اتصل بنا
 

هل قال طاهر المصري للسعوديين ما يعتمل في عقل الدولة الأردنية؟

صحافي أردني

نيسان ـ نشر في 2017-07-23 الساعة 02:15

تساؤلات حول مقالة المصري التي انتقد فيها السياسة الرسمية السعودية، وهل كان ينقل رسالة عتب رسمي أردني أم أنه كان يعبر عن قناعاته الشخصية. المقال يشير إلى تأثير المصري في الأطر التنظيمية والحزبية والنقابية في الأردن، ويصف النقد اللاذع الذي وجهه المصري للسعودية بأنه جرعة زائدة خلت من الود لسياسات الرياض.
نيسان ـ

لا تزال أصداء مقالة دولة رئيس الوزراء السابق طاهر المصري، التي وجه فيها عتباً شديداً للسياسة الرسمية السعودية، تكتسب المزيد من الاهتمام الشعبي والرسمي والإعلامي. والسؤال الذي يشغل بال المراقبين، هو: هل قال المصري للسعوديين ما يعتمل في عقل الدولة الأردنية. وهل كان الرجل يوصل رسالة عتب بطريقة غير مألوفة في ممارسات الدولة السياسية والدبلوماسية؟

مقالة المصري، في أعقاب الرد الذي كتبه السفير السعودي لدى عمّان، خالد بن فيصل بن تركي، يمكن قراءتها من منظورين مختلفين، الأول يدخل في باب المكر السياسي، وهو أن يكون الرجل قد تحدث من موقعه الحالي 'اللارسمي' بلسان وعقل الدولة الأردنية، أي أنه كان قناة لتوجيه عتب رسمي أردني شديد إلى صناع القرار في المطبخ السعودي، الذين تسببوا بضرر فادح للأردن في كثير من الملفات، السورية والعراقية واليمنية والليبية والقطرية والفلسطينية.

أما المنظور الثاني، فهو أن يكون الرجل قد تحدث من موقعه الحالي 'اللارسمي' أيضاً، معبراً عن قناعاته وأفكاره الشخصية التي ما كان له أن ينطق بها لو كان لا زال يشغل أياً من المناصب الرسمية الرفيعة التي تقلدها سابقاً، سواءاً في رئاسة الحكومة أو رئاسة النواب أو رئاسة الأعيان، لكنه تحدث بها، مدعوماً برافعة شعبية (حزبية ونقابية)، وهنا، يسجل للمصري – كما هو معروف- مدى تغلغله وتأثيره في هذه الأطر التنظيمية، والتي تشكل جزءاً من تركيبة دولة المؤسسات الأردنية، وحلقة أساسية من بنية الدولة العميقة، وبحكم أن المصري هو (اشبين) و(عراب) طاولة الحوار الوطني بين الحكومة وقوى المعارضة وجماعات الضغط الحزبية والنقابية الناشطة والفاعلة في البنيوية المؤسسية الأردنية!

وأياً كانت حقيقة الدوافع التي تقف وراء جرعة النقد 'المافوق لاذعة جداً' التي وجهها المصري للسعودية العربية، فإنها بكل تأكيد جرعة زائدة، خلت من الكثير من الود لسياسات الرياض، التي باتت توصف في غير عاصمة إقليمية ودولية من العالم، بأنها محفوفة بالمخاطر ومفرطة في التهور وعدم قياس الأمور وتبعاتها بميزان دقيق.

إنّ المراقب، إن كان يصح له التساؤل: عمّ إن كان المصري قد تحدث بلسان حاله أم أنه كان ينقل رسالة غضب رسمية أردنية أو رسالة غضب شعبية أردنية إلى صانع القرار السعودي؟ فإن الأمر لا يتطلب أي عناء أو اجتهاد لإدراك أن الرد السعودي الذي جاء على لسان السفير خالد بن فيصل، هو رد رسمي، وليس مساجلة صحفية بين صديقين أو زميلين، أحدهما متقاعد والآخر على رأس عمله.

الرسمي السعودي، الذي بات يدرك جيداً أن سياساته في الملفات المختلفة: فلسطين، اليمن، العراق، سورية، ليبيا، مصر، لبنان لا تحظى بقبول أو ترحيب بين أوساط واسعة وشرائح غفيرة من الجماهير العربية، لا بدّ وأنه استشعر القلق، وهو يشاهد دوائر الماء الكبيرة التي أحدثها الحجر الذي ألقاه دولة طاهر المصري في بركة الماء الآسنة، التي ظل الرسمي الأردني حريصاً على عدم تحريكها!

ربما يصح التذكير أيضاً، بأن هذه هي المرة الثانية، التي يصدر فيها – عبر وسائل إعلامية - موقفاً سياسياً ناقداً عن دولة الرئيس (أبونشأت) للسياسات السعودية. فقد سبق للرجل في أواخر شهر أيار الماضي، وفي حوار خاص وحصري عبر هذه المنصة الإعلامية، (نيسان نيوز)، أن سجل ما هو أكبر من ملاحظة على قمة الرياض التي استضافت الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ووصفها بأنها 'قمة ناقصة وبلا أقدام'، كما لفت إلى أن زيارة ترمب للسعودية الهدف الرئيس منها هو زيارة إسرائيل وإعلان تأييده لخططها. محذراً كذلك من دخول المنطقة في صراعات جديدة وطويلة.

تحذير الرئيس (أبونشأت)، لم يمض عليه وقت طويل، حتى انكشفت قمة الرياض عن مبارزة جديدة داخل البيت العربي، أرضها هذه المرة هو صدر البيت الخليجي، وأركانها (قطر والسعودية والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى مصر)، وهو أمر مربك لكل الحسابات السياسية العربية، دون أدنى شك، كما أنه صراع يحجب الشمس عن القضية الفلسطينية، ويجعل الأخيرة تتعفن، أو تصاب بالغرغرينا، في ظلال صراعات مفتعلة بين أخوة الخليج!

الدبلوماسية السعودية، التي يبدو أنها فضلت في المرة الأولى، ابتلاع التصريحات ذات 'المذاق الحار جداً'، التي أطلقها الرئيس (أبونشأت)، آثرت هذه المرة، الرد على لسان السفير خالد بن فيصل بلغة عاتبة، لكنها تصالحية ولا تخلو من التوقير والعاطفة.

كلمات السفير، رغم أناقتها وهدوئها، لكنها في المحصلة لم تنجح في تبييض صفحة السياسات السعودية، على الأقل بين أوساط الجماهير العربية التي تنظر بغضب كبير إلى صناع القرار في الرياض وتحملهم المسؤولية عن جر الأمة إلى أتون نزاعات دموية مكلفة وباهظة في اليمن وليبيا والعراق وسورية، مقابل التخلي عن القضية العربية الأبرز والأعظم التي كانت على الدوام، محل إجماع عربي شعبي ورسمي، وجعلها تتذيل قائمة الاهتمام الدولي والعربي, بل واحتلالها ذيل قائمة الاهتمام في وسائل الإعلام السعودية أيضاً!

وما بين الرد الهادئ للدبلوماسية السعودية، التي حاولت جاهدة دفع التهم عن نفسها، وتبييض صفحتها، وما بين رسالة العتب التي أطلقها دولة الرئيس (أبونشأت) يظل السؤال قائماً: هل تحدث الرجل في رسالته إلى السعوديين عمّ يعتمل في عقل الدولة الأردنية؟

نيسان ـ نشر في 2017-07-23 الساعة 02:15


رأي: سعد الفاعور صحافي أردني

الكلمات الأكثر بحثاً