یومیات نصراوي: أیام موسكو التي لا تنسى
نبيل عودة
كاتب
نيسان ـ نشر في 2017-09-14 الساعة 17:50
موسكو: مدينة الحدائق والمسارح والمطاعم الراقية والمترو الفني والحياة الثقافية النابضة بالحياة، والتي لا تعرف الدموع.
یومیات نصراوي: أیام موسكو التي لا تنسى
نبیل عودة
موسكو لا تعرف الدموع
موسكو مدینة ھادئة لا تسمع فیھا أصوات أبواق السیارات -مدینة بلا ضجیج، موسكو
لا تؤمن بالدموع لأنھا مدینة مشرقة دائما، بنظافتھا، بناسھا .. أبنیتھا جمیلة وتشیر إلى
فن معماري سلافي رائع. مطاعمھا راقیة ومتعددة الأشكال. المطعم البلغاري كان
یشتھر بشواء الدجاج بطریقة خاصة، المطعم الصیني بمأكولاتھ الممیزة التي عشقتھا
بینما زملاء لي لم یعجبھم مذاقھا الذي یجمع بین المتناقضات، الكیوسكات التي تبیع
وعربات محملة بصھاریج تبیع شراب 'الكفاس' والكفاس ھو مشروب روسي تقلیدي 'البلیمینیي' مع اللبن الرائب (أكلة تشبھ 'الشوشبرك' المشھورة في فلسطین).
فیھ أقل من2.1 % یشبھ شراب عرق السوس أو شراب الخروب في بلادنا. ینتج من خبز الجاودار، مصنف على أنھ مشروب غیر كحولي، حیث أن نسبة الكحول
موسكو مدینة الحدائق والمسارح بالھواء الطلق لتقدیم برامج فنیة مختلفة. حدیقة
غوركي من أجمل حدائق موسكو، تسمى 'حدیقة العشاق' لكثرة العشاق المتجولین في
طبیعتھا الساحرة، فیھا عدة مسارح شعبیة لتقدیم برامج مختلفة، فیھا نادي لیلي یلم
شمل العشاق لیلا في باحة الرقص.
المترو في موسكو أعجوبة من أعاجیب الفن المعماري وحلول مشاكل المواصلات،
صالاتھ الرحبة معارض للفن، محطة مایاكوفسكي الجمیلة بمعارض الصور والفن
المعماري تسمى 'محطة العشاق' حیث ھي الأفضل للتواعد بسبب مدخلھا ومخرجھا
لیالیھا ونسائھا وحدائقھا ومتاحفھا وساحتھا الحمراء (في الأصل 'الساحة الجمیلة'، المتواجھان .. لا اعرف إنسانا طبیعیا وصل موسكو دون أن یغرق بعشق المدینة
كلمتي جمیلة وحمراء ھما من نفس المصدر باللغة روسیة).
مسارحھا دائما مكتظة، شعب یقرأ ویشارك بالحیاة الفنیة والثقافیة بشكل لا یمكن
شرحھ، من الصعب الحصول على تذكرة للبولشوي تیاتر أو لأي مسرح آخر، البعض
ینتظر أیام طویلة لیحصل على تذكرة، نحن طلاب المدرسة الحزبیة كنا نحصل على
تذاكر للمسارح المختلفة، مثل المسرح الغجري الرائع والبولشوي وقصر المؤتمرات
خلال 24 ساعة، بفضل اعتبارنا ضیوفا ممیزین... كیف لا وفي ظھرنا الحزب
الشیوعي السوفییتي العظیم، حاكم أكبر إمبراطوریة في العالم والمتحكم بأكبر حركة
سیاسیة عالمیة منتشرة في مختلف أنحاء العالم؟ فما المشكلة؟!
نصل إلى المطاعم .. نجدھا دائما ممتلئة، تعلمنا جملة سحریة: 'نحن وفد عربي
شیوعي في زیارة للحزب الشیوعي السوفییتي' فورا تفتح لنا طاولة منعزلة داخل
ستائر مخصصة لمثل حالاتنا.
اعترف اننا عشنا حیاة مترفة جدا. المعاشات التي كنا نتلقاھا 180 روبل للطالب في
المدرسة الحزبیة بأسعار 1968- 1970 وكان الدولار وقتھا یساوي 93 كبیك،
وھو معاش قریب لمعاش طبیب اختصاصي وربما أكثر، الروبل الواحد للمقارنة كان
نشرت قصصي في أنباء موسكو بنسختھا العربیة التي كان یحررھا الكاتب السوري 'ستالوفیا'، طبعا المطاعم الراقیة السعر مضاعف أو أكثر قلیلا، لكن مع خدمة كاملة. یكفینا لتناول ثلاثة وجبات جیدة في الیوم الواحد في المطاعم الشعبیة المعروفة باسم
سعید حورانیة وتلقیت أجرة مرتفعة جدا مقابل النص القصصي 700 روبل تقریبا ..
تبین لي ان الأدباء السوفییت بألف خیر .. یتلقى القاص ما یقارب ألف روبل على
القصة، یتلقى الشاعر كما قیل لي ما یقارب 70 كابیك (الروبل 100 كابیك) مقابل كل
سطر شعري حتى لو كان من كلمة واحدة وھذه الأجرة تلقاھا محمود درویش مقابل
نشر قصیدة في أنباء موسكو.
والأسعار بخسة جدا. الكھربائیة، خطوط القطار الخفیف وسیارات الأجرة والمترو التحت أرضي .. المواصلات لا تشكل مشكلة في موسكو .. عدا المترو، ھناك الباصات، الباصات
فنانات عاصرن الرفیق لینین في النوادي اللیلیة!!
من الطرائف التي كان یتبادلھا الناس في موسكو، حكایة عدم نجاح النوادي اللیلیة
السوفییتیة، المواطنون السوفییت لا یحضرون للنوادي اللیلیة رغم قاعاتھا الرحبة
وطعامھا الجید. برامجھا الفنیة لا تشد المواطن. اللجنة المركزیة للحزب الشیوعي
بحثت الموضوع، اتخذت قرارات ھامة لتنشیط النوادي اللیلیة حتى لا یقول الغرب ان
اللیلیة. الاتحاد السوفییتي متخلف عن باریس وفینا ولندن وبرلین ونیویورك في النوادي
رغم ان القرارات المتخذة نفذت إلا ان عدد المترددین على النوادي تراجع!!
عقد اجتماع طارئ جدید لقادة الدولة والحزب. قدم التقریر وزیر الثقافة، قال ان
الموضوع غیر مفھوم، على عكس الغرب الذي یشغل صبایا صغیرات یظھرن
مفاتنھن فقط فتمتلئ نوادیھ لمشاھدة الفن الساقط، عروض أقرب للجنس الاباحي، نحن
أحضرنا للنوادي اللیلیة مغنیات وراقصات لھن تاریخ مجید في الثورة الاشتراكیة،
بعضھن عاصرن الرفیق لینین، عینا لھن مساعدات لیساعدونھن في الوصول إلى
النوادي بسبب جیلھن المتقدم، بل وزودناھن بكراسي متحركة وسیارات نقل خاصة
ورغم ذلك الوضع ساء ولم یتحسن!!
للحیطان آذان ..!!
في حدیث مع أستاذي للاقتصاد السیاسي، الذي كنت أشعر انھ یُعلم بشكل 'ھذا ما
یقولھ الكتاب' ھل حقا یؤمن بما یعلمھ لنا من نظریات لا تبدو لي متزنة؟ لا أرى انھا
تطبق في وطن الاشتراكیة الأول؟ كنا نحتسي الفودكا ونأكل الكافیار وبعض النقانق
صارحتھ باني شاھدت أوضاعا لم أتوقعھا في الاتحاد السوفییتي. فقر حقیقي .. الجیدة. أجاب 'الآن انا أؤمن بھذا' وأشار إلى كأسھ، 'غدا سأعود أستاذا للاقتصاد'.
معاشات فقر لا تتجاوز 60 روبلا (الطالب من إسرائیل مثلا كان یتلقى 90 روبلا)، لم
یجعلني أواصل، وضع یده على فمي وقال ھمسا 'للحیطان آذان'.
بعد تلك السھرة صار معلما مختلفا، كان یقول لي ما ھو المطلوب للامتحان، ما ھو
الضروري لي كي افھم المادة بشكل حر وأطور فكري وصار یوجھني في قراءاتي
الفكریة، كانت كتابات المفكرون الماركسیون في الغرب على رأس المواضیع التي
نصحني بقراءتھا وأذكر منھم جیورجي لوكاتش، كارل كورش، انطونیو غرامشي،
روجیھ غارودي ( قبل ان یتأسلم في لیبیا مقابل ملیون دولار ویصبح 'الشیخ رجاء')
وارنست بلوخ وغیرھم من الأسماء التي جعلتني افھم الفلسفة بوصفھا مادة للتفكیر
والإبداع والتجدید ولیس للانغلاق السلفي... وحثني على قراءة الفلسفة الغربیة
بمختلف مدارسھا لأن الفلسفة لم تنتھي بماركس...حدث التحول الكبیر في مفاھیمي
الفلسفیة في أواسط سنوات التسعین من القرن الماضي، بعد قراءة كتاب الفیلسوف
للقاعدة الفلسفیة الماركسیة.. وطبعا قراءات فلسفیة متنوعة ... النمساوي كارل بوبر 'المجتمع المفتوح وأعدائھ' الذي یشمل النقد الأكثر دقة وحدة
ثقوب في الثوب الماركسي
عشت فترة طویلة من الحوار الذاتي ومحاولة إغلاق الثقوب في قرص الجبنة
السوفییتي .. رأیت ان الثقوب تزداد اتساعا. إیماني بجوھر الماركسیة الإنساني لم
یتزعزع، ھل ھو تأثیر الانتماء لحركة شیوعیة منذ بدایة وعیي؟ نشأت على فكرة أني
شیوعي دون ان أعي ماذا تعني الشیوعیة، وأوقفت دراستي في ھندسة المیكانیكیات
لأدرس الفلسفة والاقتصاد الماركسیان. لم أكن أتخیل نفسي بدون معرفة ووعي
نظري وفلسفي كامل. كان بیت والدي مقرا للنشاط السیاسي والاجتماعات الشعبیة في
مواسم الانتخابات منذ أیام عصبة التحرر الوطني الفلسطیني (الحزب الشیوعي
الفلسطیني العربي)، فكیف أستطع ان أفكر بوجود قصور في الفكر الذي سحرني قبل
ان أدرسھ؟ اعرف القیادات الطلائعیة التي قدمت عمرھا في خدمة شعبھا، اختاروا
حیاة النضال الصعبة، ذاقوا طعم السجون والنفي والفقر؟ ھل یمكن ان یكونوا على
خطأ؟
مع تقدمي في الدراسة وخاصة في موضوع الفلسفة، بدأت اشبك الخیوط ..
رأیت في البدایة ان الخطأ لیس في الفكر والتأسیس النظري بل في جھاز الدولة الذي
لا شيء ماركسي فیھ .. وفي الجمود العقائدي الذي یحصر نفسھ بما كان صحیحا في
زمن ماركس، دون فھم التحولات الجذریة في النظام الرأسمالي، في الاقتصاد، في
المجتمع، في تطور النظام الدیمقراطي، تطور حقوق الإنسان، تطور مستوى الحیاة،
عدم صحة نظریة لینین ان 'الامبریالیة اعلي مراحل الرأسمالیة'، سقوط نظریة
البرولیتاریا التي كانت ظاھرة أوروبیة لم تنتشر في أي مكان آخر خارج أوروبا.
معلم الاقتصاد قال لي ردا على استفساري عن ظاھرة البرولیتاریا انھ سعید لأني أفكر
البرولیتاري مدیرا للبنك .. بشكل حر. ولم یقل لي رأیھ...!!
بدأت اشك بكل مفھوم نظریة صراع الطبقات، كنت على قناعة من تحول النضال
الطبقي من نضال تناحري إلى نضال حقوقي واجتماعي. أصلا لم تقم أي ثورة على
قاعدة الصراع الطبقي. حول تفكك نظریة الحتمیة التاریخیة، استغرقني الأمر وقتا
أطول لأخرج من مربعھا. تبین ان الرأسمالیة الجشعة تعرف كیف تطور دولھا علمیا،
تكنولوجیا، إداریا وثقافیا وحقوقیا، وحققت ثروة ھائلة اشترت فیھا الطبقة العاملة إذا
صح ھذا التعبیر. لم یعد العامل رجل المطرقة، لم یعد الفلاح رجل المنجل، أصبح
العامل مدیر بنك، مدیر شركة، طبیب، مھندس، باحث علوم وتقنیات، مختصا
بالھایتك، محاضرا جامعیا، ھل تنطبق صفة 'البرولیتاري' علیھ؟ ھل ھم مستعدون
لصراع طبقي تناحري؟ بعض 'البرولیتاریین' یربحون أكثر من أصحاب بعض
المصانع. الفلاح أصبح مجھزا تكنولوجیا بكل ما یحتاجھ لتطویر زراعتھ وجني
محصولاتھ، الزراعة أصبحت صناعة متطورة بینما الاتحاد السوفییتي والأحزاب
الشیوعیة ما زالوا یخیطون بالمسلة العتیقة. ما شاھدتھ في الكولوخوزات
والسوفوخوزات مذل ومثیر للألم والقلق على مصیر الاشتراكیة. كوسیجین رئیس
الحكومة في ذلك الوقت (1968 (طرح إصلاحا ثوریا للزراعة على أساس توزیع
الأرض على الفلاحین ولیس الملكیة الجماعیة والعمل الجماعي. رفض مشروعھ
بحجة ان الغرب سیتھم الاتحاد السوفییتي بالعودة إلى الرأسمالیة في الزراعة مما
یعني فشل الاشتراكیة. ثبتت صحة أفكار كوسیجین في تطبیقھا في ھنغاریا التي
أحدثت قفزة زراعیة ھائلة ولم تطبق في الاتحاد السوفییتي لأنھا تتناقض مع نصوص
غبیة ألصقت بالماركسیة وبتفكیر سلفي لم یستوعب ان الفلسفة، مھما كانت عبقریة،
لیست مقولات دینیة ثابتة. للأسف لم أستطع ترجمة مشاعري إلى مواقف ورؤیة
نظریة جدیدة إلا بعد ان رأیت انھیار وتفكك حزبي الشیوعي في إسرائیل، القیادة
الحزبیة التي لم تعد تكلیفا ومسؤولیة، بل أصبحت مخترة ومكسبا شخصیا... وتحول
التنظیم إلى تنظیم شخصاني!!
قدمت استقالتي عام 1993 متأخرا ونادما لأني لم انسحب قبل عقدین، الحزب بدأ یفقد
تنظیمھ وقدرتھ على تنفیذ قراراتھ، صرنا في حارة 'كل مین ایده الھ'!! !!
الدولة الرأسمالیة لبناء النظام الاشتراكي
ماركس لم یطرح رؤیة للدولة الاشتراكیة بنظرة تتجاوز دولة الكومونة ( كومونة
باریس)،حكومة عمالیة ینتخب مندوبیھا بالاقتراع العام ویمكن اسقاطھم بسحب الثقة
منھم. أجورھم ھي نفس أجور العمال وحسب ذاكرتي كان رأي ماركس حذف
اصطلاح الدولة. الكومونة الباریسیة كانت ظاھرة في مدینة واحدة ولیس في كل
فرنسا. ھذا الشكل الجدید من الحكم كانت بیده السلطة التشریعیة والتنفیذیة، لم یحاول
ماركس ان یكتشف أشكال جدیدة لتنظیم ما یعرف ب 'الدولة' في المستقبل.
إذن ماركس لم یقدم أي رؤیة لمفھوم الدولة في النظام الاشتراكي من رؤیتھ ان الدولة
في طریقھا للاضمحلال بعد سقوط البرجوازیة. الماركسیة علمتنا ان الدولة ھي جھاز
للعنف الطبقي، بعد انتصار الطبقة العاملة وقمع أو تصفیة الطبقات القدیمة، تنتھي
ضرورة العنف الطبقي، بالتالي تنتھي ضرورة الدولة. فیما بعد طور السوفییت
(لینین) نظریة ان بقاء الدولة ھي ضرورة لقمع البرجوازیة العالمیة. أي ظلت الدولة
بدون تغییر بعد الثورة الاشتراكیة، واقع الدولة الاشتراكیة التي عرفناھا كانت أسوأ
من مثیلتھا البرجوازیة بغیاب أي مفھوم دیمقراطي، قمع حریة الرأي وحق
الاختلاف، الحزب ھو المفكر والمقرر، لا قیمة للفرد (البرسیونال) القیمة للجماعة
(شكلیا فقط، عملیا لا قیمة إلا للقیادات العلیا، شيء شبیھ بالسلفیة الدینیة الشیوخ
یفتون، وغرابة أفكارھم التي لا تلیق حتى بالعصر الحجري ھي الصراط المستقیم).
لنفس النظام، لنفس الفساد ولنفس طبقة الحكم المتسلطة. للمواطن خیار 'دیمقراطي' وحید ان یصوت لنفس الحزب .. لنفس الشخصیات،
لینین رأى الأمر من زاویة مختلفة عن ماركس، مجالھا لیس ھنا الآن، إنما بودي
التأكید ان الماركسیة افتقدت للمعرفة النظریة لمفھوم الدول الاشتراكیة، وما طبق
عملیا ھو مفھوم الدولة السائد في العالم البرجوازي بإضافة شعارات وتبریرات فارغة
من المضمون... الدولة الاشتراكیة كانت أكثر قمعا لیس للبرجوازیة العالمیة، إنما
لشعبھا ولطبقتھا العاملة!!
ھذا الواقع انعكس بشكل سلبي ومؤلم في المجتمع الاشتراكي من تمییز وفجوات
اجتماعیة – اقتصادیة بحیث تشكلت طبقة سائدة قمعیة بمستوى لا یخجل إي نظام
قمعي استبدادي فاسد!!
عندما صعد غورباتشوف توسمت خیرا، رأیت بغورباتشوف ما حاول ان یكشفھ لي
بصمت أستاذ الاقتصاد السیاسي. لكن یبدو ان الثقوب أصبحت أكبر من كمیة الجبنة.
رغم ذلك كان الحلم بمجتمع عادل ونظام مساواة إنساني، أكبر من الواقع المؤلم الذي
شاھدناه وبررناه بشكل صبیاني متعصب ومنغلق عن رؤیة الحقائق. عندما انھار
الاتحاد السوفییتي قال قائد حزبي مرموق في إسرائیل (السكرتیر العام للحزب
وقتھا)، ان 'السوفییت كانوا یكذبون علینا ونحن كنا نكذب علیكم، لأننا اعتقدنا ان ھذا
لمصلحة الجماھیر!!'
أي ان الیسار الماركسي كان یمارس الكذب على جماھیره .. ویكذب على ماركس
وھو في قبره؟!
آیة الله الرفیق بریجینیف...
أخبار الصحافة السوفیتیة دائما قدیمة، نشر الأخبار یتأخر بسبب الرقابة القویة على
الصحافة وضرورة تزییف الحقائق للشعب السوفییتي. عملیة تضلیل مبرمجة لا
تفسیر آخر لھا. أصبح لدي شك كبیر بكل المعطیات الرسمیة التي تنشر. صحافة
الاتحاد السوفییتي لھا صوت واحد ولون واحد، مجندة تثیر امتعاض القارئ السوفییتي
وسخریتھ. ھذا ساھم بخلق الطرائف التي تسخر من واقع الاعلام.. من أجمل تلك
الطرف ان المكتب السیاسي للحزب الشیوعي السوفییتي قلق جدا لأن 'البي بي سي'
و'صوت أمریكا' والوكالات الأجنبیة تنشر أحداث سوفیتیة قبل ان یقر نشرھا
وصیغتھا المكتب السیاسي للحزب. الرفیق بریجینیف (كان الأمین العام للحزب
الشیوعي، عملیا أعلى سلطة في الدولة، یمكن القول 'آیة الله الرفیق بریجینیف') دعا
إلى اجتماع أعلن فیھ ان 'أحد أعضاء المكتب السیاسي یتجسس لحساب البي بي سي
وینقل أخبارنا قبل ان تنشرھا صحافتنا'.
من ھو الجاسوس یا رفاق؟ كان الصمت شاملا. قال 'لن نغادر الاجتماع قبل ان
نكشف عن الجاسوس'. حاول البعض ان یقول ان الجاسوس ربما من ھیئات حزبیة
أدنى؟ رفض بریجینیف الأمر. سوسولوف شعر بأن مثانتھ لم تعد تتحمل الضغط.
طلب الإذن للخروج إلى الحمام. بالطبع ھناك حدث جدید ستذھب یا سوسولوف لتبلیغ
الغرب والإذاعة البریطانیة بھ. فتشوا الحمامات. لم یجدوا وسیلة اتصال بالامبریالیة،
عملھا سوسولوف ببنطالھ. عجوز آخر من قادة الحزب شعر أیضا ان الوضع بات
حرجا، لم یجرؤ على طلب الإذن .. أفلتھا في بنطالھ بتأني، ھكذا مضى الوقت
والرفاق العواجیز أعضاء المكتب السیاسي یرطبون بناطیلھم ... خوفا من اتھامھم
بالعلاقة مع الإعلام الامبریالي!!
بریجینیف شعر ان المسالة لدیة أیضا أصبحت غیر محمولة، قال لھم 'یا رفاق یبدو
ان الجاسوس لیس من المكتب السیاسي الاجتماع انتھى'. رد سوسولوف بغضب 'ھل
ستذھب لإبلاغ الغرب عن آخر أخبارنا؟' طبعا الأكثریة مع سوسولوف بسبب
البنطلونات التي رطبتھا مثانتھم. بریجینیف حاول ان یقنعھم ان الجاسوس قد یكون
حقا من ھیئة أدنى. 'أبدا یجب ان ننتظر ..'!! أصروا. الضیق وصل أقصاه لدى
الرفیق بریجینیف.. فجأة حضرت مساعدتھ اللیلیة تحمل لھ وعاء لتفریغ البول.
سألھا باستغراب 'كیف عرفت أني بحاجة للتبویل؟' ردت المساعدة 'أیھا الرفیق
بریجینیف قبل قلیل سمعت خبرا من البي بي سي یقول ان الرفیق بریجینیف في
اجتماع مغلق وانھ بحاجة ماسة لیبول!!'
زرنا اذربیجان للاطلاع على ما أنجزتھ الاشتراكیة لشعوب الشرق. طبیعة ساحرة. النموذج الأذربیجاني للمجتمع الاشتراكي
أخذونا إلى كولوخوز نسیت اسمھ، تفاجأت ان الشوارع الداخلیة أزفت من الزفت ..
شوارع ترابیة تصبح وحولا في الشتاء. لدیھم نادي لا بأس بھ .. عبارة عن قاعة مقامة
من حیطان جاھزة، الأھم ان الفتیات اللواتي كن في استقبالنا یخطفن العقل، خاصة
عقول ومشاعر شباب في العشرین كما كنا، طبعا رقصنا، تعانقنا وقبلنا .. تواعدنا
للیوم التالي لنعمل معھن (طبعا مع آھل الكولوخوز) في سبت العمل الشیوعي
التطوعي. كان یوم عمل في الحقل، تناولنا الطعام وعصرا كان لنا اجتماع سیاسي في
النادي. كلفت بالحدیث باسم وفد رفاق الحزب الشیوعي الإسرائیلي. كان معنا رفاق
أتراك ورفاق من أمریكا اللاتینیة. كلھم القوا خطابات تافھة وشعارات تافھة .. ھاجموا
الاستعمار 'ونعلوا أبو أبوه'. مدحوا النظام الاشتراكي الذي أحدث نھضة عظیمة
لأبناء الشرق، كان أمین عام الحزب في اذربیجان علییف (اعتقد انھ صار زعیما
لأذربیجان بعد تفكك الاتحاد السوفییتي) یجلس على المنصة، عندما یصفق تضج
القاعة بالتصفیق. شعرت اني في سیرك، او مسرحیة ھزلیة، الحضور لا یعرف عما
یدور الحدیث. لا یعرف ما ھو الواقع التركي، لا یعرف ما ھي الحال في أمریكا
اللاتینیة ولا یعرف معاناة الشعب الفلسطیني واحتلال فلسطین كلھا وأراض عربیة
أخرى .. جاء دوري للحدیث. قررت ان الغي خطابي الجاھز وأتحدث مباشرة عن
انطباعاتي. تحدثت عن اذربیجان التي تنھض وتتطور وھذه حقیقة، عن زیارتنا
للصخور السوداء – جزیرة صناعیة لاستخراج النفط من بحر قزوین، والصخور
السوداء مدینة عائمة لاستخراج النفط یسكنھا 5 آلاف إنسان فیھا مطاعم ومسارح
وسینما. تحدثت عن طبیعة بلادھم الجمیلة .. وتمنیت ان أزور كولوخوزھم مرة
أخرى وان تكون قد شقت لدیھم طرقا حدیثة. شكرتھم على الضیافة، وعلى 'اعتناء'
صبایا الكولوخوز بنا وعن الأمسیة الرائعة التي قضیناھا في ضیافتھم .. وعن
استعدادنا لتلبیة دعوتھم لسبت عمل شیوعي جدید وتركت الامبریالیة والصھیونیة في
حالھم وھتفت بحیاة الاتحاد السوفییتي!!
لم اعرف ان كلمتي ستثیر غضب إدارة المعھد .. وان تصرفي لا یخدم الأھداف
الشیوعیة!!
الله في اجتماع اللجنة المركزیة
حدثني أستاذ الاقتصاد السیاسي عندما لمس إصراري على فھم الحقائق ولیس الدعایة،
بقصة رمزیة، لكنھ رفض الحدیث إلا عندما خرجنا لنتمشى في شارع جمیل قرب
سینما لینینغراد في موسكو. قال ان 'لینین عندما توفي تقرر في یوم الحساب انھ كافر
وان مكانھ الطبیعي في جھنم'. وصل جھنم، لكنھ لم یجلس مكتوف الیدین بدا بتنظیم
خلیة حزبیة ونقابة عمال، أعلنوا إضرابا وراء إضراب قدموا طلبات عدیدة لعزرائیل
وھبت المظاھرات واحتار عزرائیل في كیفیة إعادة سیطرتھ، أخرج التنظیم الشیوعي
خارج القانون، فانتقل الشیوعیین للعمل السري، توجھ عزرائیل لمقابلة الله وطلب
المعونة لإعادة السیطرة على جھنم، قالوا لھ في السماء احضر لینین لیقیم عندنا في
الحجز لمدة شھر حتى تعید ضبط السیطرة على جھنم. ھكذا كان، نقل لینین مقیدا إلى
السماء. بعد شھر ذھب لاستعادتھ، قالوا لھ 'اتركھ شھرا آخر، تخلص من التمرد في
جھنم أولا'.. مضى شھر آخر توجھ عزرائیل لاستعادة لینین. كان الحاجب على
الباب، قال لھ 'الله مشغول الآن'، أصر عزرائیل على مقابلة الله من اجل استعادة
لینین لجھنم. دخل الحاجب لیسال الله 'ما العمل؟ عزرائیل یرید استلام لینین' . قال لھ
الله 'قل لعزرائیل ان ینصرف لدي الآن اجتماع ھام للجنة المركزیة للحزب الشیوعي
ونستمع لتقریر زعیم الحزب الرفیق لینین'!!
nabiloudeh@gmail.com
نيسان ـ نشر في 2017-09-14 الساعة 17:50
رأي: نبيل عودة كاتب