من نتائج الاستفتاء الكردي
ميشيل كيلو
مفكر عربي
نيسان ـ نشر في 2017-10-01 الساعة 15:45
تصعيد الصراعات المذهبية والإثنية والقومية في المنطقة يضيف تعقيدات جديدة ويهدد الأمن الدولي
تدخل المنطقة في طور جديد من صراعاتها، يقول متخوفون من نتائجه إنه سيضيف إلى صراعاتها المذهبية روافد إثنية وقومية وعرقية، ستنقل أزمتها المستفحلة إلى مرحلة تفوق، في ضراوتها وتعقيداتها، كل ما عاشته إلى اليوم. إذا صح هذا، وجدنا أنفسنا أمام حقبة من التصعيد، ستقذف الكرد إلى حمأة صراع محلي/إقليمي/ دولي، ستنخرط فيه شعوب منطقة الشرق الأوسط ومكوناتها، من عرب وكرد وترك وفرس، ستكون نتائجه ضروريةً لإخضاعها لحال دولية مأزومة، ومفعمة بالتوتر والخطر، ستترك آثارها عليها، وتنتج نمطا مختلفا عن العلاقات، التي ورثتها من تاريخ إقامها الإسلام خلاله على الإخاء والسلام. وتمزقها اليوم مذاهبها إلى حدٍّ تصير معه خطرا على أمن وسلام عالم حالت مشكلاته دون إيقاف المجزرة الأسدية ضد شعب سورية، وعطلت النظام الدولي قبل أن يسير نحو الانهيار، مع بروز نمط من القيادات، كالرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، يعتمد القوة بدل القانون والقيم الناظمة للعلاقات الدولية أداة لتحقيق مصالحه، أعاد العالم إلى العصر الاستعماري من بوابة الاحتلال الصهيوني فلسطين والجولان، والإيراني والروسي سورية، والصراع الشيعي المنظم، والموجه إيرانيا، ضد بقية المسلمين، بما يحدثه من فوضى تشحن المجتمع الدولي بصراعاتٍ فالتةٍ من عقالها، تطيح المعايير والقيم التي بلورها العالم، لتنظيم علاقاته بعد عام 1945.
ثمّة تسوية تاريخية جديدة تنتظر منطقتنا، ستعيد توزيع جغرافيتها ودولها على مكوناتٍ تضمها اليوم شعوبها، ربما تكون قد بدأت مع انسلاخ الكرد عن بلدانهم الراهنة عبر فعل رمزي، هو الاستفتاء الانفصالي لكرد العراق، الذي يكاد يكون مؤكدا أن خطوة انفصالية مماثلة ستعقبة لدى كرد سورية، بعد أن يستكملوا انسلاخهم عن شعبها، ووضع أيديهم على مساحةٍ تضمن معاشهم من أرضها، ومغادرة مناطق انتشارهم إلى ما يسمونها 'كردستان الغربية'، والتي إن امتدت إلى ساحل المتوسط عبر إدلب وريف اللاذقية وصلت دولة الكرد بالعالم. بعد الاستفتاء، سيتحول ما كان يسمى 'الإقليم' إلى مركز قيادي لكرد إيران وتركيا أيضا، من أسباب نجاحه جر البلدين إلى حال تتيح لكردهما الانفكاك عنهما، من الضروري أن تكون صراعاتها أشد ضراوة واتساعا من الصراع الدائر منذ أعوام في سورية والعراق، لما لها من دور في بروز العامل الكردي عاملا مستقلا عنهما، ورسم حدودهم بالدم الذي طالب به الزعيم الكردي، مسعود البارزاني، ذات يوم، وحان وقته.
بالسيطرة على الظاهرة الإرهابية، وبروز المسألة الكردية من خلال الاستفتاء في العراق،
'ثمّة تسوية تاريخية جديدة تنتظر منطقتنا، ستعيد توزيع جغرافيتها ودولها' وتحول الكرد إلى قطب مواز للنظام في سورية، يحتل تدريجيا محل الثورة في المعادلة الداخلية، ويحتل مساحة شاسعة من سورية، تنتج معظم محاصيلها الزراعية ونفطها، وتضم مدنا تاريخية وكبيرة، كالرقة ودير الزور والميادين والبوكمال والحسكة والقامشلي وتل أبيض، ستعود إلى الصراعات هويتها الأصيلة، كصراعات تدور بين شعوب المنطقة التاريخية، ولا بد أن تقتصر عليها، بذلك كله ستحتل الورقة الكردية أهمية متعاظمة من الآن فصاعدا فيها، من أجل دفع الطرفين، التركي والإيراني، إلى انخراط متعاظم فيها. ولا يعني هذا أن الصراع سيدور حول الكرد وحدهم، وإن كانوا الطرف الأكثر استعدادا لأن يزج بهم اليوم فيه.
بعد استفتاء الإقليم وانفصال كرده عن العراق، وانضمام كرد سورية المحتمل إلى الدولة الجديدة، ستتقارب تركيا وإيران من بعضهما، وستتحالفان ضد التحدي الكردي داخلهما، وسينشب صراع حاسم بين نهجي البارزاني وحزب العمال الكردستاني، وستشهد علاقات القوى الكردية ظهور مركزين، برؤيتين سياسيتين مختلفتين، سيكون لنهج الدولة أرجحية متزايدة فيها، لكونها ستتولى إدارتهم من موقعها المركزي، ولأن زعيمها البارزاني هو الذي سيكون مسؤولا عن رسم حدود كردستان بالدم، ولن يسمح ببقاء خصوم 'العمال الكردستاني' الكرد، وخصوصا في سورية، مجرد جمعيات سياسية لا حول لها ولا طول، تتفرج غاضبة على 'وحدات حماية الشعب'، وهي تفرض سيطرتها على ما تسميها 'كردستان الغربية'، تلك القطعة من سورية التي يريد 'المجلس الوطني الكردي' و'العمال الكردستاني' انتزاعها من وطنها وأهلها. أي أثر سيكون للتحالف الإيراني/ التركي على الدولة الكردية، ولانتقال مركز ثقل القضية الكردية إليها على سياسات الدول الإقليمية، خصوصا وأن قيام كردستان الكبرى يتوقف على سلخ أجزاء منها، وانضمام كردها إلى بؤرتها البارزانية، تحقيقا للمشروع الكردي الزاحف الذي يكيّف أهدافه المرحلية حسب موازين القوى القائمة، فيطالب بالمواطنة المتساوية، حيث لم تنضج بعد شروط فيدرالية تحمل جميع سمات الانفصال. ماذا ستفعل خصوصا تركيا التي كانت لها علاقات ممتازة ومصالح واسعة مع أربيل، وتناقضات عدائية مع حزب العمال الكردستاني، وتجد نفسها اليوم أمام انقلابٍ في مواقف الطرف الصديق، يحمل من المخاطر على دولتها ومجتمعها أضعاف ما يحمله نهج هذا الحزب الذي يرجح أن ينتقل من المطالبة بالإصلاح إلى المطالبة بالانفصال.
ماذا ستفعل أنقرة بعد اليوم بكردها؟ هل ستكتفي بما مارسته من إصلاح كان موضوعه أوضاعهم وعلاقاتها معهم، أم أنها ستبلور سياساتٍ حيالهم، تجعلهم محور أمنها الداخلي وتنميتها، تنطلق من أولويات ذات اعتبارات مغايرة للتي اعتمدتها إلى اليوم، هدفها، بين أشياء أخرى، إقامة شراكة من نمط تفاعلي يمنح الكرد صلاحياتٍ تعزّز ممارستها بنية الدولة، تعيد النظر في توزيع الدخل الوطني وتنميته، وأنماط تقسيمات تركيا الجغرافية وإدارتها، تعوضهم عن الانفصال بدور متزايد في إدارة بلادهم وتقرير شؤونها؟ ألا تتطلب سلامة الدولة التركية العمل بأقصى طاقة لكسب التحدي، ومنه فصل الإقليم عن كرد سورية الذين يلعبون، بدعم أميركي وانخراط كرد أتراك وإيرانيين في الحرب، دورا أكبر بكثير من قدراتهم، أضعف الثورة وعزّز نظام الأسد، الذي يبرّرون بظلمه تطلعاتهم الانفصالية.
سيضيف هذا التحدي الذي ستواجهه تركيا في السنوات المقبلة، إلى متاعبها، تعقيدات إرهابية ومذهبية وقومية ودولية، سيحمل كل واحد منها مخاطر جدية، لا بد أن تضطرها إلى تطوير
'من دون شراكة تركية/ سورية ستواجه الثورة وتركيا تحدياتٍ لم يسبق لهما أن واجهتا ما هو أخطر منه' مواقفها لصد مخاطر تتفاقم وتتوضع أكثر فأكثر داخلها، لن تنجح بعد اليوم في دحرها، من دون تعاون جدي مع السوريين، ومساعدتهم على وقف الحرب ضدهم، بعد تحول 'درع الفرات' من حزام أمني إلى مشروع فخ، وتعاظم تنازلاتها الروسية، وفشل سعيها إلى استعادة علاقاتها الجيدة مع أميركا، والمصاعب التي تواجهها قيادتها التركية، ولا يحار مراقبها في إدارة هذه التناقضات، بينما تزداد ضغوط هذه الأطراف عليها، وترى في إيران طرفا يدرك أن تعرّضها لاضطرابات داخلية، يؤذن بوقوع ما يماثلها فيها، بحيث يمكن القول إن أمن تركيا وإيران يتقارب، في كل ما يتعلق بالتحدي الكردي الذي سيتعاظم باضطراد بالنسبة للدولتين، إذا لم ينجحا في احتوائه.
أصر البارزاني على الاستفتاء، ليلاقي تطورات القضية الكردية عامة، وفي سورية خصوصا، وكي يكون هناك دولة/ مركز تتولي إدارتها. سيؤثر هذا التحول في موقف أربيل بصورة ما على دور تركيا في إدلب، ومن الواضح أنه أربك هذا الموقف، بعد أن جعل التحدي الكردي مسألة أمن قومي تركية، وصار صعبا على أنقرة حمل بطيختين كبيرتين بيد واحدة، العراقية منهما ثقيلة جدا ولها منطويات خطيرة متنوعة. وإذا ما تقلص دور تركيا في إدلب، وتاليا سورية، وقع تغيير مفصلي في كل ما يتعلق بموقفي النظام والثورة، سيزيده خطورةً تصدّي روسيا، بمفردها أو بالتعاون مع آخرين، للمهمة التي سيلحق إنجازها عن غير طريق أنقرة ضررا فادحا بتركيا، هو الضربة الخطيرة الثانية، بعد ضربة أربيل.
ماذا سيترتب على انحسار الدور التركي في إدلب، وتاليا سورية، وتقدم الدور الروسي، وخروج منطقة هي أكبر المناطق المحرّرة من أيدي المعارضة؟ ما تفعله روسيا هو تقويض متعمد لدور تركيا السوري، وانقلاب يبدل علاقات أطراف الصراع المحلية والإقليمية والدولية. هل ستقبل تركيا هذه النتائج، وستتمكن من إعادة النظر في حساباتها وأوضاعها، والتعاون مع روسيا التي تضعها أمام واقع يضطرها لقبول دورٍ يختلف عما تم التفاهم عليه في أستانة، علما أن تأخر دخولها إلى إدلب يفتح ثغرة في خاصرتها ستأتيها منها العواصف، وقد تضطرها لقبول ما رفضته إلى اليوم: اقتصار وجودها في سورية على منطقة درع الفرات. ويبقى سؤالان: أي بديل ستبلور تركيا بالتعاون مع إيران والعراق حيال خيار البارزاني، وهل سيسهم في حفظ دورها في سورية الذي يرتبط مصير الثورة اليوم أكثر من أي وقت مضى بوجودها في إدلب وعفرين.
من دون شراكة تركية/ سورية ستواجه الثورة وتركيا تحدياتٍ لم يسبق لهما أن واجهتا ما هو أخطر منه.
نيسان ـ نشر في 2017-10-01 الساعة 15:45
رأي: ميشيل كيلو مفكر عربي