اتصل بنا
 

"ليبراسيون".. وغيرها

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2017-08-06 الساعة 16:12

صحيفة بيونس أيريس هيرالد تتوقف عن الصدور بسبب تراجع مبيعات الصحف الورقية، في حين تزداد مبيعات صحف ليبراسيون ولوموند الفرنسيتين، وتتحدث بعض التقارير عن وجود صحف صامدة ومبدعة تحاول ابتكار طرائق عملية خلاقة للتعايش مع الفضاء الإلكتروني.
نيسان ـ

أعلن، قبل أيام في الأرجنتين، أن صحيفة بيونس أيريس هيرالد (تصدر منذ 140 عاما) ستتوقف عن الصدور، وهي اليومية التي تحولت أسبوعية قبل عام، للأسباب الشبيهة التي تتردّد بشأن صحف عديدة في العالم (ومنه البلاد العربية) كفّت عن الصدور، غزو الصحافة الإلكترونية، وازورار القراء عن شراء الصحف الورقية، مثلا. ولكن، بينما كانت الصحيفة الأرجنتينية تنعى نفسها، وهي التي طالما اعترضت على العسف والدكتاتوريات في بلادها، أعلنت صحيفة ليبراسيون الفرنسية (اليسارية) أنها حققت زيادةً بمبيعاتها بنسبة 7%، وهي التي كان توزيعها قد ارتفع في إبريل/ نيسان الماضي 12%، فيما يزور موقعها الإلكتروني مليون يوميا، على ما تقول. وليست هذه الصحيفة الشجاعة في مناهضتها العنصرية، وإسنادها المهاجرين واللاجئين، وحدها في فرنسا التي يزداد توزيع نسخها الورقية، فهذه 'لوموند' قرأنا أن توزيعها زاد 12% في مايو/ أيار الماضي.
هل ثمّة استثناء فرنسي ما في الموضوع، طالما أن صحفا غير قليلة، في أميركا وأوروبا وأفريقيا، تتوالى أخبارٌ عن هزائم تتلقاها من الإنترنت ومنصّاته، والمواقع الإعلامية الإلكترونية التي صار تحديثها، أشكالا ومضامين، جهدا أساسيا لدى خبراء الإعلام؟ تحتاج الإجابة إلى إحاطة أوفى بالمسألة كلها. ولكن أيضا، هذا هو الرئيس التنفيذي لموقع أمازون وصاحبه، جيف بيزوس، يشتري صحيفة واشنطن بوست الورقية بـ 250 مليون دولار، في العام 2013، بعد أيام من قوله إن الصحافة الورقية ستنتهي في 2020. كما نشر، والله أعلم، أن موقع 'فيسبوك' سيصدر صحيفة ورقية... ما الذي يعنيه هذا؟ هل نستسلم لتشييع الصحافة الورقية، في مراسم لرثائها ونعيها، أم نقارب المسألة من مطرح آخر، طالما أنه في مقابل صحفٍ تموت ثمّة صحفٌ صامدة، وأوضاعها معقولة، وإنْ ليس كما في الأيام الخوالي؟ ينسلّ من هذا السؤال واحد آخر عمّا إذا كان ثمّة عقول مبدعة في الصحف التي تواجه ظروفا صعبة، وتمضي بخطواتٍ ثقيلة إلى نهايتها، تحاول اجتراح صيغ ممكنة، وطرائق عملية خلاقة، فيها تجديد وابتكار يتعايشان مع الفضاء الإلكتروني، ويحميان 'الورق' مما يُظنّ أنه ليس منه بد؟
الخبير في تطوير الإعلام، والأستاذ الزائر في جامعة أوكسفورد، خوان سنيور، ألقى محاضرة في مايو/ أيار الماضي، في الجامعة الأميركية في القاهرة، خلاصتها أن الصحافة الورقية لن تموت، وأن الشكل الحالي لها قد يختفي أو يتأثر، 'ولكن، في النهاية سيكون هناك نموذج ورقي ناجح بشكل أو بآخر'. ويوصينا الرجل، نحن الصحافيين، بأنه بدلا من ترديدنا القول إن الصحف ستموت، 'بأن نعمل بجدّية، وبصورة مختلفة، لضخ الحياة داخل صحفنا'. ولا توفر ملخصات لمحاضرة الخبير (الزميل؟) الكيفيات الشافية لتحقيق ما يطالب به ويدعو إليه، ولا سيما أن نصائحه، العظيمة الفائدة عن حق، تنفع للصحافتين، الورقية والإلكترونية، ومنها الوفاء التام للحقائق والمعلومات الموثقة والمؤكدة، وأن نكفّ، نحن الصحافيين، عن الثرثرة وإنتاجها وتصنيعها، وأن لا يعتبر كل واحد منا نفسه خبيرا ومحللا.
مقنعٌ كلام خوان سنيور بشأن بقاء الصحافة الورقية، إذا ما تم الاعتناء الجدّي بالجوهري المهم الذي قاله بصددها، وهذه 'ليبراسيون' الفرنسية (وغيرها ربما) تقدّم ما يبعث على شيء من الاطمئنان على عافية هذه الصحافة التي يلحّ صاحبنا على أهمية الإبداع في محتواها وفي تقديمه، عندما يعتنق صنّاعه حقيقة أنه لا صراع بين الرقمي والمطبوع في الصحافة، إذا تعزّزت القناعة بأن ولادة منتجٍ لا يعني وفاة آخر.
القصة عويصة بعض الشيء، وأهل الاجتهاد في شؤونها وشجونها قليلون، ولا يدّعي صاحب هذه الكلمات قولا فصلا فيها، غير أن من المدهش أن لا تسمع، مثلا، بشأن صحيفةٍ أردنية عريقة لم يستلم العاملون فيها رواتبهم منذ عشرين شهرا، اقتراحا شجاعا وجريئا، إبداعيا ومفاجئا، يحافظ على الصحيفة، بمحتوىً وأدوات جديديْن مثلا، ويحفظ للزملاء فيها عملهم، من قبيل اقتراح يهمس به مسؤول أردني سابق، وهو أن تتوجّه هذه الصحيفة إلى الاندماج مع صحيفة يومية عتيدة (منافسة لها سابقا)، على أن تقود المنشأة الجديدة عقولٌ أخرى، من غير الصنف الذي نرى قدامنا.. مجرّد اقتراح.

نيسان ـ نشر في 2017-08-06 الساعة 16:12


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً