فايا يونان... من سرق صوتك؟
محمد جميل خضر
قاص واعلامي اردني
نيسان ـ نشر في 2017-07-10 الساعة 19:45
فايا يونان تغني لسوريا بطريقة مراوغة وملتبسة، وتحديداً في أغنية لبلادي التي تؤديها مع شقيقتها، والتي يبدو أن منتجيها يحاولون تمييع أهم مسألة بالنسبة لمأساة الشعب السوري، وهي أن من صنع المأساة هو النظام السوري بغبائه وقصر رؤيته. التباكي غير المحدد البوصلات وغير الراغب بوضع يده بأمانة ونزاهة على الجرح وعلى أسبابه، هو فعل مضر، وليس فقط غير مفيد.
حين تغني فايا يونان السورية المقيمة في المهجر، فإن سهول الغاب تصبح أكثر حدباً على العابرين بأجنحة من أمل.. يكتظ عنقود العنب بصبوات النبيذ.. يقترب الوطن، تكاد الروح التائهة تلمس قاسيونَه البعيد، شجنَه الحزين قربَ دموع العاصي وزنزلخت النواعير.. وحين تغني الصبية الطاغية الجمال، تتراكض مع غدران صوتها الهادرة، أسئلة المعنى؛ أسئلة حول قيمة الفن ورسالته وآفاقه الإنسانية الكبرى، فهي (أي فايا) في هذا السياق ملتبسة، مراوغة من طراز فريد، كما لو أن أحداً ما سرق صوتها، أو استأجره لغايات بروبوغاندا الكذب والرياء. أنا أتحدث هنا عن الأغنيات الخاصة بها، وتحديداً عن تلك التي تؤديها مع شقيقتها ريحان تحت عنوان 'لبلادي'، وهي مغناة بحسب ما هو مكتوب تحتها على صفحة التواصل الاجتماعي يوتيوب youtube: 'من إعداد وإنتاج وتنفيذ مجموعة شباب يقيمون في السويد، وهم من سوريا والعراق ولبنان وفلسطين. على أمل السلام...'، ففي تلك المغناة المتكونة من غناء تؤديه فايا وجمل وتعليقات تؤديها شقيقتها (الصحفية)، يعلو الصوت الذي بات (مقيتاً) من كثرة ترداده والعزف النشاز عليه. إذ يسعى من أنتجوا الفكرة، على ما يبدو، إلى تمييع أهم وأخطر مسألة بالنسبة لمأساة الشعب السوري: أن من صنع المأساة ابتداء وقبل أن (يُلَغْوِصَ) فيها (المُلَغْوِصون) هو النظام بغبائه وقصر رؤيته وجرّه المظاهرات السلمية والمطالب الشعبية والقروية البسيطة الواضحة حول الحرية والكرامة والعدالة، إلى مربع الدم؛ المربع الذي يبدع فيه النظام ويتقن مفرداته ويحفظ أبجدياته عن ظهر قلب. إن أيَّ تباكٍ (كاذب) على الضحايا سيصب، إن لم يُحَدِّدْ بوصلته ويكشف حقيقة ما جرى، في نهر معاناتهم، وينحدر في نهاية المطاف كما لو أنهم ضحك على ذقونهم، واتجار بآهاتهم وتشردهم وتدمير بيوتهم وحرق حياتهم وقصفهم ببراميل الموت والصواريخ الفاقدة للبوصلات، الناسية أو المتناسية أن العدو الحقيقي لدولة (الممانعة) كما يتشدق إعلام النظام وتدندن أناشيده، هو العدو الإسرائيلي!!!
التباكي غير المحدد البوصلات، غير الراغب بوضع يده بأمانة ونزاهة على الجرح وعلى أسبابه، هو فعل مضر، وليس فقط غير مفيد. فعلٌ يدخل في طور الإنشاء المقيت، والجمل الرنانة، والكلام المعسول: 'سوريا.. ثلاث سنوات وأكثر من حربٍ مجنونةٍ أنانية إظلامنطقية' هذا بعض ما يسترسل فيه الجزء المُقال كلاماً من المغناة، وهو يتحدث، إلى ذلك، عن خراب بيوتٍ وتدميرِ نفوسٍ وقلوبٍ وعقول.. ويتحدث عن حربٍ استوطنت البيوت خلسة وأذلّت أهلها.. عن جهلٍ بالبدايات يستثير أملٍ عابرٍ نحو النهايات. فمن الذي أذلّ أهل الشام يا أيتها السيدتان؟ من الذي قتل حمص عن آخرها؟ واستباح درعا بعمقها وعشائرها وعنفوانها؟؟ هو تعويمٌ ظالم، ومحاولةٌ مكشوفةٌ غيرُ بريئةٍ لخلط الأوراق... وإدخال الحابل بالنابل.. لا أحد يستمتع بشلال الموت المتدفق كأنه احتفالٌ بدائيٌّ حول نار الضحايا.. ليس، على الأقل، من هبَّ لنداء الحرية الساكن أعماق الناس منذ نصف قرن من زمانٍ سوريّ حزين.. لا أحد تخيل في أبشع كوابيسه السيناريو الذي جُرّ الناسُ إليه بنزعة إجرامية أنانية سافلة إلى أبعد الحدود.. فالأنانية في الحالة السورية هي أنانية الكرسي يا أصحاب المغناة الذين تراهنون على ما يبدو على نعمة النسيان عند أمة النسيان.
فايا يونان.. من سرق صوتك؟ من أخذه إلى هناك؛ إلى منطقة الإعتام ومنطق التشبيح الذي يتباكى على البلد دون أن يشير إصبعُ إدانتِه بوضوح نبيل صادق صريح نحو من قتل البلد وأزهق أرواح شعبه، رائياً أنها أرواح رخيصة في سبيل بقاء عنترة، وعدم اهتزاز كرسيّ عنترة، وعدم تكدير صفو عنترة!!!
على كل حال لن تمر هكذا ألاعيب طالما في الشعب السوري من يلقي القبض على اللعبة مهما حاول منافقوها تجميلها، هذا ما فعله يوسف بكر الذي أنتج مع آخرين فيديو الرد على فيديو فايا ومن معها، حيث جاء في حيثيات الرد ما يلي: 'رداً على فيديو انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي تؤديه فتاتان تقيمان في إحدى الدول الأوروبية، تغنيان للسلام وإيقاف سفك الدماء.. حيث اتضح لاحقاً أنهما مؤيدتان لنظام الأسد الذي قتل وشرّد الملايين لمجرد أنهم طالبوا بالحرية..'. الفيديو فكرة وإعداد: يوسف بكر، تمثيل: يوسف ومحمود بكر، تصوير: صلاح بكر، إضاءة: شاهين شيخو وسيوار عمر، إخراج: يوسف بكر وإنتاج: فرقة خطوة الفنية، وهو يعتمد على المفارقة الكوميدية السوداء ولا يخلو من الفكاهة الجارحة.
· قاص وإعلامي أردني
نيسان ـ نشر في 2017-07-10 الساعة 19:45
رأي: محمد جميل خضر قاص واعلامي اردني