مع ديمة طهبوب
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2017-10-01 الساعة 15:48
ضرورة احترام حرية التعبير وعدم السخرية من أي شخص في أي ضفة سياسية، وأن الغلو في هذا الأمر والتحقير لا يعني انتصارا على الآخرين، وأن حرية التعبير لا تجيز الإساءة لأي شخص، وأن هناك قوانين تحمي الناس من الإساءة والتشهير.
لا يكفي أن نجهر بالأسف لتوقيف المدّعي العام في الأردن ناشطا في حزب يساري، بناء على شكوى نائبة في البرلمان عليه، بسبب نشره في 'فيسبوك' رسما وتعليقا يتهمانها بالداعشية. وإنما الأهم أن نعرف أنه بات شديد الإلحاح أن يعرف أصحابنا من أهل اليسار أن السخرية من الإسلاميين، بالتجرؤ عليهم مثلا، لم تعد مهنةً تجدي في شيء، وأن الغلوّ في هذا الأمر، ورمي 'الإخوان المسلمين' وأنصارهم بالتسخيف والتجريح لا يعني انتصارا عليهم، أو إحراجا لهم، أو كشفا لقلة ديمقراطيتهم و'رجعيتهم'، وأن الشتائم وتحقير الناس واتهامهم كيفما اتفق هي جرائم تشهير لها عقوباتها في أعرق الديمقراطيات في العالم. وأن حرية التعبير عن الرأي لا تجيز سخرية أي شخص، في أي ضفة سياسية كان، وفي أي جبهة أو حزب كان، من أي شخص. والظاهر أن تأكيد هذه البديهيات ما زال ضروريا، بدليل أن راكان حياصات، الموقوف حاليا في الأردن، بقرار من المدّعي العام، افترض أن هذه الحرية التي يعتنقها كيفما اتفق تبيح له أن يهجو النائب ديمة طهبوب، برسمها على جوادٍ، وراءها رايات 'داعش'، لا لشيء إلا لأنها هاجمت مجاهرين بإفطارهم في شهر رمضان. وغاب عن بال صاحبنا هذا أن عليه أن يحتمل ما ينجم من افتراضه أن لشخصه أن يستفزّ مشاعر الناس وفطرتهم ووجدانهم، وأن لتقدميّته اليسارية كل الحق في أن تتوسّل ما تشاء من صيغ التعبير في مواجهة 'رجعية' الإخوان المسلمين الذين تنتسب إليهم ديمة طهبوب.
نعم، من حق راكان حياصات أن يتوهم ما يشاء عن نفسه، وأن يرى الإسلاميين كما يشاء. ولكن عليه، في المقابل، أن يعرف أن ثمّة قوانين تحمي الناس من أوهامه هذه، بل والمجتمع كله، وأن لا يغيب عن باله أن طهبوب لم تلجأ إلى إعمال القانون بشأن حالته، لأنه ساق مؤاخذاتٍ على ضعف كفاءتها في البرلمان، وإنما أخذته إلى المدّعي العام، لأن في ذهنه أن 'فيسبوك' ملعبُ في الوسع أن يقذف فيه أي حجارة يريد في أي مرمى، غير أن حجرَه هذه المرة أصابه هو بشخصه، ما يعود إلى أن التورّم في ذاته هو ما جعله يظن أن رمي امرأة متديّنة بالداعشية أمرٌ لا يستحق غضبا منها، ولا جزعا، فالإسلاميون، إخوانا كانوا أم غير إخوان، داعشيون بالضرورة، بالحقائق والوقائع، كما يستسهل هذا القولَ زملاءُ وأصدقاءُ لنا يساريون، لا نصادف لهم أي شطارةٍ في إشهار أي مواقف من الاستبداد المريع الذي تقترفه أنظمة معلومة، تقيم في الحكم في دول تجاور الأردن. ويلبس هؤلاء أردية الشجاعة وأثواب المبدئية الجذرية في ابتذال الكلام المسترسل على الإسلاميين، من دون تمييز بينهم، وزجّهم في سلة مساندي الإرهاب، واعتبارهم متخلفين ضيقي الأفق. ومع الاتفاق مع أصحابنا هؤلاء في مآخذ غير قليلة على طرائق تفكير 'الإخوان'، في المسألة الديمقراطية وغيرها، فإن هذا لا يليق أبدا أن يبرّر الاستباحة السمجة لسمعة ديمة طهبوب وغيرها، وتقويلها ما لم تقله. ولا يُقال هذا الكلام هنا لإعجابٍ خاص لدى كاتب هذه السطور بأداء السيدة طهبوب نائبا في البرلمان، وإنما صدورا عن وجوب احترام أصول المخاصمة والمخالفة، مع أي كان.
كأنه الإشكال المزمن بين اليسار المتطرّف والإسلام السياسي، كأنه سوء الثقافة السياسية في الراهن العربي، كأنه المناخ البائس الذي نجم عن الفلتان الشاسع الذي صنعته ميديا وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت مسألة حرية التعبير فيها من التحديات العويصة أمام قوانين النشر والإعلام والصحافة، فاستجدّت قوانين الجرائم الإلكترونية. ومؤسفٌ، على أي حال، أن نرى نائبة في البرلمان وناشطا سياسيا يتواجهان في المحكمة، بسبب انعدام مساحة الحوار بينهما، بل بين ما يمثلان، وغياب لغة التعبير اللائقة والمناسبة عن الرأي والذات. وكم يكون طيبا لو تم الإفراج عن راكان حياصات، وصفحت ديمة طهبوب عنه إذا ما اعتذر، ثم البناء على هذه الواقعة من أجل خطوةٍ متقدمة باتجاه تنزيل أخلاقٍ لازمة في المواجهات الكلامية، بل وفي المناكفات أيضا، وهذه هي الغالبة في وسائط التواصل الاجتماعي، ويظن ممارسوها أنهم في منجاةٍ من أي سؤال أو مراجعة، إذا ما استخفّوا بأي متديّن، يرفض المجاهرة بالإفطار في رمضان مثلا، واعتبروا رفضه هذا فعلا داعشيا.. هل هذا معقول؟
نيسان ـ نشر في 2017-10-01 الساعة 15:48
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب