اتصل بنا
 

هل هو استبداد السلطة الخامسة؟

صحافية وكاتبة أردنية

نيسان ـ نشر في 2017-08-29 الساعة 09:31

دور المجتمع المدني في الحرية والتغيير: بين الحقيقة والتحديات
نيسان ـ

ترفع منظمات المجتمع المدني شعار الحرية دائماً وأبداً، وعلينا نحن الصحافيين أن نذكّر أنفسنا كل يوم أننا أعين الناس وآذانهم ولا نعمل لأجل فئة معينة. صحيح أن زملاء في المهنة على طول العالم كله لا يؤمنون بذلك، وصحيح أن الاستقطاب الذي تعيشه المؤسسات الإعلامية في العالم، كبير جداً، لكن ذلك كله لا يمنعنا من العودة إلى أصل الأشياء، والعمل بمقتضياتها كلما سمح الظرف.
على الجانب الآخر، نشأت سلطة مع تنامي الفكر الليبرالي في العالم، وهي السلطة الخامسة ممثلة بمنظمات المجتمع المدني ومراكز الدراسات والبحوث، وهي منظمات اقتاتت على مفاهيم الحرية التي صاغ مبادئها الفكر الليبرالي. وهي في النهاية لم تكن فكرة غريبة عن مجتمعنا، ففي الأردن على سبيل المثال لا الحصر، شاهدنا منظمات أهلية ساهمت ببناء المجتمع، منذ سنوات طويلة. لكن مفهوم منظمات المجتمع المدني على طول السنوات الماضية وتحديداً منذ العام 1990 (انهيار الاتحاد السوفيتي، واستقواء قطب واحد في العالم، وتقديم وصفة النظام العالمي الجديد) بدأ يتقولب وفق مفاهيم لا بد من التوقف أمامها.
أثناء ما يسمى 'الربيع العربي' كان لمنظمات المجتمع المدني حضور بارز في كل الدول التي تمدد فيها الربيع العربي، وحتى في تلك - التي لم تصلها نيران الربيع - مارس المجتمع المدني دور الراصد والجامع للمعلومات. ولا يخف على أحد أن المنظمات المدنية ذات التمويل الأجنبي، كانت حصان طروادة في بلادنا ومازالت.
هنا، أأكد أن غضب الشعب المصري والتونسي وباقي الشعوب العربية، كان مبرراً، بل إن لحظة الثورة كانت قد حانت في بلادٍ عربية دون أخرى، لكن أطراف منظمة تمكنت من التقاط تلك اللحظة والعمل لصالحها، وحرف الشعارات من شعارات تواجه سياسات التجويع والإفقار إلى تلك التي تطالب بالحرية فقط!
وهنا، أأكد أنني لا أجرّم كل منظمات المجتمع المدني، لكنني أقول، أن المفاهيم التي تقدمها هذه المنظمات لا بد أن يتم تشريحها تحت المجهر، وكل دراساتها حول مجتمعاتنا يجب أن يدور حولها بحث معمق. كثير من المنظمات تنقل لنا الأفكار والقيم بحسن نية، لكنها أفكار وقيم لا بد من التوقف عندها. وهنا أقول: إذا كان المجتمع المدني يسوّق أنه الأقرب إلى الناس، فعليه أن يحترم الصحافة من باب أنها عين الناس وأذنهم، وأن لا يكون في برامجهم جلسات مغلقة لإعلاميين محددين، بل من حق كل الإعلاميين بتياراتهم المختلفة، ووسائل إعلامهم المتنوعة أن يتابعوا هذه المنظمات لتكون أفكارها وأدبياتها تحت مجهر البحث والتدقيق، لأننا كشعوب، وبعد مجريات الست سنوات الماضية، من حقنا متابعة هذه المنظمات.
أقول ذلك، نتيجة لتعرضي للمنع من متابعة ندوة بعنوان الحركة الإسلامية في الأردن نموذجاً (2007-2017) من قبل مركز دراسات الشرق الأوسط، بحجة أن للمركز قائمة صحافيين تخصهم، وبحجة أنني لست مدعوة. وعندما قمت بإثارة القضية كانت الإجابة أن المسؤول في المركز لم يعرف بذلك، وأنني لم اقم بالترتيب معهم مسبقاً.
ما جرى أنني اتصلت بالمركز قبل يوم من انعقاد الندوة، عندما قرأت الخبر في الصحف، لأعرف تفاصيل الندوة، والمكالمة مسجلة على هاتفي، وكذلك عندما ذهبت، خرج لي مسؤول في المركز من القاعة واعتذر عن إمكانية حضوري، فإن كان موظف المركز الذي هاتفته قبلها بيوم، والمسؤول في المركز الذي تحدثت إليه قبل الندوة بدقائق، يتصرفون على راسهم، فأنا أدعو الأستاذ جواد الحمد أن يتنبه جيداً لمركزه، ويضبطه.. أما إن كانت الحجة بان المشكلة في المكان وضيقه، نقبلها، مع أن ندوة بهذه الأهمية وبهذا العنوان لا يضيرها فرد زائد، ولقد تربينا في ثقافتنا 'إنه بيت المحب بوسع ألف' وإنه 'اللي بدو يعمل جمّال بيعلي عتبة داره'.
ومن الحجج التي رددوها عندما أثرت القضية هو ان هنالك أشخاص ينتحلون صفة الصحافي، ببساطة كنت أحمل هويتي الصحافية، لكن المسؤول على الباب، قال لي وأن أشير إلى هويتي 'نحن لدينا قائمة صحافيين يتعامل معهم المركز'.
بكل الأحوال لا أود إثارة الريبة من الندوة، فأنا أعلم أنه ما زال في مجتمعنا مؤسسات لا تحسن التعامل مع الصحافي، ولن أخوض في مجريات إذا كانت الندوة خاصة أم عامة، لكن حتى لو كانت خاصة، رغم أنه تم الإعلان عنها في وسائل الإعلام وحضرها صحافيون، فالأصل أن لا يترك بند في القانون يسمح لهذه المنظمات بالعمل دون رقابة المجتمع والإعلام، وإلا سنسمح لاستبداد واستقواء 'السلطة الخامسة'، في وقت بات البحث في برامج وأجندات هذه المنظمات حاجة مُلّحة.

نيسان ـ نشر في 2017-08-29 الساعة 09:31


رأي: رانية الجعبري صحافية وكاتبة أردنية

الكلمات الأكثر بحثاً