ناهض حتر بعد عام على غيابه.. هل صدر أمر اغتياله من طهران؟
نيسان ـ نشر في 2017-09-17 الساعة 09:06
محمد قبيلات...بعد أيام تمرّ الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الكاتب الصحافي الأردني ناهض حتر، ففي الخامس والعشرين من شهر سبتمبر من العام الماضي 2016، كان حتر على موعد مع قاتله أمام بوابة قصر العدل، حيث كان يهمّ بالدخول إلى المحكمة لحضور الجلسة الأولى، بعد أن أفرج عنه من السجن حين كان موقوفاً على ذمة التحقيق في القضية المرفوعة ضده من قبل النائب العام المتعلّقة بنشره رسومات تعود لرسام الكاريكاتور المغربي ومدير نشر صحيفة “بابوبي” الساخرة، خالد كدار، على صفحته في فيسبوك.
اعتبر البعض تلك الرسومات أنها تسيء للذات الإلهية، وكانت وراء توجيه العديد من التهم إليه، منها “إثارة النعرات المذهبية والعنصرية وإهانة المعتقد الديني”، لكن حتر أكد في بيان له آنذاك أن الرسم “يسخر من الإرهابيين وتصوّرهم للربّ والجنة، ولا يمسّ الذات الإلهية من قريب أو بعيد، بل هو تنزيه لمفهوم الألوهة عما يروّجه الإرهابيون”.
الجزء الظاهر من جبل الجليد
القصة بدأت حين نشر ناهض حتر تلك الرسومات ليتلقّفها النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، وما هي إلّا ساعات حتى أصبحت الشغل الشاغل للرأي العام الأردني، فقام بعض أصدقاء حتر بإسداء النصح إليه بأن يلغي ذلك المنشور ويقدم اعتذاراً عن ذلك، ففعل.
لكن نصيحة مقابلة وجهت إلى رئيس الوزراء هاني الملقي من صديق له، في اللحظة نفسها، وهي حسب ما تسرّب في حينها، من رجل أعمال، فحوى النصيحة كان أن يتم إلقاء القبض على حتر ليحاكم أمام القضاء، ففعل، حيث وجّه رسالة مفتوحة إلى وزير الداخلية يطلبه فيها ذلك.
وزارة الداخلية التي كان على رأسها الوزير سلامة حماد، اعتبرت بدورها حتر فارّاً من وجه العدالة. حدث ذلك بعد أقل من ساعة من إبلاغها قرار النائب العام بجلبه إلى المحكمة، فكان تصرفاً مستهجناً من قبل كثيرين لتسرّعه، إذ قام حتر بتسليم نفسه في الليلة ذاتها فجرى توقيفه عدّة أيام، ومن ثم أطلق سراحه بكفالة مالية على أن يحضر الجلسات في المحكمة.
كان قد سبق تلك الإجراءات شحن للرأي العام من قبل مراكز طبخ القرار الديني الرسمي، حيث قامت دائرة الإفتاء بإصدار بيان يدين نشر الرسوم، وكذلك قامت صحيفة السبيل، الناطقة باسم جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، بنشر خبر عن الموضوع، ما أدى إلى الكشف عن ناهض للجميع كمتعدّ على الدين والذات الإلهية.
تسريبات جديدة في أوساط مطلعة بعمان تفاجئ الأردنيين بوجود علاقة لإيران باغتيال حتر، فيسري حديث عن علاقة ما بين المنفذ وتشكيل ديني ما يرتبط بسلسلة تمر عبر أنفاق تشكيلات إسلامية فلسطينية متشددة موالية لإيران قد هيأت وحمست القاتل على القيام بجريمته
القاتل
من القاتل ولماذا أقدم على القتل؟ رياض إسماعيل أحمد عبدالله من مواليد 1967 من سكان المنطقة الشرقية في العاصمة عمّان، اعترف بأنه قتل ناهض حتر على خلفية منشور على موقع فيسبوك، معتبرا أنه “يمس الذات الإلهية”، ورياض إسماعيل أحمد عبدالله حسب مصادر متطابقة ينتمي إلى التيار السلفي الجهادي، وكان إماما لأحد مساجد عمّان قبل نحو 6 أعوام قبل أن تفصله وزارة الأوقاف لتطاوله بالألفاظ على مقامات عليا.
القاتل قال أثناء التحقيق إنه لا يعرف حتر، لكنه بحث عن صوره وأخباره في الإنترنت واشترى مسدساً قبل أسبوع من موعد الجلسة الذي عرفه من الصحف، وقام بفعلته، وقال “إنه ليس نادماً على ما فعل”، وأضاف “أي شخص يسيء للذات الإلهية يجب قتله”.
أصدرت محكمة أمن الدولة حكمها على رياض إسماعيل بالإعدام شنقاً حتى الموت، وحكم بعد إدانته “بتهمة القيام بأعمال إرهابية أفضت إلى موت إنسان”، وقال نائب عام المحكمة القاضي العسكري العميد زياد العدوان إن “المحكمة جرّمت قاتل حتر بتهم القيام بأعمال إرهابية أفضت إلى موت إنسان، والقيام بأعمال من شأنها إثارة الفتنة، والقتل العمد، وحمل وحيازة سلاح ناري من دون ترخيص”.
هذه السردية تحكي الظاهر من القصة، لكنها لا تكشف عن بواطنها وخلفياتها، فكما يقولون ليس القاتل من أقدم على إطلاق النار فقط، فخلف كل قاتل الكثير من القتلة، ومع قوة فرضية تشدّد إسماعيل وخلفيته الدينية المتزمتة الذي استفزه نشر ذلك الرسم فقام بإصدار الحكم من عنده على حتر وتنفيذ الحكم بيديه، إلا أن فرضيات أخرى بدأت تأخذ مكانها بقوة إلى جانب هذه الفرضية ومنها تسريبات في أوساط مطلعة عن وجود علاقة لإيران بالقصة، فيسري حديث عن علاقة ما بين المنفذ وتشكيل ديني ما يرتبط بسلسلة تمر عبر أنفاق تشكيلات إسلامية فلسطينية متشددة موالية لإيران قد هيأت وحمّست القاتل على القيام بجريمته.
وعلى مبدأ تفسير الواقعة من خلال حصر الجهات المستفيدة منها، فإن إيران أول المستفيدين، حيث خلقت بلبلة أردنية-أردنية يمكن من خلالها الدخول لإضعاف الأردن وتحقيق الأهداف الإيرانية المعلنة حول ذلك، في زرع الفوضى في هذا البلد من ناحية، ومن ناحية أخرى التخلّص من حتر الذي تخلّى عن إيران وصار داعماً لمصالح روسيا في سوريا.
وهناك مقابلات متلفزة ومقالات لحتر توثق موقفه المعلن من دور إيران في سوريا، ففي مقالة له في جريدة الأخبار اللبنانية، العدد 2578 الأربعاء 29 أبريل 2015، في زاويته “بهدوء” هاجم إيران وقال حرفيا “لا يكاد يمرّ يوم واحد من دون أن يبادر مسؤول إيراني إلى تصريح ساخن ضد العدوان السعودي على اليمن.
حتر كان ينتقد دور إيران في سوريا بجرأة، ففي مقال له في الأخبار اللبنانية كتب حرفيا “لا نسمع سوى صوت الصمت الإيراني الرهيب، إزاء الغزو التركي لشمال سوريا”. فقامت الصحيفة بفصله على الفور. (في الصورة حتر في لقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد).
إلا أننا لا نسمع سوى صوت الصمت الإيراني الرهيب إزاء الغزو التركيّ لشمال سوريا، هذا الصمت، ودوافعه المعقدة في العلاقات الثنائية الودية بين طهران وأنقرة، يشكّل مساحة سياسية للتحرك العسكري الأمني التركي العلني في إدلب وريفها وجسر الشغور، في الأيام الصعبة التي تعيشها سورية منذ أكثر من أسبوع”.وفي المقالة عينها قال حول الدعم العسكري والاقتصادي الإيراني لسوريا “إنما ليكن، واضحاً، أن معظم ذلك يتم بشروط تجارية، بما فيها من رهن لأراض وعقارات حكومية، مقابل الديون”.
من سيقف بوجه الإخوان
تكاد الحركات الإسلامية الأردنية تنحصر في ثلاثة تيارات هي الإخوان المسلمون والسلفية بفرعيها التقليدي والجهادي وحزب التحرير الإسلامي.
الموقف الرسمي بينما كان حاسماً من حزب التحرير الإسلامي لأهدافه المعلنة بالسيطرة على الحكم، كان من الإخوان والسلفية يراوح بين الاحتواء والتوظيف والشدة في مراحل معينة.
ما خدم جماعة الإخوان التي تأسّست في مصر في نهايات منتصف القرن الماضي أنها لاقت ترحيباً أردنياً من قبل الأمير عبدالله الأول لوجود خلافات بينه وبين الملك فاروق، وكذلك، لاحقاً، في عهد عبدالناصر حيث كانت العلاقات الأردنية المصرية في توتر دائم، إضافة إلى موقف الإخوان من التيارات القومية واليسارية في الخمسينات من القرن العشرين حيث ساندت الجماعة الموقف الرسمي ما هيّأ لها ظروفاً استثنائية في الأردن.
وفي عام 1970 وقف الإخوان إلى جانب الدولة الأردنية في الصراع الذي جرى بينها وبين المنظمات الفلسطينية مع ميل إخواني إعلامي لمصلحة الجيش الأردني، كلّ هذا جعل للإخوان موقعاً خاصاً في الأردن وهيأ لغض الطرف عن نشاطهم في الأوساط الأردنية من أصل فلسطيني كي تكون الجماعة بديلاً للتنظيمات الفلسطينية التي غادرت الأردن، وهذا ما جعلها تتمكّن من بناء حواضن اجتماعية قويّة لها في هذه الأوساط وبرضا رسمي أردني.
أقوال القاتل رياض إسماعيل في التحقيق تفيد بأنه 'لا يعرف حتر'، لكنه بحث عن صوره وأخباره في الإنترنت واشترى مسدسا قبل أسبوع ليقتله به. (الصورة لحظة اغتيال حتر أمام باب المحكمة الأردنية).
ضحية التوازنات الخفيةالسلفية بفرعيها اكتسبت حضوراً قوياً في الشارع الأردني لطبيعة عملها الدعوي الخالص الذي كان أبعد ما يكون عن السياسة إلى أواخر القرن الماضي، وتم الصمت الرسمي عن هذه الجماعات للأسباب التوظيفية ذاتها، تقريباً، التي حظي بها الإخوان المسلمون.
وقد تأسست الدولة الأردنية بنظام نيابي ملكي وراثي برغم تديّن الأمير عبدالله الأول فهو لم يردّها خلافة، وبرغم أن الدستور ينص على أن الإسلام دين الدولة، إلا أن المادة الثانية منه تؤكد حقوق المواطنة وحرية المعتقد.
بالرغم من مدنية الدولة اليوم إلا أن النقاشات ما زالت تدور حول هيمنة المؤسسات الدينية الرسمية حيث وضعت هذه المؤسسات مسودّة قانون الأحوال الشخصية، وهي مؤسسات فاعلة على المستوى المحلي، فدائرة قاضي القضاة مؤسسة مستقلة تماما ولها سلطات كبيرة فهي تشرف على المحاكم الشرعية وتراجع القوانين والتشريعات وتقدم مقترحاتها التي لا يمكن ردّها. هناك أيضاً وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، ودائرة الإفتاء العام، مؤسسة رعاية أموال الأيتام، وصندوق الزكاة.
هذه المشهدية التي تصوّر المؤسسات والمنظمات الدينية ربما توضح شيئاً عن الأجواء الأردنية ومصادر التشدد الديني، كذلك المسؤولية التي تقع على الأجهزة التنفيذية في الدولة الأردنية سواء للطريقة التي تعاملت بها مع الحادثة أو لتساهلها التاريخي مع الحركات المتشددة لغرض توظيفها ضد الخصوم السياسيين، وكيف كان يجب أن تتعامل مع حادثة بهذا الحجم، طبعاً لا يمكن إغفال العوامل الأخرى التي يمكن أن تتقاطع مع البيئة المعادية لأيّ طرح خارج الصندوق، وأيضاً لا يمكن إغفال التوظيفات لأيّ فعل في الساحة المحلية لأنه يمكن استغلاله من قبل جهات مختلفة، إضافة إلى أنه يمكن أن يعبّد الطريق لتنفيذ أيّ أجندات خارجية.
لذلك تبدو الساحة الإسلامية الأردنية مرتعاً خصباً للإيرانيين، فهم من أثبتوا قدرتهم على الاستثمار والتنظيم وإغداق الكثير من المال لشراء الولاءات وخلخلة التوازنات، وحتر راح ضحية تلك التوازنات الخفية، ففي مقابلة مع الإخبارية السورية قال “إن المقاربة الروسية لحلّ الأزمة في سوريا، تقول إنه لا مكان لتركيا أو إيران في حلّ الأزمة السورية. فالحل السياسي في سوريا سيستبعد الطرفين المتصارعين تركيا وإيران. فتحييد إيران يعني أنه لن يكون لها مكان خاص في سوريا نتيجة هذه الحرب”.
وهذا الحديث، بلا شك، مزعج لإيران، ولا بد أنه تسبّب بإنهاء عمله في صحيفة الأخبار، حيث جرى فصله بعد يومين فقط من هذه التصريحات، لقد تم إنهاء عقده يوم الـ8 من سبتمبر 2015، والتصريحات للفضائية السورية كانت يوم الـ6 من سبتمبر 2015.
العرب اللندنية