اتصل بنا
 

قصّة مكتبة

نيسان ـ نشر في 2017-10-03 الساعة 15:27

الكاتبة الجزائرية مولود تتألق في الموسم الأدبي الفرنسي بروايتها ثرواتنا وتتناول قصة مكتبة ودار نشر في الجزائر العاصمة التي أسهمت في إطلاق أسماء أدبية لامعة، وتثير تساؤلات حول فوزها بجائزة غونكور.
نيسان ـ

اعتُبرت الكاتبة الجزائرية مولود(1986) من أهم مفاجآت الموسم الأدبي الفرنسي لهذا العام، بعد أن دخلت روايتُها، 'ثرواتنا'، الصادرة أخيرا عن دار لوسوي الفرنسية ودار برزخ الجزائرية، قائمةَ أهم جائزتين أدبيتين في فرنسا، غونكور ورونودو. وفي انتظار الإعلان عن القائمتين الثانية ثم الثالثة، في 11 و30 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وصولا إلى إعلان اسم الفائز في 6 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تساءلت وسائل إعلام عديدة، هنا وهناك، عمّا إذا كانت 'غونكور' ستكون جزائرية هذا العام، إذ تحظى الكاتبة باهتمام الصحافة وإعجاب القراء، منذ صدور روايتها الأولى 'راقصات بابيشا' التي أعيد طبعها مرتين في فرنسا، وروايتها الثانية 'حجارة في جيوبي' التي تتناول وضع المرأة العازبة في الجزائر وكل ما تتعرّض له من إكراه على الزواج.
في روايتها الثالثة 'ثرواتنا'، تسترجع الكاتبة فترة الثلاثينيات في الجزائر العاصمة، مركّزة على حكاية مكتبة ودار نشر كانت تحتل إحدى زوايا شارع الجامعات (شارع حماني اليوم)، وكان لها تأثير مهم جدا على الحركة الأدبية الفرنسية والناطقة بالفرنسية، في الجزائر وفي فرنسا. فقد قدّمت المكتبة - الدار هذه إلى الجمهور أسماء أدبية لامعة، من أمثال ألبير كامو، كاتب ياسين، جول روا، إيمانويل روبلس، مولود فرعون وكثيرين غيرهم. أما مؤسّس المكتبة - دار النشر، فهو شاب فرنسي في العشرين من عمره، يُدعى إدمون شارلو، تقول عنه عظيمي: 'لم يكن رجلا عاديا. أشعر حياله بكثير من المودة، وإن لم ألتقِه، خاصة أنه فتح دار نشر في العشرين من عمره (...) كان شغوفا بالأدب، بوصلته. في أثناء الحرب العالمية الثانية، لم ينشر 'الغريب' متأسفا، بسبب افتقاده إلى الورق. وبرغم وقوفه مع المقاومة خلال الحرب، يكاد يكون منسياً في باريس...'.
تروي عظيمي إذن قصة صاحب المكتبة إدمون شارلو (1915- 2004)، بدءا من عام 1935، حين سافر وهو لا يتجاوز العشرين من العمر إلى الجزائر، بنيّة فتح مكتبة صغيرة ودار نشر تُعنى بالكتّاب المبتدئين في الجزائر، على اختلاف جنسيتهم ودينهم. هكذا نشر النص الأوّل لكاتب مغمور يُدعى ألبير كامو، إلى جانب كتّاب جزائريين وفرنسيين آخرين، وفي مقدمهم الكاتب الجزائري الراحل مولود فرعون. عام 1936، افتتح المكتبة مُطلقا عليها اسم 'الثروات الحقيقية' (Les vraies richesses) معلنا أنها 'قاعة مطالعة ومكتبة ودار نشر في آنٍ. لكنها، وقبل كل شيء، فضاء يجمع أصدقاء الأدب من كل بلدان البحر الأبيض المتوسط'.
هذا وقد اعتمدت الكاتبة لعبةً سرديةً تفاوت ما بين الماضي والحاضر، وبين مقاطع من يوميات شارلو المتخيّلة، والحاضر متمثلا برياض. رياض شاب عشريني غير معني بالكتب أو بالأدب، وقد جاء من فرنسا في رحلة تدريبية، بهدف إفراغ المكتبة من محتوياتها، ورمي أثاثها وكتبها وطلاء جدرانها بغية تحويلها إلى دكان 'كعك مقلي'، غير أنه سيصطدم برفض عبد الله، الرجل المسنّ حارس المكتبة.
'عبر واجهة 'الثروات الحقيقية' الكبيرة، يرى السحب تمر منعكسةً في برك المياه. تبدو هذه المدينة منكوبةً تحت الأمطار. وحدها بعض عصافير الدوري تقلق هدأة الصباح. ليس بسيطا أبدا أن تكون سعيدا في الجزائر، فحتى إخلاء مكتبة والرحيل، يتحولان إلى ملحمة'.
الممتع في هذه الرواية القصيرة نسبيا (ص224)، سيكون ولا شك، بالنسبة للمعجبين بها وغير المعجبين، هو إحياء تلك الحقبة الثرية أدبيا وثقافيا وحدثيا وتاريخيا، والتي لا يزال أثرها موجودا في البلدين المعنيين. وهو أيضا وخاصة، إلقاء الضوء على سيرة إدمون شارلو، صاحب الشخصية المميزة الذي، حين عاد إلى باريس، بعد التحرير، لممارسة عمله ناشرا، تعرّض لضغوط ومضايقات كثيرة من زملائه الناشرين المستقرين، ما أعاده ثانية إلى الجزائر عام 1950...
وقد تكون أبلغ الشهادات فيه ما كتبه جول روا، في مؤلّفه 'ذاكرات بربرية'، حيث قال: 'كان شارلو بالنسبة إلينا، مبتدعنا بشكل ما، أو على الأقل قابِلتنا. لقد ابتكرنا (حتى كامو أيضا)، أنجبنا، شكّلنا، دلّلنا، وأنّبنا مراتٍ، شجّعنا دائما، مدحنا أكثر مما كنا نستحق.. أحيانا، يحدث أن أتساءل إن كنّا على قدره حقا'.

نيسان ـ نشر في 2017-10-03 الساعة 15:27


رأي: نجوى بركات

الكلمات الأكثر بحثاً