وكيل دفا ووكيل وفا..الدولة في مأزق
نيسان ـ نشر في 2017-08-23 الساعة 13:11
'تعيين الدكتور فلان الفلاني وعشيرته وكيلا للوفاء، والنائب فلان العلنتاني بالإضافة لعشيرته وكيلا للدفا'. يكفي هذا السطر اليتيم لنتأكد أننا نعيش ما قبل الدولة المدنية، وأن كل ما يقال وينشر عن دولة القانون والمؤسسات لا يصمد أمام طوفان دولة العرف العشائري.
أمس انتهت حفلة شتائم إلكترونية على صفحات الفيسبك إلى إطلاق أكاديمي النار على زميله خارج أسوار جامعة البلقاء، كما قالت الجامعة في بيانها الذي أكد وقوع الحادثة في ساعة متأخرة من ليل أمس الأول.
كان من الممكن القفز عن كل ذلك، باعتبار أن العنف جزء أصيل في بنيتنا الاجتماعية، فتسطيع مثلاً أن تحوّل فرحاً إلى مسرح من العنف بمجرد أن تنظر إلى أحدهم نظرة ما. لكن، نحن نتحدث عن أكاديميين، ونماذج علمية انفقوا سنوات طويلة في البحث والمدارسة قبل ان يأخذوا على عاتقهم تربية أبنائنا على قيم البناء والإنتاج وبإطار من القانون والأنظمة والتعليمات، ثم جرى تدريسهم.
بالنظر إلى أن طبقة المثقفين والمتعملين والاكاديميين تعتبر حجر الأساس في الدولة المدنية فإن فجيعتنا لا يمكن تصورها، لا بل علينا إعادة قراءة المشهد مرات عديدة؛ للخروج من مأزق سلطة العشيرة المستقرة في بنيتنا الاجتماعية، والعمل على تسييد سلطة الدولة وقوانينها، ونفض أيدينا من ثقافة ما قبل الدولة، وبكامل هوياتها الفرعية.
قبل مشهد وكيل الوفاء ووكيل الدفا، كنا نتحدث عن مستويات أقل من العنف المجتمعي، إذ ظل بها الطلاب محور العملية وعمقها، لكن علينا اليوم التحول لمستويات أخطر، مستويات تشمل أكاديميين قرروا بلحظة غضب التنازل عن كامل أدواتهم العملية، ومهاراتهم الأكاديمية، والانخراط في مشهد 'الآكشن'، حاملين أسلحتهم وذخائرهم الحية.
من منا سيقول لطالب بعد اليوم، لماذا تحمل قنوة أو سكيناً وتشارك في مشاجرة طالبية بحرم جامعي؟. بالمقابل، ماذا لو حدث أن عشيرة الأكاديمي الجاني رفضت أخذ عطوة اعتراف وطالبت بتنفيذ القانون؟.
إنها أسئلة أكثر من صعبة، وتحتاج قبل الإجابة عليها إلى بناء ثقافة مجتمعية جديدة على أنقاض ما نعانيه اليوم من صعود كبير وسطوة للهوية القبلية والعشائرية والمناطقية على حساب هوية الدولة وأركانها ومؤسساتها.
الخطير في ذلك كله هو انسحاب الأجهزة الرسمية واستلابها أمام عملاق اسمه 'الأعراف العشائرية'، لا بل إنها تقوم بأدوار كثيرة لصالح إنجاز العطوة وعدم تعطيلها، حتى لو تطلب الأمر تعطيل القانون نفسه.


