اتصل بنا
 

وقائع تونسية

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2017-09-18 الساعة 15:08

تونس تشهد اختلالًا حادًا في المسألة الاجتماعية، حيث تزداد حالات الطلاق والفقر، وتتحدث بعض الإحصاءات عن وجود مليوني مواطن فقير ونصف مليون يعيشون تحت خط الفقر المدقع. كما يشيع خبر غرق جثث مهاجرين أفارقة ودفنها في مكب للنفايات في مدينة جرجيس، مما يؤشر على غياب الحس الإنساني الرفيع في المؤسسات الإدارية التونسية المعنية بهذا الملف.
نيسان ـ

ما بالها الأخبار المتواترة أخيرا من تونس لا تسرّ الصديق ولا تغيظ العدى (مع الاعتذار للشاعر عبد الرحيم محمود)، بل يبعث بعضها على الكآبة والتطيّر. ولا يقول هذا معلقٌ متعجّل، كما صاحب هذه الكلمات، إلا صدورا عن فائضٍ من المحبة في جوانحه لهذا البلد الذي انفرد في البدن العربي بإشعال الأمل، على الرغم من متاعب ومصاعب معلومة وغير معلومة. واحدٌ من هذه الأخبار أن تونس (11 مليون نسمة) صارت تشهد حالتي طلاق في الساعة، على ما نقلت صحيفةٌ محلية عن مصدر حكومي. وإذا ما عُطف هذا المنسوب من أبغض الحلال في بلاد الياسمين إلى ازورارٍ يزيد بين شبابها عن الزواج، لنقصان اطمئنانهم إليه، وإيثارهم عليه الهجرة إلى أوروبا، ولقلة فرص العمل قدّامهم، فإن هذا يؤشر إلى اختلالٍ حادثٍ في المسألة الاجتماعية، من تفاصيله أيضا أن الفقر صارت ظاهرته أكثر من مقلقة، إذ فيما تذكر إحصاءاتٌ رسمية أن 15% من المواطنين يُغالبونه، تتحدّث أخرى غير رسمية عن مليوني مواطن فقراء، وأن نصف مليون يمكثون تحت خط الفقر المدقع. وتوضح دراساتٌ أن الطبقة المتوسطة بدأت تقترب من الفقر، بالنظر إلى غلاء المعيشة المضطرد.
يُصادَف أيضا خبر يشيع في النفس أسىً وحنقا وفيرين، موجزُه أن جثث مهاجرين أفارقة غرقى تم طمرُها أخيرا في مكبٍّ قديمٍ للنفايات في مدينة جرجيس (جنوب شرق). ولولا تنديد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بهذه الطريقة اللاإنسانية في التعامل مع جثث هؤلاء الناس، لما بلغَنا هذا النبأ، المتصل على الأرجح بما تُغالبه تونس من إشكالاتٍ غير هيّنة بخصوص حوادث الغرق العديدة لمراكب الهجرة غير النظامية، عبر ليبيا مثلا. ولكن الظن كان أن تغليب الحس الإنساني الرفيع هو ما تحتكم إليه مؤسّسات الإدارة التونسية المعنيّة بهذا الملف. ويُجيز سوء الظن هنا القول إن غياب هذا الأمر قد يحيل إلى غياب أمورٍ أخرى في أداء هذه المؤسّسات، وبديهي أن من الواجب احترام كرامة الإنسان في مماته، خصوصا إذا لم يتيسر له شيءٌ منها في حياته.
بعيدا عن ذلك المكبّ في جرجيس، توبعت باهتمامٍ أجواء جدلٍ ساخن بين أوساط واسعة في النخبة التونسية، وأوساط شعبية أوسع، بشأن قانون المصالحة الإدارية الذي مرّره البرلمان (117 صوتا)، بعد نقاشٍ صاخب، وهو قانون جاهد من أجله الرئيس الباجي السبسي، منذ طرح مشروعه قبل عامين. ولم تشفع تعديلاتٌ عليه قبل تصويت مجلس النواب عليه في تحسين أغراضه بين الناس، كما أن بيانا لحركة النهضة لم يفلح في إقناع تونسيين كثيرين بتصويتها معه (وإنْ بغياب 30 نائبا منها واعتراض آخرين). وهو قانونٌ ستبقى سوء السمعة تلاحقه، ما دام متعلقا بمصالحاتٍ مع 1500 موظف حكومي، مشتبه بتورّطهم بالفساد في عهد بن علي. وبسببٍ من اضطرابٍ حادثٍ بشأن هذا كله، يعود عدم الارتياح في الأخبار المتتابعة بخصوصه إلى عدم استطاعة الحكم تحقيق توافق أوسع، يحقق التطلع العريض بين التونسيين إلى إنجاز أعلى مراتب المحاسبة، وأرفع درجات العدالة، بشأن ماضي الاستبداد والفساد في بلدهم.
خبرٌ آخر فيه مقاديرُ من الشذوذ عن الصورة الذائعة عن طورٍ متقدّم من الحريات تعرفه تونس، مفاده بأن جهةً قوية في الحكم، أمنية ومخابراتية ذات خيوط سياسية، أقدمت على ترحيل الأمير المغربي، هشام بن عبدالله (يُؤثر صفته باحثا أكاديميا على منزلته أميرا) إلى باريس، وكان مدعوا إلى ملتقى نقاشٍ في تونس. وأن يلمّح الرجل إلى ضغط سعودي أو إماراتي وراء هذا الإجراء الذي استنكرته عشر تكويناتٍ حقوقية وثقافية تونسية، وأن تذيع الرئاسة في قصر قرطاج عدم درايتها المسبقة بفعلة الطرد هذه، فإن الأمرين يكشفان أن 'عطبا' ثقيلا يقيم في دواليب السلطة في تونس. لعله العطب نفسُه المتصل بالتدبير الذي يتم طبخُه، بين قنواتٍ متحكّمة، تبدأ من الرئاسة ولا يدري معلق متعجلٌ أين تنتهي، من أجل إضعاف حركة النهضة، والإجهاز عليها سياسيا وشعبيا، وبغير حيلةٍ وصيغةٍ، ما يتبدّى في قلق ظاهر من أن تحرز الحركة انتصاراتٍ مشهودةً في الانتخابات البلدية التي صار شبه مؤكد تأجيلها إلى مارس/ آذار، بعد مداولاتٍ ومساوماتٍ ومقايضاتٍ مريبةٍ، ظاهرةٍ وخافيةٍ، لا تتوقف الأخبار المتوالية من تونس تحيل إلى كثيرٍ منها، في شؤونٍ ومسائل غير قليلة، جاءت السطور أعلاه على جديدٍ منها.
مشاركة

نيسان ـ نشر في 2017-09-18 الساعة 15:08


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً