مزاج أردني حانق
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2017-10-09 الساعة 14:58
الحكومة الأردنية تثير قلق المواطنين بشأن إجراءاتها المقبلة، وتزيد الشكوك حول رفع سعر الخبز، فيما يشعر الأردنيون بعدم الأمان العام في البلاد، وينتقدون أداء أجهزة الأمن المختصة.
تحاول الحكومة الأردنية، عبثاً، توضيح إجراءات ستتخذها في الأسابيع المقبلة، تقلق المواطنين، لا سيما أنها تتعلق بجيوبهم، بعيشهم، لكنها (الحكومة) لا تفلح في إزالة مقادير التحسّب وعدم الاطمئنان الباهظة. وفيما ليس لدى العامة، ولا لدى كثيرين من الخاصة والنخب العريضة، دراية كافية بكيفيات جباية الضرائب، في وقت يشيع الحديث عن 'تعديلاتٍ' ستتم على قانون ضريبة الدخل، فإن الانتباه ينصب أكثر وأكثر على سعر الخبز الذي يبدو أن الحكومة تنوي بشأنه 'شيئا ما'، وتزيد وتعيد في موضوعه، وتذيع أن الأمر لن يعدو ابتداع صيغةٍ توصل دعم سعر الخبز إلى المستحقين، ولا يستفيد منها المقيمون في البلا، لكن كل هذه الشروح لا تزيح القلق الراهن من أن رفعاً لسعر الخبز سيتم، وساعتئذٍ لن يكون لهذه الفلسفة أي معنى، إذا ما فوجئ المواطن بأنه 'سيحسبها' كثيرا عند شراء الخبز ليحضر على مائدة طعامه. والقصة عن الدعم الذاهب إلى غير مستحقيه قديمة متجدّدة في الأردن، لا يحفل المواطنون بتفاصيلها، ولم يكترثوا يوما بكلام الحكومات المتعاقبة عنها، ذلك أن تآكل المداخيل، وقلة فرص العمل، والبحث الدائم عن الشغل في الخليج، والغلاء وارتفاع الأسعار المتسارع، هي التفاصيل الحادّة الوطأة على حياة الناس وعيشهم، ولا تيسّر لأفهامهم ترف الإنصات إلى هذا الوزير وذاك، ولا إلى هذا المحلل الاقتصادي وذلك المعلق الصحافي، وهم يطنبون عن حاجة الوطن إلى سياجٍ آمنٍ من أي اضطراباتٍ في إقليم مشتعل، ما يتطلب من المواطن أن 'يستوعب' العلاجات الجراحية القاسية، و'يبلع' قرارات الحكومة، ويكون أكثر وعيا ونضجا، ما يعني أن عليه أن يتعامل مع رفع سعر الخبز (وغيره) برحابة صدر، وطيب خاطر.
في موازاة مسألة الخبز هذه، يتسرب إحساس لدى الأردنيين أن الأمن العام في البلاد ليس كما كان، وإنْ يبقى غير مقلق والحمد لله، وواحدٌ من وجوه هذا الإحساس الذي يشيع في تعبيرات تذمّر، وسخط أحياناً، وما بينهما من نقد وانتقاد معلنيْن، للأداء العام لأجهزة الأمن المختصة، المعنية مباشرةً بالناس، بحياتهم، لا بعقولهم بالضرورة. وقد جاءت واقعة الاعتداء الشنيع الذي ارتكبه عناصر من 'الأمن الجنائي' على أستاذٍ جامعي من دون مبرّر، لتأخذ الأردنيين إلى غضبٍ ممزوج بالدهشة من فعلةٍ كهذه، ما كان لتفاصيلها أن تُعرف، مصوّرة، لولا وسائل التواصل الاجتماعي، ولتفتح قوسا على ممارساتٍ أوردتها تقارير حقوقية، لكنها لم تلق انتباها جماهيريا عريضا. وإذا كانت السلطات المختصة أدركت 'خطورة' الحادثة على صورة جهاز الأمن العام في البلاد، ونشرت بياناً أكّد أنها ستجري كل التحقيقات اللازمة لمعاقبة المتورطين، وأوقفت 13 عنصر أمن على صلةٍ بالواقعة، فإن من شأن هذا الأمر أن 'يلملم' المسألة إلى حدٍّ ما، غير أن الأثر النفسي يحتاج وقتاً حتى يزول، ويحتاج إلى حزمةٍ من الإجراءات غير التزيينية التي 'تُطمئن' الأردنيين، وتؤكد لهم، حقيقةً لا دعاية، أن ما جرى حالةٌ شاذة وتجاوز وليس نهجاً ولا ديدناً.
وزيادةً في توتير مزاج الأردنيين العام بشأن الجاري بين ظهرانيهم، وهم الذين لا يتوقفون عن التشنيع على الحكومة، بالحق وغير الحق، ولا عن الحديث عن الفساد الواسع، بدليلٍ وغير دليل، زيادة على هذا الحال، جاءت واقعة كشف 'أضخم عملية سرقة كهرباء' لتصيب المواطنين بأطنانٍ من الذهول، فسارق الكهرباء إلى مزرعته التي مساحتها ألف دونم أكل على الدولة أزيد من 300 ألف دينار أردني (435 ألف دولار)، في أكثر من عشر سنوات. ولم يكن الفضول وحده من بواعث الأردنيين في أسئلتهم التي لم تتوقف عن الحكومة الغائبة، وعن الرقابة النائمة، بل وعن الدولة كلها، وإنما هو السؤال عن حال البلاد عموماً، إلى أين تمضي، إذا كان مختلس الكهرباء هذا مغطّى مثلا من نافذين في مواقع في السلطة، ظاهرة وأخرى خافية، وإذا كانت الحرب المعلنة على الفساد كلاما في كلام.. وإذ تتجمّع هذه الأسئلة، وأخرى مشابهة، مع ترقب رفع سعر الخبز، ودخول الأستاذ الجامعي المعتدى عليه المستشفى، بعد أيامٍ من تعافيه وعلاج جروحه، فإن مزاج الأردنيين الحانق، في هذه الأيام، لم يعد يحتمل المزيد.
نيسان ـ نشر في 2017-10-09 الساعة 14:58
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب