اتصل بنا
 

إرّي دي لوكا.. مهرّباً اللاجئين

نيسان ـ نشر في 2017-08-01 الساعة 16:56

رواية الطبيعة المكشوفة تذكرنا بجسارة اللاجئين وتحث على التلاعب بالحدود والقوانين، وتتبع قصة نحات يساعد في تهريب المهاجرين عبر الحدود ويواجه انتقادات من أصدقائه، ويتحول إلى ترميم صليب قديم ويتصادق مع امرأة أخرى في الساحل.
نيسان ـ

في حين يشكّل اللاجئون أزمةً كبيرةً تواجهها المجتمعات الأوروبية على اختلافها، يذكّرنا الأديب الإيطالي المعروف عالميا، إرّي دي لوكا، بالجسارة الاستثنائية لأولئك الذين يُرغمون على مغادرة بلدانهم، حين يصنع منهم أبطالا في روايته الأخيرة 'الطبيعة المكشوفة'.
تجري الرواية في قريةٍ عند سفح الجبل شمال إيطاليا، حيث يقوم نحّات هجرته حبيبته، لأنها كانت تلومه على تواضعه، بمساعدة اثنين من أصدقائه، الحدّاد والخبّاز، على تمرير رجال ونساء لعبور الحدود، سرّا، لقاء مبلغ معيّن. النحّات، وهو الراوي، رجل وحداني، خشن، يمضي وقته في التسلّق، بحثا عن معادن وبقايا متحجّرة وحجارة لها 'شكل أحرف الأبجدية'. الطرق وعرة ومحفوفة بالمخاطر، لكن الأصدقاء الثلاثة ينجحون غالبا في إيصال المهاجرين إلى وجهتهم. حينها، يعيد النحّات دوما ما قبضه. ذات يوم، سينشر أحد هؤلاء الناجين الذين عبروا الحدود كتابا يروي فيه رحلته وقصة إرجاع المال إليه، فيأتي فريقٌ تلفزيونيٌّ إلى القرية لمقابلة المعنيين. الحدّاد والخبّاز يغضبان على النحّات، لأنهما باتا مجبريْن على ترك مهنتهما تلك، على الرغم من أن المهاجرين سيستمرون في القدوم هربا من الحرب، أو بحثا عن الرزق، وعليهم الآن إيجاد طرق أخرى.
'يدعونهم اللاجئين، لكن بالنسبة لي، هم مسافرون فقراء مرّوا بأسوأ الظروف'، يقول الراوي، في حين يعلّق الكاتب قائلا: 'ما يزعجني حين أستمع إلى الكلام الرسمي عن حالة اللاجئين، هو إلى أية درجةٍ هو كلام مغشوشٌ وغير مسؤول. اليوم، هناك واجب تحمّل مسؤولية أولئك الناس الذين يتركون بلدانهم، ليذهبوا إلى أخرى لا يعرفون فيها أحدا، ويعيشون كيفما قدروا... الحدود والقوانين ليست طبيعية في رأيي، وسوف أعارض دائما وأبدا هذه الفكرة، فالحدود والقوانين هي ما يخترعه البشر، وما يدمّرونه. لذا، ينبغي معرفة التلاعب بها والمجازفة، حينما تقتضي الظروف'.
يقرّر النحّات مغادرة جبله سرّا إلى الساحل، حيث سيضطلع لاحقا بمهمّةٍ يعهد بها إليه كاهنٌ مقيم هناك: ترميم صليب قديم من الرخام، ونزع القماشة الرخامية الصغيرة التي أضيفت في ما بعد لكي تغطي عُري المصلوب. يستقر النحّات في بيتٍ على الشاطئ، ثم يلتقي بامرأة أخرى، ثم يتصادق مع عامل جزائري يعمل في قصّ الرخام، وحين يعصى عليه الترميم وإعادة التمثال إلى حالته الأصلية، يقرّر السفر إلى مدينة نابولي، لمعاينة التماثيل القديمة عن قرب. عند عودته، يجد فنّاننا الحلّ، مُنهيا المشروع الذي جاء من أجله.
هذه هي قصة هذه الرواية الصغيرة بعدد صفحاتها، والكبيرة بمعانيها، والتي تروى في مزرعة جبلية شمالي إيطاليا، ذات ليلة صيف، بحبكتها وأحداثها ونهايتها المفاجئة وشخصياتها التي لا تملك أسماء: الكاهن، المرأة، الصيادون، العامل الجزائري، الحدّاد، إلخ. قصة بسيطة يعبرها السياسيّ كما الديني، إنما من دون الارتهان لأيٍّ منهما، لأن الموضوع أشبه بمرافعة يقدّمها الكاتب الإيطالي، دفاعا عن المعنى المعاصر للمقدّس والدنيوي، للإبداع والخلق والرحمة والتعاطف الكوني.
وكما هي الحال في معظم أعماله، يعمد دي لوكا إلى السموّ بموضوعه الروائي المتميّز بجملٍ متقشفة منضبطة، وأسلوبٍ بسيط دقيق، ومنحه ذاك الشعور العميق الذي يُضفي بُعدا مقدّسا على كل عملٍ، مهما صغر. ولا يعني الأمر مَن كان مؤمنا فقط، لأن ما نقوم به هو من الأهمية بحيث يمنح الوجودَ والواقعَ وزنا. هكذا يجد الراوي - الشخصية الرئيسة وقد فقد توأمه طفلا - الإجابة على غياب استمرّ 50 عاما، من خلال التزامه الإنساني أولا، والتزامه الفنّي ثانيا.
'كان أعسر، وأنا لا. تكريما لذكراه، أردت تعلّم استخدام يدي اليسرى أيضا. كنت أكتب على دفتري صفحةً بيدي، وأخرى بيده. وعلى مائدة الطعام، كنت أبدّل أمكنة الصحون، هكذا كانت تبقى يدانا توأمين'.

نيسان ـ نشر في 2017-08-01 الساعة 16:56


رأي: نجوى بركات

الكلمات الأكثر بحثاً