ليست "بيروسترويكا سعودية"
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2017-11-06 الساعة 14:26
أما وأن اعتقال أمراء ووزراء ومسؤولين مُقالين وسابقين ومليارديرات في العربية السعودية جاء، الليلة قبل الماضية، مفاجئا، فذلك لا يعني أن هذا الحدث زلزالٌ في المملكة. وأن يكون بين المحتجزين (في فندق فاخر على ما قرأنا) من هم متورّطون فعلا في ارتكاب فساد وغسيل أموال ورشاوى، فذلك كله لا يعني، بالضرورة، أن حربا ضد الفساد صار محمد بن سلمان يخوضها في البلاد. ومع التسليم بأن هذه الأخبار مثيرةٌ حقا، وجديدة في تفاصيلها ووقْعها، بل في حدوثها أصلا، في بلدٍ توطّن الجمود فيه منذ قيام الدولة فيه، ولم يعرف، يوما، ثقافة المحاسبة والمساءلة والرقابة الجديّة بشأن الذي يفعله (ولا يفعله) أمراء وحاكمون ونافذون، فهذا كله لا يجيز أن يأخذنا إلى التسرّع في بناء الخلاصات والاجتهادات، من قبيل أن 'بيروسترويكا سعودية' تحدث، وأن قيادة ولي العهد، محمد بن سلمان، الشابة، ستأخذ السعودية إلى المدنيّة والحداثة، وإنْ جاء احتجاز وزراء وأمراء وأباطرة فضائيات تلفزيونية، بعد إجازة قيادة المرأة السعودية السيارة، وتصريح سيرغي لافروف أن فرقة باليه روسية ستحيي حفلاتٍ في المملكة قريبا، وبعد بث قناة تلفزيونية أغنية لأم كلثوم.
ولا يصدر 'التهوين'، هنا، من الكلام الكبير الذي يواكب هذه المستجدات بلغة مغالية في احتفاليتها، وتغتبط باعتقال متعب بن عبدالله (وأخيه) والوليد بن طلال وصالح كامل وغيرهم، عن رغبةٍ بتبخيس أي إجراء محمود في المملكة. لا، فالسعوديون، والشباب في مقدمتهم، لا شك يرحبون بأي خطواتٍ من هذا القبيل، لحاجتهم أساسا لضرب الفساد ومرتكبيه، وتطبيع بلادهم مع العاديّ من ظواهر الحياة التي تعرفها بلدان الجوار الخليجية، مثلا. وإنما يصدر هذا 'التهوين' هنا عن بديهية أنه 'ما هكذا تورد الإبل'.
كما كان اعتقال عشرات المشايخ والوعاظ والمثقفين والإعلاميين والأساتذة الجامعيين، أخيرا، في السعودية، بأوامر عليا، ومن دون احترام لمكانة أي منهم، ومن دون اكتراثٍ بمقتضياتٍ قانونيةٍ وإجرائيةٍ واجبة، فإن الناظر في واقعة توقيف أولئك الأمراء والوزراء والشخصيات الوازنة لا بد وأن يهمس بالسؤال عمّا إذا كان في وسع لجنةٍ عليا لمكافحة الفساد أن تأخذ، بعد ساعة من تشكيلها، قراراتٍ ثقيلةً من هذا النوع، إلا إذا ترتّب استحداثُها لتظليل هذه القرارات المتّخذة سابقا، فضلا عن أنها لجنةٌ برئاسة محمد بن سلمان الذي لا يُفترى عليه في القول إنه حبس أولئك المشايخ والمثقفين لمعاقبتهم على عدم تظهير المقادير الكافية من الولاء له، ولأن بيعتهم له لم تكن بالحماس المطلوب. وأخذا بقاعدة الفقهاء، قياس الغائب على الشاهد، (مع الاعتذار لمحمد عابد الجابري عن استخدامها هنا)، لا تزيّد في الظن، وسوء الظن من حسن الفطن، إن بعض من تم احتجازهم (ليس كلهم) بتهم فسادٍ إنما يُعاقبون بتشويه السمعة ابتداءً، وربما لاحقا بقرارات محاكم، لامتعاضهم المعلوم وغير المعلوم، الظاهر وغير الظاهر، من تنحية محمد بن نايف عن ولاية العهد. وليس ثمّة ما هو أيسر من قصة الفساد، لتلبيسها لأي منهم، فثمّة مقادير منه، كثيرة أو قليلة، يمكن الوقوع عليها بقليلٍ من الشطارة، لديهم. عدا عن أنه في الوسع، تاليا، تبرئة من تحسن تبرئتهم، أقله لإعطاء وجاهةٍ لأحكامٍ ستصدر على غيرهم.
قال محمد بن سلمان، الأسبوع الماضي، إن ثلثي سكان المملكة الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين عاما معه. وهذا صحيحٌ على الأرجح، في ما يتعلق بالأنفاس الانفتاحية والجرعات المتوالية منها في البلد، ومنها تشكيل هيئة للترفيه، وانتظار الباليه الروسي في جدة والرياض، غير أنه سيعصى على أفهام هؤلاء الثلثين ومداركهم أن 'بيروسترويكا' بدأت تسري في بلادهم، فهم لا يلحظون سوى مزيد من كتمٍ الأنفاس، وقصقصة أجنحةٍ ومراكز قوى، دينية وتقليدية، متبوعةٍ باستهدافٍ استباقي لأمراء وأبناء عمومةٍ في العائلة الحاكمة، بدعاوى صحيحة وأخرى غير صحيحة، مرفوقا هذا كله بفشلٍ يتعاظم في غير مطرح في الجوار والخارج، في اليمن كما هو باد لكل مبصر، وفي لبنان قريبا جدا، كما يرجّح كل ذي بصيرة.
نيسان ـ نشر في 2017-11-06 الساعة 14:26
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب