ماذا لو لم يكن هناك بلفور..!؟
محمد المحيسن
كاتب وصحافي أردني
نيسان ـ نشر في 2017-11-05 الساعة 15:04
كثيرة هي المقالات والتحليلات والمحاضرات وحتى الروايات الشعبية التي تناولت وعد بلفور، ولكثرة ما سمعنا عنه وتداوله الساسة وغير الساسة بات احد موروثات اللعنة.
ولكن السؤال المعكوس وهو السؤال الغائب عن كل تلك التنظيرات التي تناولت هذه الوثيقة سيئة الذكر: ماذا لو لم يكن هناك بلفور؟ ماذا لو لم يصدر هذا الوعد؟ وماذا لم يكن هناك بلفور من الاصل؟
أكثر الإجابات بساطة ووضوحاً عندما طرح هذا الموضوع للنقاش على صفحة الفيسبوك، هي قول احد الاصداقاء: 'لا تخاف لكان البعض صنعوا وعدا آخر واتهموه بضياع فلسطين'. فيما قال آخر متهكماً على الواقع الذي نعيش فيه: 'صحيح انه وعد بلفور زور التاريخ، ولكنه بات شماعة لنعلق عليه اخطأنا وتخاذلنا'.
في الحقيقة ان بعضنا او كلنا نحتاج الى مثل هذا الوعد لنركن ان هناك 'قوة عظمى' فرضت علينا قرارها، وساعدت الكيان الصهيوني على انشاء دولته وفق وعدين مزورين، أحدهما يسمى زورا وبهتانا على الله وعد الرب لإسرائيل بالأرض التي بين الفرات والنيل، أما الوعد الثاني فكان ممن جعل من نفسه ربا للكون في تلك الفترة 'الإمبراطورية البريطانية'، ومن خلال آرثر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا العظمى يومها.
والتساؤل يذكرنا بما تحدث به المفكر الجزائري مالك بن نبي قابلية الشعوب للاستعمار حيث يقول في كتابه «الصراع الفكري»: «إن الاستعمار قد جاء إلى العالم الإسلامى نتيجة مرض أساسي عندنا، هو القابلية للاستعمار، وهو نتيجة الصراع الفكري الذي خطط له الاستعمار وأحسن إحكام الخطة.. لقد سلط الاستعمار الأضواء على المشكلات الهامشية، بينما ترك فى الظلام كل رؤية منهجية سليمة.. تفتح الطريق امام حركة التاريخ'.
وباعتقادي انه لو لم يكن هناك بلفور ووعده لصنع بعض الساسة والقادة وغيرهم بلفوراً آخر، ليعلقوا عليه مصائبهم وتخاذلهم، ليس بحق فلسطين وأهلها فقط، ولكن بحق شعوبهم التي تذوق الأمرين نتيجة التسلط والقمع.
ها نحن وبعد قرن من بلفور لا زلنا نحصي عدد الخسائر التي يتعذر إحصاؤها بأذكى الحواسيب .
المفارقة الاكثر عجباً وهي التي تجعلنا نفكر مليون مرة بقيمة هذا الوعد وحقيقته ان هناك المئات من الوعود المضادة لبلفور، لكنها بقيت لستة عقود او اكثر ممنوعة من الصرف، وممنوعة من التطبيق، مجرد حبر على ورق!
بلفور بكل تداعياته الحزينة والمؤلمة ما كان له ان يكون مهما لولا ضعفنا وهزلنا وهواننا، اما احتفال تريزا ماي وحزبها بمؤية الوعد، فما كان له ان يتم لو كان في هذه الجموع رجال!
نيسان ـ نشر في 2017-11-05 الساعة 15:04
رأي: محمد المحيسن كاتب وصحافي أردني