علاقات من ورق!

في حياتنا نحن من نسمي أنفسنا بالبسطاء، شبكة من العقد تجعل المسافة بين الخطين المستقيمين أبعد كثيرا من المسافة بين ظهر الورقة وباطنها.

هذا النوع من الصراع الداخلي يجعل كل ما نعتقد انه صواب هشا بحيث يصعب علينا الغوص في غموض العلاقات اليومية أو سبر أغوار السلوك العام دون أن نثقب الورقة أو أن نتلفها أو نمزقها.
وبما ان هذا النوع من العلاقات هو من النوع الورقي فإن السلوك والسلوك المقابل والفعل ورد الفعل قابل للطي او للانكماش اوالكرمشة، كما أن هذا السلوك بات قابلا في ظل طغيان الأسلاك الكهربائية والومضات الالكترونية لأن يكون لحظيا ويغلب عليه طابع السرعة دون عمق عاطفي.
فقد ابتعد أغلبنا عن الحوار المباشر فيما صارت شاشات الكمبيوتر هي الوسيلة الأكثر انتشارا، بل بات الكثير من يخوض حروبه الفكرية والاجتماعية حتى السياسية عبر الكيبورد، ما أسهل أن تكون شجاعا عبر الكيبورد، وما اصعب ان تمارس قناعتك بشكل مباشر وجها لوجه.
شبكة من العلاقات المتشابكة والمعقدة غير المنسجمة والتعقيدات التي باتت تتوالى يوما بيوم وساعة بعد أخرى أوصلتنا الى نتائج كراثية بحيث لم يعد هناك جدوى من الاعتقاد بأن لغة تفاهم واحدة تجمعنا، أو قانونا اجتماعيا يربطنا. فيما بات المعجم الرائج السائد حاليا يعج بمفردات مترادفة تلتقي عند دلالة واحدة هي ان كل شيء أصبح مباحا ومتاحا في غياب روادع فكرية وثقافية واخلاقية ولغة حوار مشتركة.
تلك الحروب الأهلية التي تدور رحاها في دواخلنا، ما بين الخير والشر، العطاء والأنانية، الصدق والكذب، الحب والكراهية، التسامح والعنصرية، العصيان والخضوع، الشجاعة والجبن، الكسب والتقشف، الكسل والتعبئة ..الخ تحولت الى ومضات الكترونية، نخوضها عبر الكيبورد، وبدرجة عالية من الانفعال.
ومن بين آلاف المشاهد المتناقضة بين الوسائل والغايات التي نعيشها صار المشهد اشبه بحوار ممجوج يبتعد عن كونه واقعيا.
احد الأصدقاء أبلغني بغضب انه قاطع صديقا آخر؛ لأن حجم الاعجابات «اللايكات» التي تلقاها لم تكن كافية الأمر الذي اعتبره تجاهلا مقصودا.
شقيقان اختلفا سياسيا عبر الـ»ماسنجر» في الفيسبوك، مضى عيدان ولم يتصافحا، ولم يسلما على بعض ولو من باب المجاملة.. صديق آخر توعد على تويتر بحرب لا قبل لهم فيها.. وآخرون تصافحوا وتصالحوا وتحاربوا.. كل ذلك عبر الفضاء الاكتروني.. لكن كل هذه العلاقات والمشاحنات تختفي مع انقطاع الاتصال. سؤال يعتمد على نوع الورق.