أين كانت إسراء الطويل؟
فهمي هويدي
كاتب عربي
نيسان ـ نشر في 2015-06-20 الساعة 05:19
يراد لنا أخيرا أن نقتنع بأن الداخلية «عدَّاها العيب» في مسألة اختفاء إسراء الطويل.
وأن الجميع ظلموها وتجنوا عليها حين اتهموها باختطاف الفتاة في اليوم الأول من شهر يونيو الحالي.
إذ قيل لنا بعد أسبوعين أنها التزمت بالقانون والأصول في كل ما قامت به.
ورغم الضجة التي حدثت منذ ذلك الحين، فإنها تأدبا وتعففا لم تشأ أن تعلن عن سلامة موقفها. ولم تدافع عن نفسها، وإنما آثرت أن تعمل في صمت شأن كل الواثقين المطمئنين.
القصة التي قد يذكرها كثيرون أن الفتاة العشرينية التي تعمل مصورة.
خرجت لتناول العشاء مع اثنين من زملائها مساء يوم الاثنين الأول من يونيو، لكنها لم تعد إلى بيتها، لا هي ولا زميلاها. وهو ما أقلق أهلها وزملاءها خصوصا حين أغلقت هواتف الثلاثة، وانقطعت سبل الاتصال بهم.
داخوا على المستشفيات وأقسام الشرطة فلم يعثروا على أثر لأي منهم.
وحين ذاع الخبر فإن كثيرين تعاطفوا مع إسراء ليس فقط لأنها فتاة في مقتبل العمر،
ولكن لأنها كانت على وشك الإصابة بالشلل النصفي بعدما تلقت رصاصة في ظهرها أثناء تغطيتها إحدى المظاهرات. وخضعت للعلاج طوال عدة أشهر. حتى تعافت نسبيا وأصبحت قادرة على الحركة متكئة على عكازين أو بمساعدة آخرين.
حين مرت الأيام ولم تظهر إسراء فإن ذلك أثار انتباه النشطاء والحقوقيين الذين رفعوا أصواتهم مطالبين بالكشف عن مصيرها وزميليها.
وطوال أسبوعين أصبح السؤال أين إسراء الطويل. يتردد بصورة يومية على مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض الكتابات الصحفية.
وفي حين ظهرت صفحة على الفيسبوك عنوانها «فين إسراء الطويل». فإن السؤال ظل يتردد صباح مساء على المواقع والنشطاء في حملتي «الحرية للجدعان» و«جبنا آخرنا». إضافة إلى بيانات المنظمات الحقوقية بطبيعة الحال.
بعد أكثر من أسبوعين، في اليوم السادس عشر. ظهرت معلومة على الصفحة المذكورة خلاصتها أن زائرة كانت في سجن القناطر الخيرية شاهدت إسراء مرتدية ذات الملابس السوداء التي ظهرت في الصور عند خروجها لتناول العشاء مع زميليها.
وكانت تلك أول إشارة إلى أنها على قيد الحياة وأنها نقلت إلى سجن النساء في مدينة القناطر.
وكانت تلك بداية إزاحة الغموض ــ بعضه على الأقل ــ المتعلق بقصتها.
وبعد يوم أو اثنين من تسرب الخبر قرأنا أن الفتاة عرضت على نيابة أمن الدولة.
يوم الجمعة ١٩/٦ نشرت صحيفة «الشروق» على الصفحة الأولى خبرا منسوبا إلى «مصدر قضائي» وليس إلى مصادر وزارة الداخلية تضمن المعلومات التالية:
* إنه تم عرض إسراء على نيابة أمن الدولة العليا فور القبض عليها مباشر (بعد يوم واحد يونيو). وأن ضبطها تم بإذن من نيابة أمن الدولة بناء على تحريات الأمن الوطني.
* إن التحريات نسبت إلى إسراء بث أخبار كاذبة عن الأوضاع في البلاد. وإرسال صور لجهات تتعامل معها خارج البلاد كي تنشر باعتبارها دلائل على انتهاج الأمن المصري العنف غير المبرر في التعامل مع المتظاهرين.
* إن «المتهمة» ــ حسب تحريات الأمن الوطني ــ روجت عبر مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا كاذبة عن القضاء المصري تتعلق بعدم دقة وحيدة التحقيقات والأحكام.
* إسراء محبوسة حاليا لمدة ١٥ يوما على ذمة التحقيقات المتهمة بالانتماء لجماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة تضر بسمعة البلاد وتم تجديد حبسها إلى جلسة ٢٨ يونيو الحالى.
* النيابة تأكدت من صحة الإجراءات التي تمت خلال ضبط إسراء الطويل، وتم عرض جميع المضبوطات الخاصة بها وبينها جهاز كمبيوتر محمول خاص.
* قامت نيابة أمن الدولة بإخطار نقابة المحامين لانتداب محام للحضور معها، نظرا لعدم وجود محام خاص بها وقت التحقيق.
خلاصة الكلام أن الإجراءات التي اتخذت مع إسراء لم تشبها شائبة من الناحية القانونية.
فالقبض عليها تم بأمر من النيابة التي أمرت بانتداب محام للحضور معها أثناء التحقيق وقد قام المحامي بالواجب الذي كلف به.
لكننا لم نعرف لماذا لم يخطر أهلها بالواقعة، لا لأسباب قانونية وإنسانية لا سمح الله.
ولكن لكي يوكلوا محاميا لحضور التحقيق معها.
ولماذا نفي جهاز الأمن الوطني طول الوقت أن الفتاة في حوزته.
كما أننا لم نعرف أين أمضت إسراء الطويل فترة الأسبوعين اللذين أعقبا اعتقالها.
ولماذا سكتت وزارة الداخلية ولم تدل بأي معلومة عن وضع ومصير الفتاة منذ أول يونيو، رغم المطالبات التي لم تتوقف التي دعت إلى الكشف عن مصيرها.
إن ثمة ثغرات هائلة في البيانات التي نشرتها جريدة الشروق.
وأيا كان مصدرها في ذلك فإن التقرير المنشور يعبر عن استخفاف شديد بالرأي العام وافتراض الغفلة والغباء فيه. لأنه لا يثير عديدا من الأسئلة حول صحة الرواية فحسب، ولكنه يثير شكوكا حول صحة المعلومات التي تحدثت عن أن ثمة سجونا خاصة بجهاز الأمن الوطني لا تخضع لقوانين أو لوائح السجون العادية.
وفي هذه الحالة فإن التساؤل يصبح واجبا والخوف يغدو شديدا على مصير عشرات المجهولين الذين اختفوا في أماكن مجهولة، ولم يسمع لذويهم صوت من شدة الترويع والهلع.
مشكلة مصر الكبرى الآن أن ثمة أسئلة مهمة لا جواب لها.
وأن أحداثا جساما تقع لا أحد يحاسب عليها.
وأن إدراك الحقيقة بات حلما بعيد المنال.