اتصل بنا
 

من واقع الافتراض المؤسف

نيسان ـ نشر في 2017-08-21 الساعة 13:36

انتهاك خصوصية العروس ومحاولة انتقامية من العريس يؤدي إلى توقيفه ومحاكمته، في حين تعاني امرأة عجوز من الخرف في الأردن وتتعرض للاستهزاء والتنمر عبر فيديو مسرب على واتس آب.
نيسان ـ

قرّرت العروس فسخ خطبتها عليه، لأسبابٍ تخصّها. ربما لم تجد فيه مواصفات الشريك الملائم لطموحها المشروع في بناء أسرة سعيدةٍ منسجمة. بمعنى آخر، مارست الفتاة حقها الطبيعي في اتخاذ القرار النهائي بشأن المضي في الزواج، وهو خيار حر، تبيحه مرحلة الخطوبة للطرفين، حيث فرصة التعرف عن كثب. ماذا فعل الخطيب المتروك في المقابل؟ ادّعى تقبلا للأمر، وتمنى لها التوفيق. وعلى سبيل الاعتذار، قام بمونتاج فيديو قصير يتضمن مجموعة من الصور، تجمعه وخطيبته السابقة، على وقع كلمات أغنية رومانسية، ضمّنها عبارات اعتذار للعروس المنسحبة. ونشر الفيديو على نطاق واسع، ضمانا لانتشار أكبر على 'فيسبوك'.
لم تقبل العروس الهدية المريبة التي تنطوي على نية انتقامٍ مبيتة، واعتبرت الأمر انتهاكا سافرا لخصوصيتها، كون الصور نشرت من دون موافقتها. لجأت إلى القضاء، وتقدمت بشكوى رسمية، فتم توقيف العريس المنتقم، تمهيدا لمحاكمته حسب الأصول. حقا تستحقّ هذه الفتاة الحرة التقدير والإعجاب، وقد أحسنت صنعا بالتصدّي وبالدفاع عن خصوصيتها المنتهكة، وبالملاحقة القانوينة بحق عريس الغفلة، بسبب السلوك الفج والأحمق الذي أقدم عليه بدون تقدير أو احترام لعائلةٍ فتحت له باب بيتها، فخان الأمانة، ولم يحافظ على حرمة البيت، على أمل أن تلقنه (وأمثاله) العقوبة القانونية الرادعة درسا في الأدب والأخلاق، وفي كيفية احترام حق الناس في الخصوصية... لا تتكرر هذه النهاية السعيدة العادلة للحكاية كثيرا لشديد الأسف، إذ يتطلب الأمر وعيا عالي المستوى، واحتراما للذات، واعتدادا بها.
وفي قصةٍ محزنةٍ لعجوزٍ أردنية مسّها الخرف، فلم تعد قادرة على الدفاع عن نفسها ممن فضح حالها على الملأ، من أفراد عائلتها الذين سمحوا لأنفسهم ببث مقطع فيديو صادم، تم تداوله بلا رأفة من خلال تطبيق واتس آب، حيث تستفز امرأة بلا ضمير، حرصت على عدم إظهار صورتها، السيدة المريضة فاقدة القدرة على التمييز، ما جعلها تطلق شتائم نابية وسط ضحكات الموجودين المتوارين بخسّة خلف الكاميرا، فيستفزونها أكثر، لكي تتمادى في التلفظ بالشتائم النابية، ولا تدرك العجوز المسكينة كم هي مستباحة ومنتهكة.
إشاعة مرض شيخوختها غير المصانة للجميع، في خرقٍ سافرٍ لكرامتها وحقها على عائلتها في الرعاية والحماية والأمان والكرامة، جريمة بشعة نكراء، ارتكبتها العائلة الظالمة الجاهلة العاقّة التي نشرت الفيديو المنزلي، وساهم بها كل من سمح لنفسه بتمرير الفيديو غير المضحك، بل المخزي والمبكي الذي ينعى حس الشفقة والإنسانية والضمير والأخلاق التي غادرت إلى غير رجعة من قلوبٍ قاسية لا تتوانى عن التضحية بسمعة آخرين وكرامتهم، من أجل اجتلاب ضحكات بلهاء. وليس للعجوز المعتدى عليها من يدافع عنها في ظل هذا الفضاء الافتراضي الذي استباح كل شي، وإلا لتم اللجوء إلى القضاء، ومحاسبة من أقدم على الفعلة الشنعاء التي مضت ومثيلاتها بلا حساب أو عقاب.
غالبا ما نصادف، في هذا الفضاء المؤسف، فيديوهات تسخر من ضحايا بسطاء من ذوي الاحتياجات الخاصة غير مدركين، يتم تداولها، وتحصد تعليقات مسيئة قاسية كثيرة، ولا ينجو أطفال صغار من غباء ذويهم، فتنتشر لقطاتٌ طريفةُ لهم، من دون الالتفات إلى أن هذا الفضاء متاح لكل نماذج البشر البشعة، حتى المعتدين على الأطفال، والقتلة وغريبي الأطوار. صور انتهاك الخصوصية لا حصر لها، بل باتت روتينةً عادية، لفرط تكرارها، لعل أقساها صور المحسنين غير الكرام الذين ينشطون في المواسم الدينية، والأعياد والمناسبات الانتخابية، تنشر لهم لقطات فيديو وهم يحتضنون، بحنان مفتعل، أيتاما فقراء محرومين حفاة عراة جوعى، يتم استثمار ضعفهم في مزيد من الإذلال والمهانة.
يبدو أن البشاعات لن تتوقف في هذا الفضاء اللعين. سيواصل هؤلاء، وبلا أدنى حساسية، التقاط الصور مع الأيتام المعوزين، وهم يتلقون الإحسان المهين، كما لو كانوا قردةً في سيرك، في انتهاكٍ واضح، واستعراض غبي وفج، بأقبح صوره... لا عزاء، ولا نصير، للضحايا المستلبين. وعلى الإنسانية السلام... والعوض بسلامتكم.

نيسان ـ نشر في 2017-08-21 الساعة 13:36


رأي: بسمة النسور

الكلمات الأكثر بحثاً