اتصل بنا
 

من إسماعيل المسلم إلى زابور اليهودي

نيسان ـ نشر في 2017-09-12 الساعة 17:26

رواية زابور تحاكي العديد من الرموز والكتّاب وتحكي قصة شاب يدعى زابور يعيش في قرية صحراوية في الجزائر، ويتعلم القراءة والكتابة ويصبح قادرًا على شفاء المرضى وقهر الموت من خلال كتابة قصص حياة الأشخاص الذين يلتقي بهم.
نيسان ـ

كما استند كمال داود في عمله الأول 'معارضة الغريب' (دار الجديد – بيروت)، على محاكاة رواية ألبير كامو 'الغريب'، عبر لعبة المرايا وإن بشكل معكوس، ها هو يستند في روايته الثانية التي تحمل عنوان 'زابور' أو 'المزامير'، وصدرت أخيرا عن دار أكت سود الفرنسية، ودار برزخ الجزائرية، ودار سيريس التونسية، على محاكاة العديد من الرموز والروايات والكتّاب، ومنها التوراة والقرآن، وأيضا ألف ليلة وليلة حيث تسعى شهرزاد، من خلال قصّ الحكايا لشهريار كل ليلة، إلى الاحتماء من الموت. إنما، هنا، هو فعل الكتابة، وليس القراءة أو القصّ الشفهي، ما ينقذ الآخرين من ملاقاة حتفهم.
بطل الرواية، زابور، من قرية أبو كير القائمة على أطراف الصحراء، غرب الجزائر. زابور ليس اسمه الحقيقي، بل هو إسماعيل، إنما هو اسمٌ اكتسبه عندما ضربه أخوه غير الشقيق، عادل، راعي الأغنام، على رأسه، قبل أن يسقط في البئر. الضربة هذه على رأس الصغير أسمعته صوتا يناديه 'زااااا بووور'، فصار اسمُه هذا، وقد اتُّهم ابنُ الأربع سنوات بأنه هو من دفع بأخيه إلى البئر. أم عادل المتزوجة من أبيه ابراهيم، بعد وفاة أمّ اسماعيل، ستصرّ على طرده من البيت. هكذا يبعده أبوه، وهو جزّار القرية الثري المشهور بذبحه الأغنام، مع عمته العزباء هاجر، إلى منزل كان يسكنه أحد المستعمرين الفرنسيين.
عند دخوله المدرسة، يشغف زابور اليتيم والانطوائي الذي يمضي أوقاته منعزلا، بالقراءة والكتابة، حتى أنه تعلم اللغة الفرنسية من الكتب التي خلّفها أولاد المستعمر، وراح يلتهم كل ما يقع تحت يديه من قصاصاتٍ ومجلاتٍ أو كتبٍ مزقت بعض صفحاتها، إلى أن ذاع بين الأهالي أن زابور قادرٌ على شفاء المرضى وقهر الموت، من خلال كتابة (بالفرنسية) قصة حياة من يلتقيهم من الأهالي. هكذا راحت أعمار المسنّين في القرية تطول: 'منذ زمن وقريتنا في صحة جيدة. منذ بدأتُ الكتابة، لا قبور تُحفَر في مقابر بوغويلة في الهضبة، والناس يعيشون بفضل كتاباتي، مائة عام'.
كلّما التقى زابور أحدهم، سارع إلى شراء كرّاس يخصّصه للكتابة عنه، وذلك في فترةٍ لا تتجاوز ثلاثة أيام. 'القدر دفترٌ يحوي أخطاء يمكن تصحيحها'. والأمر ليس مجرّد سلوى، بل إنه مصيري، لأن من لا يكتب عنهم زابور في المهلة المحدّدة يموتون. أجل، عليه أن يشري، يوميا، كراريس بعدد من يقابلهم، مع ثلاثة أيام فقط لإنقاذهم من الموت، حتى ملأ ما يقارب 5436 كرّاسا، منح بعضها عناوين روايات مثل 'موسم الهجرة إلى الشمال' و'أضواء آب'. لكن، ما تراه سيفعل بكل هذا العدد المتزايد من الكراريس؟ سوف يدفنها عميقا في الأرض:
'أحلم بغابةٍ تكون فيها كل الأشجار شاهدةً أو حارسة لي- شجرة الخروب، الزيتون، أو حتى أشجار التين تلك المربوطة إلى الأزمنة القديمة، وأشجار الكينا الصامتة من دون الريح. كم سيكون ممتعا إرجاع الورق إلى الشجر، فيتحلّل كي يغذّي المشروعَ الهائل لمكافحة نهاية عالمنا'. لكن الأمور لن تستمر على ما هي، بل ستتعقد حين يأتيه أخوه عادل، طالبا العون ومتوسلا أن ينقذ أباهما المريض. يلين زابور بعض الشيء، غير أن العمّة هاجر، قصيرة القامة السمراء التي تشاهد الأفلام الهندية بانتظار قدوم من يطلب يدها ويخلّصها من العنوسة، عمّته التي احتضنته بعد موت أمه، والوحيدة التي أرته شيئا من الحنان، ستعترض بشدة، محاولة ثنيه، ومتحدثةً عن ضرورة الانتقام منه لكل ما جعلهما يعانيانه من قسوة وحرمان. في النهاية، سيجد زابور نفسه ملزما بإنقاذ الحاج إبراهيم الثري، المشهور بذبح الغنم، مستعيدا هكذا كامل سيرته الماضية مع أبيه.
يمكن قول الكثير في هذه الرواية، وفي مواقف داود المثيرة للسجال، إلا أن فعل الكتابة كما يقدّمه، فعل التمرّد الأول، وفعل إنقاذ الآخرين من هلاكهم، ينقذ الرواية من كل ما قد تطرحه من إشكالات. وفي الحالتين، نحن أمام أمرٍ جلل، يكمن فيه ربما سرُّ قهر الموت وصمود الإنسانية.
مشاركة

نيسان ـ نشر في 2017-09-12 الساعة 17:26


رأي:

الكلمات الأكثر بحثاً