وليد الكردي صهر العرش خارج الحصانة
نيسان ـ نشر في 2017-09-23 الساعة 09:50
محمد قبيلات ...يجاهد وليد الكردي اليوم عبر حراك هادئ من أجل إثبات البراءة من التهم والأحكام والمطالبات الدولية بتسليمه والصادرة بحقه من الهيئات القضائية الأردنية جراء محاكمته على تهم التربّح واستغلال الوظيفة العمومية من أجل تحصيل مكاسب خاصة.
ملف الفوسفات
ما يضاعف حساسية موقف الكردي أنه صهر العائلة المالكة في الأردن، فهو زوج الأميرة بسمة ابنة الملك طلال بن عبدالله وأخت الملك الحسين وعمة الملك عبدالله الثاني، وكان قد تسلم أكثر من إدارة شركة حكومية، فهو المدير الأسبق للخطوط الجوية الملكية والمدير العام السابق لشركة مناجم الفوسفات الأردنية التي في إثر إدارته لها صدرت بحقه الأحكام القضائية الكبيرة، حيث حكم عليه بالسجن أكثر من سبعة وثلاثين عاما، إضافة إلى الحكم عليه بإعادة أكثر من أربعمئة مليون دولار للخزينة العامة للدولة.
وليد الكردي هو ابن إسماعيل الكردي مالك شركة “دولار فيلم” التي تأسست في القاهرة عام 1949، وقد قدمت الكثير من النجوم للمشاهدين من خلال ما أنتجت من أفلام سينمائية، منهم على سبيل المثال لا الحصر فاتن حمامة وفريد شوقي، وقد أسس الكردي الابن شركة جديدة تابعة لشركة أبيه التي يديرها هو، الشركة الجديدة هي “نيو سنتشري” للإنتاج الفني، واشترى أكثر من دارٍ للسينما في مصر ويعيش اليوم في حيّ تشيلسي في لندن، بعد أن غادر عمّان قبيل أن تُحرَّك ضده قضايا الفساد في عام 2010، حيث قدم استقالته من شركة الفوسفات الأردنية وغادر البلاد قبل أسبوع من بدء محاكمته.
المفارقة الأولى في حالة الكردي أن شركة الفوسفات حققت أرباحا عالية وغير مسبوقة إبان إدارة الكردي لها، لكن بعضهم يرد ذلك إلى ارتفاع الأسعار الناجم عن ازدياد الطلب العالمي على الفوسفات في تلك الفترة. أما المفارقة الثانية أنه تم اللجوء إلى شركة الكردي التي يديرها ابنه بعد البدء بمحاكمته من أجل مواصلة تسويق منتجاتها بعد أن تراجعت المبيعات في إثر استقالته من إدارتها، ولعل هذا يفسر ذلك الحديث عن الخسائر الكبيرة للشركة التي لا يمكن حصرها نتيجة ربط مصيرها باتفاقيات طويلة الأمد وبمصالح تعود، بشكل أو بآخر، للكردي نفسه.
المشكلة التاريخية التي أثقلت كاهل مناجم الفوسفات هي في الطريقة التي تدار بها، إضافة إلى تحميلها أعباء اجتماعية كبيرة، فهي متخمة بالعمال حيث أن عدد الذين يعملون فيها دائما وعلى مختلف المراحل كان يشكل أضعاف أضعاف ما تحتاجه من الكوادر، ما زاد نفقاتها وحملّها تكاليف إضافية خصوصا أنها تدفع رواتب عالية نسبيا.
وفي هذا الإطار اندرجت الشركة أيضا ضمن مسارات الترهل والمحسوبية وسياسة التنفيعات السائدة في مؤسسات الدولة جميعها، ولم يتسنَ لها خطّ طريق نجاح مستقل برغم جاهزيتها لذلك، فمنتج الشركة يمتاز بمواصفاته العالية وأيضا بما تمتلكه من احتياطات كبيرة من المواد الخام وقربها من ميناء العقبة وتربطها به سكة حديد، ما يعني انخفاض التكلفة وامتلاكها النوعية والاحتياطات الضخمة ما يجعلها مؤهلة للمنافسة في الأسواق العالمية.
ومع بدء تجذر التوجهات النيوليبرالية في الدولة الأردنية تمت خصخصة الفوسفات حيث تم بيع حصة كبيرة من أسهمها لسلطنة بروناي ما أثار لغطا كبيرا حينها حول نزاهة الصفقة من ناحية وسعر البيع من ناحية أخرى، فقد ارتفع سهمها أضعافا بعيد إتمام صفقة البيع ما عزز الشكوك بأن جهات متنفذة تكسبت من العملية.
التوجهات النيوليبرالية في الدولة الأردنية تعود إلى المرحلة التي تمت فيها خصخصة الفوسفات، حيث تم بيع حصة كبيرة من أسهمها لسلطنة بروناي، ما أثار لغطا كبيرا حينها حول نزاهة الصفقة من ناحية وسعر البيع من ناحية أخرى
المحاكمة
جاءت الحقبة التي تسلم بها الكردي إدارة الشركة قبيل بدء الحراكات الشعبية المترافقة مع الربيع العربي ليكون أول ضحايا هذا الربيع الأردني الذي امتد إلى صحراء معان،المحافظة الجنوبية التي تقع بها مناجم الشركة ما زاد في تعقيد الأمور.
فجاءت المحاكمة من أجل استمرار عملية التنمية التي تستلزم الحدّ من الفساد ولتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتعميق شرعية النظام السياسي، فالفترة كانت حرجة للغاية وتحديدا سنة 2010 وفي السنوات التي تلتها.
ما إن بدأت أصابع الاتهام توجه إلى وليد الكردي لضلوعه في عمليات فساد تنطوي على تربح شخصي وإيذاء مصالح الشركة على المستوى الاستراتيجي حتى قدم استقالته، وليس له إلا تصريحات مقتضبة في تلك الفترة قال فيها إنه آثر التنحي برغبة ذاتية خالصة من أجل ألاّ يؤثر وجوده سلبا في أداء الشركة، وغادر البلاد بعد أسبوع من تاريخ الاستقالة.
بدأ النواب بإرسال المذكرات للحكومة والجهات المعنية حتى أن هناك مَن يقول إن مذكرة سريّة خطّها الوزير اليساري بسام حدادين، وهو عضو مجلس الأعيان حاليا، طالب حينها بمحاكمة وليد الكردي من أجل تعزيز الشرعية وفرض هيبة الدولة ومن أجل أن يُقبِل الناس على الانتخابات.
وبالفعل تم البدء بالمحاكمة بغياب الكردي عن الجلسات كافة ما مهّد لصدور الحكم غيابيا بحقه في العام 2013، وقد حكم بـالسجن 37.5 سنة وبغرامة 284 مليون دينار، لكن هذا الحكم واجه صدا عالميا حيث حالت سرية المعلومات في البنوك البريطانية والأوروبية ووجود شركاء له في الحسابات من دون تنفيذ الحكم بالحجز على هذه المبالغ المرصودة في حساباته هناك.
محكمة استئناف أوروبية أصدرت قرارا بعدم إمكانية تنفيذ حكم القضاء الأردني بالحجز على حسابات وودائع الكردي كونها مشتركة مع آخرين، والسلطات البريطانية تتحفظ على تسليمه للأردن كون الأحكام الصادرة بحقه غير نهائية وقابلة للإلغاء وإعادة بدء المحاكمة.
والد الكردي هو مالك شركة 'دولار فيلم' التي تأسست في القاهرة عام 1949 والتي قدمت الكثير من النجوم للمشاهدين من خلال ما أنتجت من أفلام سينمائية، منهم على سبيل المثال لا الحصر فاتن حمامة وفريد شوقي.الحكم الذي صدر بحق الكردي اعتبره الناطق باسم الحكومة الأردنية محمد المومني تهديديًا، بينما وصفه نقيب المحامين الأسبق النائب في البرلمان الأردني صالح العرموطي بالحكم القلِق، كونه قابلا للاستئناف بمجرد حضور المتهم المجّرَم حاليا، فهو يستطيع بمجرد حضوره إلى المحكمة أن يلغي هذه الأحكام كلها وتبدأ محاكمته من جديد ويقدم دفوعه.
بالرغم من ذلك فإن هناك من يقول إن قرارا سياديا اتخذ بمعاقبته، وإن تصريحات الحكومة المخفّفة ما هي إلا على سبيل الاستدراج له ومغازلة تطمينية للسلطات البريطانية.
ففي القانون الأردني يعتبر الحكم الغيابي بمثابة الوجاهي طالما أن المتهم غائب ويحق للنائب العام تنفيذ هذا الحكم.
تعاطف الأميرة مع زوجها
للأميرات مكانة خاصة في وجدان الشعوب على العموم، لكن هذا لم يحمِ أزواجهن إذا كانوا من خارج العائلة من تغوّل السياسة عليهم، وحتى الأميرات إذا كنّ من خارج العائلة الملكية فسيلقين المصير ذاته، ويكفي أن نتذكر قصة الأميرة ديانا ونهايتها المأسوية، أما الأصهار، فلنا في قصة الأميرة الإسبانية كريستينا شقيقة الملك فيليبي السادس عبرة، فقد لوحقت بقضية اختلاس أموال لشركة “نوس” الخيرية التي يترأسها زوجها إينكاي أرودانغارين.
ظهر تعاطف الأميرة بسمة بنت طلال مع زوجها وليد الكردي في أكثر من مناسبة خلال الأعوام الماضية حيث أرسلت بعض التغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي كان أولها قبل سنوات حين أعلنت خطبة ابنها من خارج البلاد، حيث تظلمت بسبب أنها لم تستطع إقامة الحفل في الوطن، بعدها وعندما تم تحريك طلب الحكومة من جهاز الأنتربول الدولي حذرت الأميرة في تغريدة أخرى من مغبة الظلم بنشرها لحديث شريف يُحذّر من دعوة المظلوم.
هذا أمر طبيعي أن تدافع زوجة عن والد ابنيها، لكن متطلبات الحكم الرشيد لا تواتيها التعاطفات خصوصا في المراحل الحساسة، وهذا ما حدا بالملك أن يؤكد للأردنيين بأن الجميع تحت القانون.
القصة اليوم يمكن أن تتحول إلى قصة نجاح بالنسبة إلى النظام بعد أن كانت مثلبة ومأخذا عليه، وإن هذه المحاكمة تظهر مدى فعالية “السيستم” والتزامه قواعد الحاكمية والمؤسسية بما يضمن مصالح البلاد والعباد والحفاظ على مقدرات الوطن من أيّ تطاول سواء تم من قبل متنفذين أو من أيّ كان.
حساسية موقف الكردي تتضاعف لكونه صهر العائلة المالكة في الأردن، فهو زوج الأميرة بسمة ابنة الملك طلال بن عبدالله وأخت الملك الحسين وعمة الملك عبدالله الثاني، وكان قد تسلم أكثر من إدارة شركة حكومية
المساومات
في الوقت الذي جرت وتجري فيه تسويات طبقية كبرى في الدول المتقدمة ما زالت بلدان العالم الثالث تجاهد من أجل استرجاع ما تبقّى لدى اللصوص من مسروقات من المال العام، فبينما النقاش محتدم في الغرب حول الضمان الاجتماعي والضرائب و”أوباما كير”، بمعنى نهاية النيوليبرالية وإعادة الاعتبار للدولة، ندخل نحن في الحقبة النيوليبرالية متعثرين بتفسيراتنا المغلوطة لها أو ظنا منا بأنها الدولة الغنائمية كما يحبّ أن يسميها بعض الكتاب والمفكرين.
نعم؛ فقد وصلت إلينا النسخ المشوهة من الليبرالية والليبرالية الجديدة المنزوعة من استحقاقاتها الاجتماعية ومن مضامين الحرية فمقابل دعه يعمل دعه يمر لدينا نسخة مطورة فحواها دعه يسرق.. دعه يفرّ.
هناك تخوفات كبيرة اليوم لدى الرأي العام الأردني بأن التصعيد الحكومي هدفه الحل، الحل بأبخس الأثمان، فيقال إن رقم التفاوض والمساومة وصل الآن إلى 50 مليون دينار أي نحو سدس المبلغ المحكوم به، وهذا إن صحّ وإن تم سيكون مادة شاحنة بقوة للشارع الذي لا ينقصه الشحن أو الشحذ، فالبلاد على أعتاب مرحلة من الحراكات نتيجة اتجاه النية لدى الحكومة لرفع الأسعار لتعويض العجز في الموازنة.
هذه المقدمات ما هي إلا إرهاصات لأحداث كبيرة تحتاج إلى تحوّطات جادة يكون هدفها الحفاظ على هيبة الدولة وإرساء أركان العدالة الاجتماعية كما ورد في مضامين الأوراق النقاشية الملكية.
العرب اللندنية