اتصل بنا
 

من يوقف ارتباك مشهدنا السياسي ؟

نيسان ـ نشر في 2017-07-27 الساعة 15:22

x
نيسان ـ

محمد قبيلات..أظهرت أحداث الأيام الماضية انقسامات حادة في الشارع الأردني، من جهة، وشرخا كبيرا بين الرأي العام والإدارة السياسية الأردنية من جهة أخرى، عكست بالمجمل وجود حالة من عدم الثقة غير المسبوقة في العلاقات البينية، سواء بين مكونات الشعب الأردني أو الشعب والادارة السياسية، وهذه الحالة جديدة، وتُنذر بمخاطر كبيرة، تتطلب ضرورة البدء بمعالجة سريعة لتجنب حدوث الأسوأ.

من الملاحظ، وفق تسلسل الأحداث أن هناك توظيفات كبيرة تنشأ تبعا لأي حدث، وأن الأصوات العالية، سواء المعارضة أو المؤيدة، تبني يقينها وفق مواقفها المسبقة، وغالبا ما يتم القفز عن الحقائق إلى الاستنتاجات والاستخلاصات المتعجلة.

لعل من وقعوا في هذا المطب لا ينقصهم العذر، بسبب غياب المعلومة، وذلك نتيجة مباشرة لأسلوب الحكومة غير الشفّاف في إدارة وتوزيع المعلومات؛ ففي أحداث الرابية ظلَّ الانطباع الأولي السائد لدى المتلقي الأردني أن هجوما وقع على السفارة الإسرائيلية ومبان تابعة لها، بني هذا الانطباع على ما قدمته البيانات الرسمية عن اختراق أمني لخطوط حراسة السفارة، إذ لم تُشِر تلك البيانات الأولية إلى أن الاعتداء وقع من قبل حارس في السفارة ضد مواطنين أردنيين.

أما فيما يخص حادثة الجفر، فقد تأخرت الجهات الرسمية في نشر الفيديو الذي يوثق لحظات وقوع حادث بوابة قاعدة الجفر، وبرغم ضعف هذا الشريط وعدم ارتقائه إلى رتبة الدليل، إلا أن نشره، مثلا، أو شرح الأحداث كما هي كان سيسهل على الرأي العام اختيار توجهاته، بحيث تكون أكثر واقعية، فمثلا في الاعتداءات التي وقعت مؤخرا في بريطانيا، وفي الدول الغربية عموما، تم نشر الحقائق بعد ساعات قلائل من وقوع الحادثة، أو على الأقل تمّ توضيح المعالم الأساسية للقضية إن كانت إرهابية أو جنائية.

من جانب آخر، زاد في هذه الارتباكات الرسمية الالتباس الكبير في حادثتي الجفر والرابية، ما تجلى في المشهد المحلي على السطح، بتحول من يفترض أنهم مهاجمون معتدون إلى ضحايا، فالصورة للوهلة الأولى تبدو على نحو آخر مختلف تماما عن حقيقتها.

ففي سياق الحوادث التي تواجه القوات الأمريكية في المنطقة، كان التفسير الجاهز والأسهل من حيث اتساقه مع المشهد، أن خلفيات المهاجم لا بد أن تكون إسلامية، وأنه نفذ هجوما يحسب ضمن هجمات القاعدة وتنظيم الدولة وليست القصة متعلقة بعسكري يؤدي واجبه وحصل خطأ ما تسبب في إطلاقه النار على الأمريكان، وكذلك الأمر بالنسبة لحادثة السفارة، فالقصة الأسهل على الهضم أن يكون المهاجم مواطنا مدفوعا للرد على ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي في القدس، ولم يدر بخلد أحد أن القصة معكوسة تماما، بل راح ضحيتها مواطنان أردنيان نتيجة عنجهية حارس السفارة المستندة بالضرورة إلى الصلف الذي يتمتع به الكيان الصهيوني.

أما عن انقسامات الشارع، فقد عكست وجود شروخات خطيرة تتهدد بنية المجتمع بأسره ارتكزت إلى الأصول أو الدين أو الولاء السياسي، بحيث راحت الجموع تتحيز مع هذا الموقف أو ذاك من دون مراعاة أو انحياز للدولة كجامع وحارس للمصالح الوطنية العليا.

لقد رسّخت أحداث الأيام الماضية، بما فيها تسيلم المجرم الإسرائيلي 'زيف'، حالة من اللايقين لدى مختلف قطاعات الأردنيين، وربما يتطلب علاجها تنفيذ إجراءات جذرية أبعد من التغييرات التي كانت تقف في العادة عند حدود إجراء بعض التبديلات في الإدارات التنفيذية.

نيسان ـ نشر في 2017-07-27 الساعة 15:22

الكلمات الأكثر بحثاً