اتصل بنا
 

ثورة " كالجنس " .. متعتها دقائق !

صحفية وكاتبة عربية

نيسان ـ نشر في 2017-10-10 الساعة 01:40

تشكيل الخرائط وتخيُّـل الجغرافيا في الشرق الأوسط: التغيُّر الدائم هو الثابت الوحيد في الكون والثورات العربية.
نيسان ـ

تشكيل الخرائط وتخيُّـل الجغرافيا، فن يأخذ وقتاً، وأحياناً، يكون هذا الوقت طويلا, فيقول ماكيافيلي: 'التبدُّل في الحكم، يترك الطريق ممهَّـداً أمام وقوع تبدُّل آخر.

وفي شرقنا الأوسط... هناك بدء إعادة رسم خرائط، وهناك تبدلات في الحكم المحلي وتعديلات، وإن بطيئة، في السلطة العالمية, ومع مثل هذه السيولة الدفاقة، أهم ما يمكن أن يقوم به المرء، هو الحذر الشديد في تقييم الأمور أو حتى الاستعانة بالتعاويذ وبالفلاسفة هيراقليطس وبوذا ولاو تزو، لتطمين الذات، لأن لا شيء على أي حال يبقى على حاله في هذه الدنيا الفانية وأن التغيُّر الدائم، هو الثابت الوحيد في الكون! وهذا يصح أكثر ما يصح على الثورات العربية.

ففي سوريا وعلى سبيل المثال لا الحصر, ليس التيه والتشرّد الجغرافي هو ما أصاب السوريين وحسب، بل الضياع والعدم صبغا كل ما في السوري من لحم ودم وفكر وإحساس، حتى بات يجتهد ليجمع أوصال روحه المبعثرة، أو ليلتقط أفكاره في محاولةٍ لصياغة موقفٍ أو حلم.
أحداثٌ 'سورية' كثيرة ومشتتة تراكمت، وما تزال، منذ أيام، وهي قد لا تعني العالم في شيء، فالمعرفة عبء ولعنة.

واللعنة الكبرى كانت قبل بضع سنين حيث ارتفعت الآمال في التغيير بقيام موجة من الاحتجاجات عبر الإقليم، مطالبة بالتغيير، وأطاحت بأربعة أنظمة في تونس ومصر وليبيا واليمن، و انتقلت الاحتجاجات إلى سوريا. لكن لم تلبث ثمرة الثورة العربية أن عطبت، و أعادت إنتاج الاستبداد والحروب وكليهما يولد البؤس والتعصب. فلماذا إذًا فشلت الثورات العربية فشلًا ذريعًا في خلق الديموقراطية، أو توفير حياة سعيدة أو مستوى اقتصادي مرفه وما الذي جعل بلدان تلك الثورات عرضة لتنظيمات خسيسة وارهابية، عكف كلاهما على تدمير البلاد، حتى ولو كان عن طريق التعاون مع حلفاء بالخارج؟ لا أحد يزعم أن العرب تنقصهم الموهبة أو يعانون من الكراهية المرضية للديموقراطية، و لكن حتى يستفيق العرب من ذلك الكابوس و بدون التسبب في تهديد أمن العالم لابد من حدوث تغيرات حقيقة كبيرة.

ثورات بغير مكانها, وسبب ذلك أن غالبية الدول العربية لم تكن أصلا دولًا حقيقية حتى وقت قريب؛ إنما دولة خلافة واحدة, فبعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الخلافة العثمانية، وقعت البلاد العربية تحت الاستعمار البريطاني والفرنسي حتى الستينيات، و منذ ذلك الحين لم تنجح أي منهم في تبني المتطلبات المؤسسية للديمقراطية مثل الحوار البرلماني الهادف، وحماية الأقليات، تحرير المرأة، حرية الصحافة، استقلال القضاء، والنقابات العمالية والاتحادات الجامعية.

لم توقف ثوراتهم تراجع العرب الحضاري، فالمتطرفون لايقدمون شيئًا، بينما يلوح الملوك والحكومات العسكرية بتعويذة “الاستقرار”، والتي يمكن تفهمها في أوقات الفوضى، لكن القمع والخنوع ليسوا أبدا الحل الآن كما لم يكونوا من قبل، بل هم جذور المشكلة, فحتى لو تفتتت بعض الانظمة العربية الآن فإن أسباب وجودها القوية مازالت قائمة، ومواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت في نقل عدوى الحراك الثوري باقية وتتغير بحسب مذاق النظام العالمي الجديد، لذا فعلى الثورجية وداعميهم أن يعوا أن الاستقرار يتطلب الإصلاح من الجذور لا بنفي الحكام من القصور.


لقد خلطت هذه الثورات كل الأوراق بعُنف في المنطقة، كما في العالم, نتيجة لتغيّر الاستراتيجيات الدولية إزاء أنظمة المنطقة غداة أحداث11 سبتمبر 2001، كذلك هو أثّـر على العلاقات الدولية, فالتناغم السابق للنظام العالمي في مجموعة الثماني ومجموعة العشرين ومجلس الأمن، أسفر مع الثورات العربية عن تباينات في المواقف، ترجمت نفسها في نهاية المطاف في شلل مجلس الأمن إزاء الأزمة السورية، للمرة الأولى منذ الحرب الباردة.

لقد حفَّـز هذا المشهد المعسكر الإيراني – السوري - حزب الله، للقفز إلى استنتاجات متسرِّعة، قوامها أن العالم انقسم نهائياً إلى معسكرين، في ما يشبه الحرب الباردة الجديدة، وهذا سيجعل معسكر الممانعة والمقاومة، ينتصر في الشرق الأوسط، خاصة بدعم من روسيا.

أبشركم بأن ثورتكم كالجنس ... متعتها دقائق فلا شمس أنظمتكم تبدو أنها ستغيب قبل عقد أو حتى عقدين، ولا انتم قادرين على مقارعة رغبات القوة العظمى الأمريكية ولا هي حتى تريد ذلك، في حين أن شعوبكم لا تزال تمارس سياسة 'الصبر التاريخي'.

نيسان ـ نشر في 2017-10-10 الساعة 01:40


رأي: كرستينا مراد صحفية وكاتبة عربية

الكلمات الأكثر بحثاً