اتصل بنا
 

السجين نذير الدايخة لا يشرب القهوة

نيسان ـ نشر في 2017-07-30 الساعة 16:04

نذير الدايخة: ذاكرة قوية وقدرة على سرد الأحداث بطريقة منطقية
نيسان ـ

يتمتع نذير الدايخة بذاكرة قوية، وذهن وقّاد، ومقدرة على سرد الوقائع والأحداث بطريقة متسلسلة منطقياً. وبحسب ما حكى لوالدته مرة، فإن الحالات غير المفهومة التي صادَفَتْهُ في حياته قليلة جداً، وإن لمْ يفهمها في وقت حدوثها تبقى في محيط عقله، يُقَلِّبُها ويُدَوِّرُها على وجوهها المختلفة، حتى يفهمها، ووقتها يرتاح نفسياً ويصبح نومُهُ وتَنَفُّسُهُ أفضل من قبل.
حينما يخرج نذير من السجن، إذا خرج، فلسوف يحكي لوالدته كيف أن المعتقلين الذين تعرضوا للضرب من العساكر في 'ساحة السجن' قد أصيبوا، وخَلَّفَ الضربُ العشوائيُّ في أجسامهم ووجوههم جروحاً وكدمات، وأحدُهم كُسِرَتْ يَدُه.. إلا هو، فعندما دُفِعَ المعتقلون، بعد تخليصهم من الكلبشات، نحو الساحة، وبدأ العساكر الضرب، اندفع غريزياً بين الأجساد الهاربة، حتى صادفَ مكاناً صغيراً بزاوية فيها سقفٌ واطئ لمهجع كبير.. هذا المكان ظَلَّلَه، فلم يعد أيٌّ من الجلادين قادرا على أن يضربه، ولو حاول أحدُهم ضربه فستصطدم يدُه بحافّة السقف ويتأذى.. وقد حمد الله في سرّه على أن عدد المعتقلين كبير بما يكفي لإفراغ ما يحمله العساكر في أنفسهم من حقد وغل، فلو كان العددُ قليلاً، لا سمح الله، فلربما أجبروه على الخروج من هذه الزاوية، وضربوه حتى يتورّم جسمُه.
سيحكي لأمه، كذلك، عن لقائه الطويل مع مدير السجن، وكيف توتّر الجو بينهما أكثر من مرة، وكاد المدير أن يَبلغ قمةَ الغضب، ويَخْرُجَ من وراء مكتبه ويبطحه أرضاً ويعجق عليه بقدميه، لكنه كان، عندما يحسّ بوجود هذه الرغبة لدى الضابط، يُمَرِّرُ له وعداً بأن يفيده بشيء له علاقة بالإرهابيين، ومُنَظمي المظاهرات الذين يدفعون ألفي ليرة للمتظاهر عن كل مظاهرة، فيتراجع، ويتيح له متابعة الحديث، حتى إذا ما واجهه، في آخر اللقاء، بحقيقة أن الناس لا يمكن أن يعرّضوا أنفسهم لكل هذه الآلام لأجل مبلغٍ تافه صُعِقَ، وأدار وجهه عنه، ورنّ الجرس، فظهر أربعة من العسكر، تقدّموا منه، وسحبوه من يده إلى الممر، وأغلقوا الباب.
في الممر، كان العساكر يحاولون إجباره على السير بسرعة، وهو غير قادرٍ على ذلك، بسبب العطب في مفصل ساقه اليمنى.. وعلى إيقاع مشيته العارجة، شرعوا يضربونه، إما بأرجلهم، أو بحمالات المفاتيح، أو بقبضاتهم، والحقيقة أن هذه الحركات أرغمته على الإسراع، فلو أنه تُرك على سجيّته لتأخر في الوصول إلى حيث كانوا يقتادونه.
كان ثمّة رجل خمسيني جالساً وراء طاولة خشبية في وسط المكتب الذي أدخلوه إليه. الرجل، بمجرد ما رأى نذير هب واقفاً، ومد له يده مصافحاً، ثم أوعز للعساكر أن يغادروا المكان، ففعلوا، وقال له مشيراً إلى كرسي خشبي: اجلس، يا سيد نذير. جَلَس. قال له: تشرب قهوة؟
قال نذير: أنا لا أشرب القهوة أبداً، لأنه، من زمان، ذهب رجلٌ إلى عيادة الطبيب، وقال له: يا دكتور، بودي أحكي لك حكاية، وبعدها سأسألك سؤالاً محدّداً. كنت، صباح اليوم، جالساً في المقهى القريب من بيتي، وفجأة دخل أحد عناصر 'الأمن العسكري'، ومن دون أن يبدي الأسباب، ضربني بالكف، وخرج. أنا، من قهري، شربتُ فنجاناً من القهوة، فراقت أعصابي. وبعد ساعة، وأنا في البيت، قُرع الباب، فتحتُه، وإذا بالعنصر نفسه يظهر لي، بصق في وجهي، وقال لي: أنت كلب واطي. وتركني ومضى. غضبتُ كثيراً وطلبت من زوجتي أن تأتيني بفنجان قهوةٍ لأروّق به أعصابي، ففعلت، وحينما خرجتُ من البيت، وجدتُ سيارتي قد كتبت عليها عبارة: يا كلب لا 'تكرّج' سيارتك مكان سيارات أسيادك. ففهمت المغزى، وركبت سيارتي، وعدت إلى المقهى، وشربت فنجاناً آخر من المقهى، فراقت أعصابي. سؤالي الآن هو: برأيك، دكتور، الإكثار من القهوة، ألا يضر بالجسم؟
(فصل من قصة متسلسلة)

نيسان ـ نشر في 2017-07-30 الساعة 16:04


رأي: خطيب بدلة

الكلمات الأكثر بحثاً