اتصل بنا
 

الأدب اللاأخلاقي

نيسان ـ نشر في 2017-10-10 الساعة 01:52

سؤال جان جاك روسو حول علاقة الثقافة بتهذيب الأخلاق يناسب الزمن الحالي ويتطرق لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الثقافة والنتاج الإبداعي في المستقبل.
نيسان ـ

بعيداً عن الطرح الذي يتبناه روسو في أعمالِه حول فكرة الفساد الذي أصاب الطبيعة الإنسانية بسبب الحضارة والتقدم، أو مهاجمته الدائمة لما يُطلَق عليه أنوار القرن الثامن عشر تحت عنوان “التقدُّم” باعتباره ليس إلا انحطاطاً عن الطبيعة الإنسانية الأولى! بعيداً عن كل هذا، نحن الآن نتحدث عن سؤال استهلالي ينسجم تماماً مع الأفكار التي تبناها روسو في الزمن الذي عاش فيه، لكن هذا السؤال بما يحمله من قيمة تاريخية في تشخيص أحوال القرن الثامن عشر، يُناسِب تماماً أن يعاد طرحه ومناقشته في عام 2017، وربما في أعوام مقبلة قادمة.

فالعصر الذي نعيش فيه مبنيٌّ في جوهره على الانفتاح الكلي، انفتاح الجميع على الجميع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا قبل الحديث عن القنوات الثقافية والإعلامية أو السياسية والرياضية العالمية التي تضع الجميع في مواجهة الجميع.

هكذا يغدو المشهد اليوم، وببساطة أكبر، فإن وسائل التواصل الاجتماعي اخترقت الجغرافيا والتاريخ.

بالطبع هذا النهوض التكنولوجي له أثره العام على الناتج الثقافي، وبالضرورة فإن النتاج الإبداعي بغض النظر عن مستواه واتجاهاته سيؤسس لمرحلة قادمة ستنظر لهذا الزمن بعين غير تلك التي نرى من خلالها، تشبِهُ إلى حدٍّ ما ما نراه اليوم في زمنِ سوق عكاظ أو المسرح الجوال، فلا أحد يستطيع معرفة شكل المستقبل وصورته إلا في إطار الممكن بناءه بحسب معطيات اليوم، معادلة تبدو معها الثقافة -في ظل ارتفاع صوت الرصاص ومنسوب الدم- غائبة تماماً عن المشهد.

لكن بالعودة إلى سؤال جان جاك روسو وعلاقة الثقافة بتهذيب الأخلاق أو إفسادها، تبدو كلمة “الأخلاق” مطاطة كثيراً اليوم وواسعة إلى حد يمكن أن تضم النقيضين معاً في وقت واحد، فما هو أخلاقي ثقافياً في روسيا مثلاً يمكن ألا يكون كذلك في الولايات المتحدة الأميركية أو الصين الشعبية، هنا لا نتحدث عن علاقات سياسية، إنها منظومة الإنتاج الثقافي التي تحاكم الحياة أو تعيد تقديم مشاهدها عبر أبطال في صورة أجناس أدبية مختلفة، لكن بالنظر إلى منطقة الشرق العربي الذي يضم هويات متنوعة ومتعددة، فإن التاريخ علَّمنا أن إنتاج تلك الهويات ثقافياً -رغم تجاورها- كان متناقضاً في الكثير من الأحيان، ولنا في دراسات صورة العربي في الأدب الاسرائيلي، وصورة الاسرائيلي في الأدب العربي، وأيضاً صورة العربي اليوم في الأدب الذي تقدمه إيران، مثالاً واضحاً على هذا التناقض، فالشاعر مصطفى بادكوبيه وهو شاعر إيران الأشهر اليوم، يطلب بشكل علني في قصيدة ألقاها من على منبر رسمي بأحد المراكز الثقافية في إيران، يطلب من الله العظيم أن يحشره في النار إذا كانت لغة أهل الجنة هي العربية، يُعلِن عداءهُ واستحقارَه للغة الدين الذي يؤمن به، الأمر هنا ليس له علاقة بالبعد الثقافي، إنما بالسياسات الثقافية التي تنتهجها سلطة حاكمة لها مشاكلها الكثيرة مع العديد من الثقافات حول العالم اليوم.

لكن هل يمكن القول إن السياسة الثقافية الإيرانية المعاصرة ليست أخلاقية، ومَن يستطيع الحُكم على سياسة ثقافية معيَّنة بالأخلاقية أو اللاأخلاقية؟ لقد طرحتُ هذا السؤال على العديد من المثقفين من جنسيات وانتماءات أيديولوجية متنوعة، فتقاطعت الإجابات بأن الحكم بذلك مستحيل لأن التاريخ يتطور وما كان مرفوضا أو مقدسا في زمن مضى صار اليوم مسموحا به.

ما هو الأخلاقي في الأدب؟ هل هو تلك الخطوط العامة التي تضمنُ ألا يتعرض النص مهما كان نوعه لاحتقار الآخر من زوايا العِرق، الدين، الطائفة، أم أن المعايير هنا تخضع لجملة من المقولات التي تحددها كل أمَّةٍ منفصلة عن الأخرى انطلاقاً من نقاط ارتكاز في أرضيتها الصلبة التي قامت عليها قناعاتها الأساسية المُشكِّلة للهوية الذاتية للفرد والمجتمع على حد سواء، قطعاً أن المسألة لا تتعلق بالجودة أو الرداءة، فلماذا إذاً لا نزال في عجبٍ من الآثار الهائلة التي خلفها شعر العصر الجاهلي في تركيبة النفس العربية، هل لجودته العالية رغم عدم فهمنا له بسهولة أحياناً، أم لأنَّ المعايير التي كانت سائدة في ذلك الوقت هي التي قررت أن يجتاز العصور ويصل إلينا هذا النتاج؟

نيسان ـ نشر في 2017-10-10 الساعة 01:52


رأي: عبدالله مكسور

الكلمات الأكثر بحثاً