والمعنوية، خسائر ستسمح بالمزيد من التشرذم والتشظي في البيت العربي، تشرذم سيسمح وسيقود لمزيد من التصعيد الأمني الذي سيستغل دولياً لفرض المزيد من الوصاية على العمق العربي، عسكرياً وجيوسياسياً. ويظل السؤال قائماً: من استخدم الآخر؟

نيسان ـ نشر في 2017-07-04 الساعة 19:24


رأي: سعد الفاعور صحافي أردني

الكلمات الأكثر بحثاً