اتصل بنا
 

الاردن / اسئلة ورهانات مستقبلية !

نيسان ـ نشر في 2017-07-25 الساعة 14:14

تحولات مشروع الهاشمي القومي العربي في الأردن إلى مشروع وطني اردني برموز قومية وتحول العصبية الاردنية إلى عصبية وطنية غلابة في عصر السيادات القطرية المزدهرة بعد هزيمة عام 1967.
نيسان ـ

ورث الاردن من البداية مشروعا قوميا عربيا ، هو( المشروع الهاشمي ) ، لكن هذا المشروع سيصاب منذ مطلع القرن الماضي بالعديد من النكسات ، وسيخسر وجوده في العديد من الساحات العربية ، بدءا من سوريا فالحجاز ثم العراق وفلسطين. ومن الناحية الفعلية لم يعد هذا المشروع يمتلك اي برنامج تنفيذي عابر للحدود ، كما لم يعد شعاره التاريخي ( وحدة ، حرية ، حياة افضل ) يحتل مكانه البارز في جبل عمّان.ولم يعد ايضا يمتلك سوى القليل من الادوات الناعمة لاختراق المجتمعات العربية.فقد تحول واقعيا الى مشروع وطني اردني برموز قومية. وباتت العصبية الاردنية هي الرافعة الاساسية لهذا المشروع باعتباره مشروعا اردنيا هاشميا ، وهذه العصبية الاردنية هي الاخرى ستتحول الى عصبية وطنية غلابة في عصر السيادات القطرية المزدهرة بعد هزيمة عام 1967.

وباتت الدولة الغامضة في الاردن تدرك بصورة فائقة طبيعة التحولات الانكفائية الخطرة في المشهد الاقليمي ، كما اصبحت تدرك وبشكل مستمر ان عصبيتها ومادتها القوية القابلة للتشغيل هي العصبية الاردنية التي لم تعد متحمسة للاشتغالات العابرة للحدود.واذا كان بعض المحللين ، يستسهلون حاليا امكانيات التحريك والتعديل على عنصري الارض والسكان في الدولة الاردنية ، فانهم انما يستندون في تحليلاتهم الى الصورة الانتدابية الاستشراقية القديمة المرسومة عما يسميه الانجليز ترانس جوردان ، ويتجاهلون الواقع الاردني المتجدد والفوّار بالحركة والانفعالات الوجودية الواضحة. فمنذ ستين عاما تقريبا ، حسم وصفي التل اسئلة الاردن في عهد الانتداب ، كما حسم الجدل في متعلقات الصورة الاستشراقية المتمركزة حول اطروحة الكيان الوظيفي والدولة العازلة. فقد رسخ التل عبر صراعاته المريرة مع القوى الاقليمية الكبرى ، الحقيقة الوجودية الاردنية بشكل نهائي لا رجعة فيه ، ووضع الاردن في موقع الند العنيد مع كل تلك القوى مجتمعة ومنفردة ، وبصورة نهائية ايضا.

فالعالم الاردني المتصل بالواقع الفعلي المتجذر يبدو الان ابعد واعمق من اية سيناريوهات متخيلة حتى لو حملت اسماء كبيرة من نوع الاردن الكبير او الاردن العظيم ، فالواقع الاردني الحي لم يعد ينتسب الى عصر السيناريوهات ، وحتى الواقع العربي بمجمله لم يعد قابلا للتقسيم والتوسيع والترسيم بتلك السهولة التي يتصورها الكثيرون ، فنحن اليوم امام مجتمعات اكثر تعقيدا واصعب تركيبا من تلك المجتمعات التي كانت تعيش في زمن سايكس بيكو. وتثبت كل الاحداث الجارية حاليا في فلسطين وبقية الاقطار ان روحا جديدة مستعدة للتضحيات والخسائر تنتشر حاليا في ارجاء هذه المنطقة من طنجة حتى عدن.

غير ان السؤال الفلسطيني سيظل سؤالا اردنيا مهما وجادا ، ورغم ان الحكومة الاردنية تكرر بشكل مستمر بأن قيام الدولة الفلسطينية مصلحة اردنية عليا ، الا انها لم تشرح ابدا لماذا قيام هذه الدولة يعتبر مصلحة اردنية عليا ، وماذا يمكن ان يفعل الاردن اذا لم تتحقق هذه المصلحة الوطنية العليا.والجواب المنطقي طبعا هو الحرب فالدول تحارب عادة دفاعا عن مصالحها الوطنية العليا ، وفي هذه الحالة بالذات يقول الملك عبدالله الثاني في لقاء مع مثقفين اردنيين عام 2011 اننا سنكون مستعدين لاستخدام القوة العسكرية.وهذه الحالة المقصودة بالذات هي تحويل الدولة الفلسطينية المطلوب قيامها من مكانها الطبيعي غرب النهر ، الى شرق النهر. ففي علم الاحتمالات يمكن ان تقع الحرب بين اسرائيل والاردن في هذه الحالة حتما.

وفي هذه المنطقة الواقعة بين البحر والصحراء ثمة الان ثلاث حقائق وجودية لثلاثة شعوب هي : الاسرائيليون والفلسطينيون والاردنيون ، وبينما توجد للاسرائيليين دولتهم وللاردنيين دولتهم فان الفلسطينيين حتى الان بدون دولة ، والسؤال الملح هو ماذا يمكن ان يحدث اذا لم يحصل الفلسطينيون على حقهم في اقامة دولتهم كالطرفين الاخرين ؟!في وقت لم يعد مفيدا فيه لاي طرف محاولة الغاء وجود شعب من هذه الشعوب الثلاثة ، فقد حاول العرب اولا شطب وجود اسرائيل فلم ينجحوا ثم حاولت اسرائيل شطب حقيقة وجود الشعب الفلسطيني فلم تنجح ، وستفشل بالتأكيد اية محاولة لشطب وجود الشعب الاردني ، وقد يكون ثمن افشال هذه المحاولة الاخيرة مكلفا جدا ، وبشكل جعل اسرائيل تستعد مبكرا لاسوأ الاحتمالات عبر بناء جدار عازل مع الاردن شبيه بالجدار العازل مع الفلسطينيين.

وبكل تأكيد فانه ما لم يحدث التحول المطلوب في العقل الاستراتيجي الاسرائيلي ، فعلى الاردنيين والفلسطينيين ان لا يستبعدوا اسوأ الاحتمالات. اما التحول المطلوب والضروري فهو ان يتخلص الاسرائيليون من مفهومهم الديني للصراع ، ويمتثلوا للمفاهيم القانونية الدوليةالتي يتمسك بها الفلسطينيون والاردنيون ويطالبون بتطبيقها ، فبخلاف ذلك ستظل كل الاحتمالات مفتوحة بما فيها احتمالات الحرب الدينية.

ومثلما تستعد اسرائيل لاسوأ الاحتمالات فان الدولة الغامضة في الاردن مستعدة هي الاخرى لجميع الاحتمالات ، لكن العلاقة الاردنية الفلسطينية التي تشهد تحسنا ثابتا منذ سنوات عديدة ستظل بحاجة لمزيد من اجراءات المصارحة والثقة والبحث الجدي في امكانيات التنسيق لمواجهة الخطر الاسرائيلي من جهة ، وبناء تفاهمات قوية تنظم بشكل مستمروعادل اي علاقة بين الطرفين قد تكون محل رهان مستقبلي بعد ظهور الدولة الفلسطينية. وستحمل اية علاقات مستقبلية ناضجة وموثوق بها بين الاردنيين والفلسطينيين وعدا تقدميا هائلا للشعبين ، قد يضعهما معا امام فرصة تاريخية غنية بالطاقات الانسانية القادرة على العبور الى عصر جديد مزدهر والالتحاق نهائيا بعالم المجتمعات المتقدمة.

وفي كل الاحوال ، سيظل مطلوبا من الاردنخلال السنوات القادمة استعادة الاهتمام الجدي بقضاياه الداخلية التي لم تعد اقل اهمية من القضايا والازمات الاقليمية ، فقضايا الداخل الاردني باتت منذ عام 1989 بالتحديد ، تشكل ازمات مستمرة تهدد الامن الوطني.

(يتبع )

نيسان ـ نشر في 2017-07-25 الساعة 14:14


رأي: محمد البدارين

الكلمات الأكثر بحثاً