القدس و"الوصاية" الأردنية
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2017-07-20 الساعة 14:04
التغيير في وصاية الأردن على المقدسات في القدس بعد إعلان فك الارتباط القانوني والإداري، وظلت الأردن مشرفة على المقدسات بموجب القانون الدولي، وأكدت على وصايتها في اتفاقية الدفاع عن القدس والمقدسات، وأشارت إلى بيعة تعود إلى 1924، وأن المقدسات تحت الوصاية الأردنية حتى تحرير القدس وإقامة الدولة الفلسطينية.
لم يعدّل الملك الحسين في الخطاب الذي أعلن فيه فكّ الارتباط القانوني والإداري بالضفة الغربية، قبل إشهاره، في يوليو/ تموز 1988، عندما كتب الخطاب عدنان أبو عودة، المستشار السياسي للملك في حينه، سوى في إضافة بقاء رعاية الأردن المقدّسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة. ونصّت معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل (أكتوبر/ تشرين الأول 1994) على 'احترام' الأخيرة 'الدور الحالي للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن المقدّسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولويةً كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن'، وهو النصّ نفسُه في 'إعلان واشنطن' الذي وقّعه، في يوليو/ تموز 1994، الملك الحسين وإسحق رابين، بحضور بيل كلينتون. وظلت عمّان تترجم هذا النص، وكذا الحال القائم، 'ولايةً أردنيةً هاشميةً' على المقدّسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
عنى ما سبق، وما يزال يعني، إشراف دائرة أوقاف القدس في وزارة الأوقاف الأردنية على المسجد الأقصى وأوقاف المدينة، بموجب القانون الدولي الذي يعد الأردن آخر سلطةٍ محليةٍ مشرفةٍ على تلك المقدّسات قبل احتلالها. ومعلومٌ أن ياسر عرفات كان يتحسّس من إلحاح عمّان على هذا الأمر، ومن أجل 'تطييب خاطره'، ورميا لافتعال نزاعٍ على جِلد الدبّ قبل صيده، واظبت عمّان على القول إنها تنقل وصايتها على المقدّسات والأوقاف في القدس إلى السلطة الفلسطينية، عندما تتوصل الأخيرة إلى اتفاقٍ نهائي مع إسرائيل. وأكّدت على ذلك بعد توقيع الملك عبدالله الثاني والرئيس محمود عبّاس، في إبريل/ نيسان 2013، 'اتفاقية الدفاع عن القدس والمقدّسات'، والتي تؤكّد على 'الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدّسة في مدينة القدس'، وأشير فيها إلى بيعةٍ في هذا الخصوص، تعود إلى 1924. ودفعا لأي امتعاضٍ شعبيّ فلسطيني، قال عبّاس، غير مرّة، إن المقدّسات تحت الوصاية الأردنية حتى تحرير القدس وإقامة الدولة الفلسطينية.
جيء هنا، باسترسالٍ، على نتفٍ من أرشيف علاقة الحكم في الأردن 'الخاصة' مع القدس (اغتيل مؤسس المملكة، عبدالله الأول، في رحاب الأقصى، بعد صلاته الجمعة في يوليو/ تموز 1951) للتأكيد على دور حيوي منوط بالسلطات الأردنية، بل وملزم لها (لم لا؟) بصدد وقف سلطات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها الراهن على الحرم القدسي الشريف، إذ تلزم المصلين والزوار الدخول إليه من بواباتٍ إلكترونية، رفضها المقدسيون وعموم الفلسطينيين، وذلك عقب إغلاق المسجد بذريعة عملية الشبان الثلاثة من أم الفحم، المحتلة في 1948، واستشهادهم بعد قتلهم حارسيْن إسرائيليين (عربيين درزيين!)، وهي العملية التي لم تتبنَها بعد أي جهةٍ فلسطينيةٍ مقاومة.
ومعلومٌ أن كل نوبات توتر العلاقات بين عمّان وتل أبيب غالبا ما تعود إلى الانتهاكات الجسيمة التي تواصل سلطات الاحتلال اقترافها في القدس، وتغطيتها اعتداءات المستوطنين فيها. ومعلومٌ أن نتنياهو اعتبر اتفاق عبدالله الثاني وعبّاس، قبل أربع سنوات، غير ملزمٍ لحكومته. ومعلومٌ أن إسرائيل لا تحترم تعهدا ولا قانونا دوليا، ومن ذلك قرارات 'اليونسكو' التي اعتبر أحدُها الحرم القدسي تراثا عالميا، ما يقتضي مسؤوليةً أمميةً بشأنه. ومعلومٌ أن مسؤولي حكومة الاحتلال كثيرا ما يطيلون ألسنتهم على جهود الأردن الدؤوبة في 'اليونسكو'، وفي محافل أمميةٍ ودوليةٍ، بشأن القدس والمقدّسات فيها (أشاد أردوغان مرّة بهذه الجهود). وإذا كان هذا كله وغيره يعني أن حدود التحرّك الأردني محدودة، أقله كما عوين في غير واقعة، إلا أنه لا يلغي أن ثمّة أوراقا غير قليلة في يد عمّان، في وسعها أن توظفها، وتهدّد بها، لإلزام إسرائيل بعدم تغيير الوضع القائم في 'الأقصى' وجواره. وإذا كانت مكالمة الملك عبدالله الثاني مع نتنياهو، أخيرا، أوقفت إغلاق المسجد المبارك، فذلك من بين كثيرٍ يعني أن عمّان تستطيع أكثر من ذلك، إذا ما اعتنق مطبخ القرار فيها أن للرعاية الهاشمية للمقدّسات في المدينة المحتلة استحقاقاتٌ وفيرةٌ، تجيز، مثلا، مقايضة معاهدة السلام كلها بأمن القدس وأهلها والمصلين فيها، بل بفتح ملفها كلها باتجاه صيغةٍ أخرى. وفي الذاكرة أن الملك الحسين قايض بقاء المعاهدة بسلامة المواطن الأردني خالد مشعل، ذات اعتداء غير منسيّ على هذا المواطن في أرضٍ أردنية.
نيسان ـ نشر في 2017-07-20 الساعة 14:04
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب