اتصل بنا
 

«عين الشرق»... كما يراها إبراهيم الجبين

نيسان ـ بقلم: الناقد السينمائي الفلسطيني الراحل بشار إبراهيم ـ نشر في 2017-10-21 الساعة 15:16

x
نيسان ـ

باهتمام وانتباه وباستمتاع، قرأتُ الرواية الجديدة «عين الشرق»، لإبراهيم الجبين. هذه الرواية مفتاحية، جدالية، إشكالية، كما أنها مؤسسة على مستوى الشكل والمضمون.

خيارت «السرد المتشظّي» الذي انتهجه إبراهيم الجبين، لافت للنظر، ويقارب تماماً مفهوم «اللقطة السينمائية»، لتنبني الرواية في النهاية من خلال عملية «مونتاج» ذهني، يقوم القارئ بتنضيده، وهو ينتقل من فقرة إلى أخرى، فصل بينها الفضاء الطباعي بثلاث نجوم، مألوفة في عالم الطباعة. هنا تحتفظ كل فقرة بوحدتها الزمانية والمكانية وميزانسينها وشخصياتها وحدثها وحواراتها، وتختلف بشدة عن الفقرة اللاحقة. لكن لتنضم جميعها في لحمة النسيج الروائي العام، وتنتقل من وصفها «موتيفات» كتابيّة أولى، إلى عنصر سردي روائي جوهري، يأتي على هيئة «لقطة»، أو «مشهد».
«تشظية» الرواية إلى فقرات صغيرة، أتاحت لإبراهيم الجبين الاستمتاع بتعدّد أصوات الروي، ومستوياته، والدخول والخروج في حيزات زمانية ومكانية، عابرة لحقب وتواريخ، وبلدان وأمكنة. هكذا يمكن أن ينتقل من زمن الأمويين، إلى اللحظة الراهنة، عابراً القرن العشرين، تماماً كما ينتقل من دمشق إلى دير الزور، ومن سوريا إلى ألمانيا.
على مستوى المضمون؛ فخّخ إبراهيم الجبين «عين الشرق»، بكل ما هو متفجّر، بل شديد الانفجار. يعاكس الروايات التاريخية المألوفة لوقائع وأحداث وشخصيات، ويشجّ الصور النمطية، ويقلب الطاولة على أحاديث طالما انسابت آمنة. إنه كعادته يشاكس شخصياته وقارئه. يفاجئهم ويصدمهم. يمزج الخيالي بالواقعي. الروائي بالوثائقي. الحقيقي بالمُفترض أو المُتوهم. يخلق حالة دوار في رأس القارئ، قبل أن يعيده إلى رشده، في النهاية، ويتركه مأخوذاً برواية ورؤية إبراهيم الجبين نفسه، حتى لو لم يتفق معها، أو يصدقها.
هل أدى «أدونيس» خدمته الإلزامية (الجيش) في «المكتب الثاني»؟ هل كان «كوهين» جاسوساً أم ضحية؟ هل نُبقي على «ابن تيمية» رأس منهج التكفير في الفكر الإسلامي؟... كثيرة هي الألغاز التي ينثرها إبراهيم الجبين؛ المُولع بالروايات، والمفتون بالحكايات، والمشدود إلى السرّي والغامض والمُلتبس. و«عين الشرق» تدعس على أكثر من لغم.
يكتب إبراهيم الجبين بوصفه عارفاً، كما بوصفه باحثاً، فضولياً، مشاكساً. الرجل الذي انشغل يوماً بـ«لغة محمد»، وعمل على تقصّي «اللهجة» التي كان يتحدّث بها النبي محمد (هل انتبهتم إلى هذه الفكرة الأخّادة؟)، هو ذاته الذي فتح ملفات «يهود» دمشق والمشرق، ويفتح الآن «عين الشرق» في «مازوت» المنطقة، بأحداثها ووقائعها وشخصياتها وتحدياتها وأقدارها.

نيسان ـ بقلم: الناقد السينمائي الفلسطيني الراحل بشار إبراهيم ـ نشر في 2017-10-21 الساعة 15:16

الكلمات الأكثر بحثاً