قصة المياه ..قصة الخلق
أسعد العزوني
كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية
نيسان ـ نشر في 2017-11-15 الساعة 09:02
قال اللهسبحانه وتعالى من فوق سبع سنوات قبل أكثر من ألف وأربعماية عام 'وجعلنا من الماء كل شيء حي...صدق الله العظيم'،وكان جل في علاه برهن على كلامه منذ أن خلق السماوات والأرض ،بأن جعل نسبة اليابسة إلى الماء 28.88%-71.72%/وجعل السماوات هي مصدر المطر لإحتضانها الغيوم التي تأتي بفعل التبخر الأرضي ،لتعوض نقص المياه ولتمنح الأرض حياة متجددة.
كانت الأنهار والبحيرات والبحار والخزانات الجوفية هبة من الله سبحانه وتعالى ،وضمانة للخلق بألا يشقوا ويعطشوا ،فيهلكوا وتهلك بهائمهم وأراضيهم ،ومع ذلك وجدنا البشر يتصرفون بغير الطريقة التي فطرت عليها الطبيعة وهي أن البشر شركاء في ثلاث:الماء والهواء والكلأ،وآثروا أن يتمتعوا بما وهبهم الله من مياه وحدهم ،أو إستغلوا جبروتهم في نهب مياه الآخرين ،وأكبر مثال على ذلك مستدمرة إسرائيل الخزرية االصهيونية الإرهابية.
إبتلينا نحن العرب في هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم والتي تعد بحق موطن الديانات السماوية الثلاث، بهذا الكيان الغاصب الذي أسسه الغرب ليس حبا بهم ولا كراهية بنا ،بل رغبة ملحة منه كي يتخلص من فسادهم وإفسادهم بعد أن ضربوا القيم الغربية ،وها هو بعد أن تسلح بالسلاح النووي ،أصبح يهيمن على المنطقة الواقعة ما بين الشاطيء الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والشاطيء الغربي لبحر قزوين خاصة بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي ،وتم التشبيك بنجاح مع دول وسط آسيا الإسلامية التي إنفصلت عن الإتحاد السوفييتي وإستقلت.
بلوتنا أنه ليس إحتلالا عاديا بل هو إحتلال إحلالي يهدف للسيطرة على الأرض وما عليها وما تحتها ،وهو يعلم علم اليقين وبشهادات خبرائه الذين نقبوا عن الآثار في القدس وفلسطين منذ أكثر من مئة عام ،وأوهموا السلطان عبد الحميد الثاني أنهم سينقبون عن المياه في القدس الفقيرة في المياه ،وبعد إحتلال القدس في حزيران 1967 بدأوا بالتنقيب والحفر بأنفسهم ،بعد أن كانوا يستعينون بالغربيين والأمريكيين،وحتى يومنا لم يعثروا حتى على 'شحفة 'فخار تدل عليهم ،بشهادات كبار خبرائهم الذين أدلوا بها مكتوبة ومحكمة .
تعدت ممارسات هذا الإحتلال الإحلالية كل الحدود ،فها هو يسيطر على مياه الضفة الفلسطينية السطحية والجوفيه ويحرم الفلسطينيين منها ،في حين أننا نجده يوفر برك السباحة لمستدمريه في مستدمرات الضفة،كما انه يهيمن على مياه الأردن ويجبرهم على تأجير آبار الباقورة حتى بعد إنسحابه منها قبيل توقيع معاهدة وادي عربة نهاية عام 1994،كما أنه لم يسمح بإستغلال مياه الخزان الجوفي في منطقة الديسي إلا بعد حصوله على حصة متفق عليها ،ولا ننسى أنه سرق مياه الليطاني في لبنان وانه يسيطر على مصادر المياه في الجولان السورية ،ويعبث بحوض النيل ليكون له في نهاية المطاف حصة من هذا النهر العظيم.
المنطقة برمتها عطشى ،ومعروف ان الشرق الأوسط إقليم جاف وشبه صحراوي ويعاني من شح المياه وندرة الأمطار ،ومما زاد الطين بلة أنه كان من المتأثرين سلبا بالإنحباس الحراري والتغير المناخي ،وأن الحل صعب حتى بالنسبة لدول الخليج العربية النفطية التي تنفق على التسلح أكثر مما تنفق على تحلية المياه .
التحلية هي الحل الأمثل لكن تكلفته العالية تشكل عائقا للدول العربية غير الخليجية ،ولهذا فإن المطلوب من الدول المانحة بشكل عام أن تركز على تحلية المياه وتمنع السلاح عن هذه المنطقة التي باتت تحارب بعضها بعضا ،وتلغي بند التنمية من برامجها لتصبح عالة على الأمم .
كان الأجدر أيضا بالدول العظمى أن تغير من نهجها في الهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب ،فبدلا من تصنيح سلاح الدمار الشامل والقيام بتهديد الدول الضعيفة وغزوها في نهاية المطاف ،فإنه يمكن أن تسهم هذه الدول في تنمية الدول الفقيرة وتساعدها على إستخراج ثرواتها ،ما يصيب الدول العظمى بالخير أيضا ولكن ليس عن طريق الدمار والغزو بل عن طريق الشراكة والبناء والتنميةنوهذه هي الطريقة المثلى للحفاظ على المصالح.
العالم اجمع وليس منطقة الشرق الأوسط ، يترقب حروبا مستقبلية على المياه بسبب جنون الدول العظمى ،وسوء إدارة وتخطيط الدول الفقيرة التي يرتع فيها الفساد أو ربما نقول ان الفساد يرتع فيها ،ونحن بذلك نخالف نواميس الطبيعة التي تؤكد لنا ان المياه فيها حياة وان الأنهار تجمع السكان حولها وتبعث الحياة ،لكن الجشع والطمع حولا ذلك إلى صراعات دموية ،وأقرب مثال لنا في هذه المنطقة الصراع الدائر في حوض النيل بعد تربع مستدمرة إسرائيل هناك وتحريضها دول المنبع الإفريقية على إلحاق الضرر بكل من السودان ومصر،ولن ننسى أن هذا الإحتلال سرق مياه نهر الأدن أواخر العام 1964 ،فردت عليه حركة فتح بأول عملية فدائية لها أسمتها 'عملية نفق عيلبون 'في الأول من يناير 1965دفاعا عن المصالح الأردنية،ولا ننسى أيضا أنهم بدأوا بسرقة مياه الليطاني فور إجتياح قواتهم لجنوب لبنان صيف العام 1982.
نحن هذه الأيام نسير في ركاب مبادرة السلام الزرق التي تعد إستلهاما ناجحا للتجربة الأوروبية في نهر الراين التي طبقتها تسع دول اوروبية هي:ألمانيا ،النمسا،سويسرا،فرنسا،لوكسمبورغ ،ليخنتشتاين ،هولندا،بلجيكا وإيطاليا،لتامين الإستخدام المثل لمياه نهر الراين الذي يغطي 200 ألف كم مربع ،وتصل مياهه لعشرين مليون نسمة،وهي تعاون حضاري سلمي تحقق برغم الخلافات التي تسود تلك الدول،وتدير هذه المبادرة المجموعة البحثية الهندية 'Strategic Foresight Group'.
نيسان ـ نشر في 2017-11-15 الساعة 09:02
رأي: أسعد العزوني كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية