أزمنة مسلّم بسيسو
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2017-10-29 الساعة 14:22
لا يحوز اسم مسلّم بسيسو شهرةً ذائعة، حتى أن قليلين منا، نحن المشتغلين بالصحافة، طرأ على أسماعهم هذا الاسم لرجلٍ سمّي شيخ الصحافيين الفلسطينيين، وهو الذي ربما كان، حتى وفاته يوم الخميس الماضي، عن 91 عاما، أعتق صحافي عربي على قيد الحياة من أبناء جيله. ويعود نقصان شهرة مسلّم بسيسو، على الأرجح، إلى تباعد الأجيال، وانتساب الراحل إلى مهنة الصحافة في عقودٍ بعيدة، ثم انقطاعه عن مزاولتها المباشرة، مع بقائه في المشهد السياسي والثقافي العربي العام في غير بلدٍ عربي، وحاضرا في فعاليات وتكوينات أهلية ناشطة في الأفق القومي، والهم الفكري الفلسطيني. على أن من الشديد الوجوب أن يُحمى اسم هذا الرجل من الإهمال والنسيان. وهذه وفاته تأخذنا إلى ما كانه، وإلى ما أعطاه، وإلى الدرس الأهم في سيرته، وهو روح المثابرة في عمله، والمهنيّة العالية التي أقام عليها، والوطنيّة الفلسطينية والعروبية التي ما غابت يوما عن وجدانه، وكانت، في كل محطات حياته المثيرة، ظلّه المقيم في روحه.
نحتاج أن نعرف مسلّم بسيسو وتجربته وكفاحه الشخصي في الحياة، منذ مولده في بيسان في عام 1926، ثم دراسته في بئر السبع، وعمله مع إميل حبيبي وتوفيق طوبي وإميل توما في مجلة الغد، الشيوعية الهوى، والتي صدر عددها الأول في حيفا 1945، ثم عودته في 1947 إلى غزة، والعمل معلما ومراسلا لصحيفة الشعب في يافا. وبعد النكبة، يرتحل إلى دمشق، قبل أن يعود إلى القدس ليعمل مراسلا لوكالة أسوشييتد برس وصحيفتي الأهرام القاهرية والنسر الأردنية. ولاحقا، يعمل مندوبا إخباريا في القاهرة لوكالة الأنباء العربية، ثم ينتقل إلى عمّان، ليعمل في صحيفة الأردن. وفي 1951، يُصدر صحيفة الحوادث التي كان رئيس تحريرها، وتستمر أربع سنوات. ثم يغادر العمل في الصحافة، وينشئ شركة خاصة، إلا أن حكما بالسجن يصدر ضده، ويُلاحق، بسبب نشاطه السياسي العام، لكنه يتمكّن من الذهاب إلى دمشق، ويعود فيها إلى مهنة الصحافة، فيعمل في جرائد ودوريات، وفي القسم الإنكليزي في إذاعة دمشق، ويقيم صلاتٍ مع الزعامات السورية السياسية، ويشهد في الأثناء الوحدة مع مصر، ثم يعمل في مشاريع تجارية خاصة، قبل عودته إلى عمّان في 1968، ويصبح مديرا عاما لشركة الورق والكرتون الأردنية، حتى 1979، ثم يقيم في القاهرة مدة، قبل أن يغادر إلى بغداد، ويمضي فيها سنواتٍ، قبل أن يستقر أخيرا في عمّان.
ومن نتفٍ في أرشيف رحلة مسلّم بسيسو أنه كان أول من طيّر إلى العالم خبر مقتل وسيط الأمم المتحدة السويدي، الكونت برنادوت، في القدس عام 1948. وأنه أول صحافي شاهد اغتيال رئيس الحكومة المصرية، محمود فهمي النقراشي، في القاهرة في العام نفسه، غير أن الأهم من وقائع مثل هذه، وهي غير قليلة في سيرة الراحل الكبير، أنه شاهدٌ أمينٌ على أزمنة العرب، في أزيد من سبعة عقود، في فلسطين والأردن وسورية ومصر والعراق، وأن أصدقاءه تحدّثوا غير مرة عن وثائق وأوراق مهمة لديه، لها قيمتها. وعلى ما كتب صديقنا، هشام عودة، فإن مسلّم بسيسو كتب مذكّراته التي كان مقدّرا أن تُنشر قبل سبع سنوات، (لم تُنشر فيما أعرف). والمتوقع أنها تشتمل على الكثير الشائق والمثير والممتع، بالنظر إلى ما حفلت به حياة الأستاذ المعلم. وبعد التعزية الواجبة لأبنائه وأحفاده وأسرته، ولأصدقائه ومحبّيه، فإن المأمول منهم جميعا أن ينشطوا في تهيئة هذه المذكّرات للنشر، لإفادتنا، نحن الذين لم نعرف مسلّم بسيسو كما يلزم أن نعرفه، أقلّه لنطلّ على تجربةٍ في الحياة، فيها الكفاح الشخصي من أجل إثبات الذات، وفيها الاشتباك مع قضايا الوطن والأمة.. وفيها، لنا نحن الذين نعمل في الصحافة، في زمن تكنولوجيا الاتصال المهولة، نفعٌ كثير، عندما نعرف أننا أحفاد ناسٍ تعبوا في المهنة، وأبدعوا، وتألقوا، عندما توازى في عملهم حب الصحافة مع الإيمان بقيم الحق والعدالة.. رحم الله مسلّم بسيسو
نيسان ـ نشر في 2017-10-29 الساعة 14:22
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب