اتصل بنا
 

عدوى مواثيق الشرف تغزو جيوب الدولة العميقة

نيسان ـ نشر في 2017-07-10 الساعة 09:14

x
نيسان ـ

محمد قبيلات... انتقلت عدوى 'مدونات السلوك الوظيفي' إلى مؤسسات وجيوب الدولة العميقة، فبعد انتشار موجة تبّني هذه المدونات في مؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية ها هي تنتقل اليوم إلى عصب الدولة، فما هو السر الكامن خلف هذا الازدحام في مواثيق الشرف ومدونات السلوك الوظيفي؟، وهل ما زالت الدولة في مرحلة ما قبل الدستور والعقد الاجتماعي الراسخ لتعمد إلى تبني (ماغنا كارتا) خاصة بكل مؤسسة أردنية؟ أم أنها مجرد قنابل دخانية تستهدف تعمية المواطن حتى صار نهباً لصرعات المشروعات السياسية الشبيهة بالموديلات الفاقدة بهجتها وهي في أوج جِدَتها؟
لقد لجأ الانجليز إلى الميثاق الأعظم مطلع القرن الثاني عشر الميلادي، لتثبيت الحريات والحقوق العامة وتقنين صلاحيات الملك، وتم هذا في مراحل مبكرة؛ أي ضمن مرحلة الانتقال من تشكيلة الاقطاع، وهو عهد سابق للحقبة الصناعية، وسابق لشكل الدولة البريطانية الموحدة بقوة المؤسسات والقوانين والدستور غير المدون.
فأي ثمار تلك التي نجنيها اليوم ونحن نتعسف على الدستور والقوانين؟! فالمواثيق تسبق، في العادة، مرحلة دولة القوانين والمؤسسات، ومن الثابت أيضا ان البلدان لا تُحكم بالتزام موظفي المؤسسات السيادية الأدبي، بل بتطبيق القانون حرفيا وضمن أجواء استقلال القضاء الملتزم بالدستور، ولا معنى فعلياً لكل هذه المواثيق إزاء القوانين والدستور.
واذا كانت، مدونات السلوك الوظيفي، مجرد لوائح استرشادية تسعى لإلزام الموظفين بأخلاقيات من شأنها إنجاح خطط سير العمل، لِمَ تقام لها كل هذه الضجة الاعلامية؟!
فنحن؛ لسنا بعيدين اليوم عن الاوراق النقاشية وما خلفته من ارتباكات، بالرغم من وضوح رسالتها وأهداف نشرها، ووسمها بالنقاشية، إلا أنها صارت أشبه بالمرجعية للكثيرين، وقد سمعنا بعض رجال السياسة والاعلام يبدأون خطبهم ومقالاتهم بعبارة 'من باب الالتزام بالاوراق النقاشية....'.
كما أنه ليس من المعقول، وبوجود مجلس النواب، أن يتشكل مجلس عشائر (ليو جيرغا) كذلك لا يمكن أن تحكمنا التزامات أدبية (اختيارية) عوضا عن الدستور الذي يحكم بقوة القوانين بين فئات المجتمع، في وقت لن ترقى به هذه المدونات لقوة القوانين، ولن تكون مرجعية للقضاء، كما أنها لا تغطي أي جوانب جديدة لم تغطها القوانين، وإن حصل، وكانت هناك فجوات، فالحل الصحيح يتمثل بسن القوانين الجديدة.
اذا أردنا التقدم؛ فما علينا إلا أن نلتزم الدستور أولا، وببنوده التي تُحَدِد-من دون مواربة- حقوق وواجبات الأردنيين. وبالنسبة لميثاق 1989 فانه لا يشكل سابقة يمكن الارتكاز عليها لجهة استصدار المزيد من المواثيق، فهو ما كان ليوجد لولا مرور البلاد بظرف استثنائي حين دخلت البلاد في حالة خطرة من الاحتقان نتجت عن تعسف الدولة ضد ابنائها لعقود طوال، ولو أن الميثاق استبدِل بتنازل رسمي صريح يعلن توفر النية لإجراء انتخابات نيابية وإطلاق الحريات العامة والسماح بتشكيل الأحزاب، لما اختلفت الأمور كثيرا، ولخلصنا إلى النتائج نفسها.
الأهم من ذلك كله، أنه لا بد من أن يستوعب صناع القرار أن هذه الشطحات والفزعات لن تخرجنا من هذا النفق ولا تغني أو تسمن عن جوع، فما هي إلا بناء فوقي لا يثبت في الهواء، بل يجب أن يؤسَس له بالعدالة الاجتماعية التي تعني بوضوح وصراحة؛ عدالة توزيع الثروة، فالأفكار الليبرالية الأوروبية ما كان لها أن تقنع أحدا أو تتجسد على أرض الواقع لولا التقدم الذي أُنجزَ في المجتمعات الأوروبية، وكان من أهم دعائمه تداول السلطة، وعدالة توزيع الثروة، المضمونة بعدالة الدساتير ورسوخ القوانين واستقلالها، ضمن بيئة من الثقافة التقدمية.

نيسان ـ نشر في 2017-07-10 الساعة 09:14

الكلمات الأكثر بحثاً