اتصل بنا
 

أدين لك

نيسان ـ نشر في 2017-10-10 الساعة 01:48

المقال يتحدث عن حملة دعم للأساتذة المعلمين على فيسبوك، شارك فيها عدد كبير من الناس من مختلف المجالات، ودعا مطلقو الحملة إلى نشر كلمة تقدير للأساتذة. ولكن الملاحظة الأولى هي أن العديد من المتضررين المباشرين لم يشاركوا في الحملة، والملاحظة الثانية هي تعلق بالفنانين التشكيليين الذين تمهلوا قبل المشاركة.
نيسان ـ

منذ ما يقارب الأسبوعين بدأت حملة لدعم الأساتذة المعلمين على موقع فيسبوك، اشترك في هذه الحملة أساتذة وأطباء ومهندسون ونساء ورجال أعمال وصحافيون وإعلاميون، كما شارك فيها عدد لا بأس به من الفنانين التشكيليين والمنخرطين في شتى مجالات التجهيز الفني.

دعا مطلقو الحملة، والذين لا يملكون أي تجربة سابقة في هذا المجال ولا هم، وللمُفارقة، يمكن أن تطالهم أي تحسينات في حال حصولها، دعوا إلى حملة غير مُسيّسة لا تعدو أن تكون أكثر من نشر كلمة تقدير ولو لأستاذ واحد سطع في الماضي أي مُشارك فسرت أشعته إلى حاضره.

ولم تتضمن الحملة إلاّ كلمات بسيطة ومُباشرة بالقرب من صورة فوتوغرافية لكل مُشترك أضيفت إليها ماهية مهنته.

ثمة ملاحظتان لا بد من تسليط الضوء عليهما لدلالاتهما، الملاحظة الأولى هي أن العديد من المعنيين الأساسيين بهذه الحملة والمتضررين المُباشرين من إهمال كوادر القطاع التعليمي، لم يشاركوا فيها رغم أنها لم تتطلب أي جهد على الإطلاق.

أما بعضهم الآخر فحدث تشجيعهم عدة مرات حتى شاركوا في اللحظة الأخيرة التي شعر فيها مطلقو الحملة بأن عليهم الانصراف إلى أعمالهم من جديد بعد أن استهلكوا الكثير من الوقت لإطلاق الحملة واستمرارها كي تطفو على سطح البلادة، أو اليأس العام.

أخطر ما أشارت إليه ظاهرة الامتناع عن المُشاركة ليس اللامبالاة، أو القنوط من أي حراك لا يدعمه التهديد أو السلطة، بل إشارتها إلى نحول خاصية الحلم عند المدعوين للمُشاركة، خاصية يتفق كل البشر على أنها أنتجت الحضارة الإنسانية وأنها لطالما ربتت على كتف كل مُنكفئ قائلة “غدا يوم آخر”.

أما الملاحظة الثانية، فهي تتعلق بالفنانين التشكيليين الذين لدى دعوتهم تمهلوا وفكروا في معنى أو لا معنى مشاركتهم، منهم من رفض المُشاركة لأسباب تشي بسطوة وجود لهامة أستاذ تتلمذوا على يده، ولكنه قبع في الظل ليمارس أثره في طول وعرض حياتهم، ومنهم من شاركوا فلم تكن مُشاركتهم إلاّ بعد أن تحدثوا عن خيالات هاربة لأساتذة مرت في حياتهم وحفرت عميقا في عروقها.

هكذا تعادل الفنانون، مشاركين كانوا أم غير مشاركين في الاعتراف بحضور هذا الذي شجّع أو سخّف نزعاتهم الفنية.

من هؤلاء من قال “أنا لا أدين لأي أستاذ إلاّ لواحد، وهو ليس بأستاذ حقيقي، لأنه حرضني على البحث في عالم الفن عن هويتي بعيدا عن كل الاهتمامات”. ومنهم من ضحك وقال “وصلت إلى ما وصلت إليه بالرغم من أساتذتي”، أما البعض الآخر فأوضح “أدين لأستاذ واحد شجعني على ممارسة الفن بدلا من أي دراسة أخرى”.

وثمة الكثير من الفنانين من قال بما معناه “لا نريد أن نشارك علنا لأن مُشاركتنا ستُفهم بشكل خاطئ فمعظم الأساتذة الذين عرفناهم استطاعوا أن يعدلوا كل طريق مُتعرج أردنا السير عليه، كما تمكنوا من إطفاء كل نور فينا، مما مكننا من ملاحظة بصيص ضوء واحد، لا يصعب إطفاؤه، وهو الحاجة المُلحة إلى التعبير الفني”.

يبقى القول إن هذه الحملة مهما كانت نتائجها، فقد أثبتت مرة جديدة أن طريق الفن شائك ولا يأخذه المرء إلاّ وحيدا، كما تعيدنا إلى قول آثر للعالم النفسي كارل يونغ حين قال “بالكاد يمكن العثور على استثناء على القاعدة التي تقول إن كل مُبدع لا بد أن يدفع ثمن شعلة الإبداع التي أوكلت إليه”.

نيسان ـ نشر في 2017-10-10 الساعة 01:48


رأي: ميموزا العراوي

الكلمات الأكثر بحثاً