اتصل بنا
 

وزير بحكومة وصفي التل يروي محطات عن شخصية الرئيس

نيسان ـ نشر في 2017-11-18 الساعة 12:27

x
نيسان ـ

نشر نجل وزير العمل الاسبق عمر النابلسي عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ،قائلاً : تصفحت في مكتب والدي في منزله اليوم الكتاب الجديد من يوميات الوزير الأردني ومستشار المرحوم الملك حسين القديم عدنان أبو عودة، وأخذنا الحديث عن باقي التفصيلات حول القصة المقتضبة التي ذكرها أبو عودة في الكتاب عن سبب تقديم الوالد لاستقالته من حكومة زيد الرفاعي عام 1974.

و اضاف : ثم جاءت سيرة حكومة وصفي التل قبل ذلك بسنوات قليلة، فباح لنا الوالد عن أهم أسباب حبه لهذا الزعيم الوطني الكبير وعن سر حزنه الذي لا يوصف يوم تلقيه نبأ استشهاده، وهي رواية تحكي قصصاً تستحق أن يعرفها الأردنيون عن رجال الدولة النبلاء أمثال الشهيد وصفي وعن معدنهم النادر هذه الأيام.

قال لي أبي أنه بعد أن تم وضع حد عسكري لفوضى السلاح في الأردن في أيلول 1970، فرض الشهيد نفسه كالإختيار البديهي لرئاسة مجلس الوزراء للمرحلة التالية.

يومها لم يكن وصفي يعلم من هو عمر النابلسي عندما أصر الملك حسين رحمه الله على أن 'أبا راضي' الذي وقف معنا وزيراً في أحلك أيام أيلول في الحكومة العسكرية هو 'من حصته' في أسماء الوزراء، أي أنه وزير اختاره الملك شخصياً، بينما كان الشهيد وصفي يردد 'مين هو هذا عمر اللي بظلني أسمع عنه'، وكان والدي يومها شاباً لا يتجاوز الخمسة وثلاثين عاماً...

يقول الوالد أن وصفي لم يَكُن يضمر له وداً في البداية، بل كان لا يطيق فكرة فرض وزير على إرادته لم يختاره هو بنفسه، فكان يقصد تجاهل والدي كلياً، وهو الذي كان وزيراً للإقتصاد الوطني والتموين في تلك الحكومة...

وزير الاقتصاد والتموين وقتها كان مسؤولاً بطبيعة عمله عن دائرة التسويق الزراعي التابعة للوزارة، فروى لنا الوالد كيف جاءته في يوم من الأيام دراسة من هذه الدائرة تنصح بأن تمنع الحكومة تصدير الحمضيات من الأغوار إلى خارج الأردن للفترة القصيرة عندما تطرح الأغوار محاصيلها مبكراً قبل الدول المجاورة، حيث كان يتم تصدير كامل منتوج المملكة إلى السوقين السوري واللبناني وغيرهم، وبالتالي لا يستفيد الأردن من هذه المنتوجات التي تباع بأسعار أغلى في تلك البلاد التي لا تتمتع بحرارة وادي الأردن ويتأخر فيها موسم الحمضيات...

المهم، يبدو أن الدراسة كانت منطقية بحيث لا يتأذى الأطراف وتعم الفائدة على الناس ويكون للأردن حصة من سلة فاكهتها في وادي الأردن في نفس الوقت، فوافق الوالد وأصدر قراراً بمنع جزئي لتصدير الحمضيات في تلك الفترة الوجيزة وطرحها على السوق الأردني...

وما لبث أن نشف الحبر على قراره لتتوالى على مكتبه الزيارات من كبار الشخصيات للإعتراض على هذه الخطوة التي أغضبت بعض المتنفذين، ولم يمض وقت طويل حتى أخبرته السكرتيرة أن دولة الرئيس على الخط، وكانت تلك أول مرة يتحدث فيها وصفي التل مع هذا الوزير مباشرة، وبدون مقدمات أو حتى سلام، سمع والدي الصوت الآخر على السماعة يقول:

'إنت اللي أخذت قرار منع التصدير؟'

'أيوه نعم، خليني أشرح لك مبرراته...'

'ما في داعي تشرح شيء، إلغي القرار فوراً'

وانتهت المكالمة...

قال لي الوالد أنه شعر بالخوف الحقيقي، فوصفي التل كان رجلاً قوياً وله رهبة عند كافة الأردنيين، ولذلك اتصل في الحال مع معالي السيد سعد الدين جمعة أمين عام رئاسة الوزراء في ذلك الوقت وهو حي يشهد أطال الله في عمره، وقص عليه مشكلته ومخاوفه في أنه لو ذهب للديوان الملكي لمقابلة الملك، سيرى وصفي هذه الخطوة بأنها تحدي له واحتماء بالملك ولن يغفرها له، فنصحه معالي 'أبي زيد' بحكمته أن يأتي مباشرة إلى رئاسة الوزراء وأن يقابل الرئيس وأن يصارحه بموقفه وبأسباب رفضه لإلغاء قراره...

يقول الوالد أنه برغم شكه بأن يقبل وصفي بلقائه، إلا أنه لم يكن أمامه أي خيار آخر، فرئيس الوزراء قد أصدر أمراً وينبغي لوزيره أن ينفذ قراره أو يغادر الحكومة، فطلب الوالد لقاءه ودخل على مكتبه في رئاسة الوزراء وأخبره أنه يتعذر عليه أن يقوم بعمل هو شخصياً غير مقتنع به، وأنه يلتمس منه قبول استقالته، فدعاه الشهيد للجلوس وطلب منه أن يشرح أسباب تعلقه بهذا القرار الذي يستدعي من وزير شاب أن يصر على موقفه بهذا الشكل الغريب...

جلس الوالد وبدأ بقوله أنه ومع كونه غير مختص في هذه المسألة تحديداً، وإنما هنالك دراسة مقنعة تقول كذا وكذا، وشرحها له، وقال له أرجوك أن تأتي بأي وزير آخر ليفعل ما تشاء، أما أنا فلن ألغي القرار، وكانت الصدمة الكبيرة أن قام وصفي من مكتبه وعانق الوالد، وقال له بما معناه أنك لو ألغيت قرارك سأقيلك أنا من الوزارة، فقرارك صحيح ومعك حق أن تصر عليه، ولا تسمع لأحد ولا تقبل بضغوطات إنس ولا جن...

ومن يومها يقول الوالد أن علاقة احترام وصداقة خاصة نشأت بينه وبين المرحوم وصفي التل حتى أصبح المرحوم يجلس والدي على يمينه في مجلس الوزراء، ولا زال أبي حتى اليوم يذكر المواقف النبيلة لهذا الرئيس الذي يصفه بالصدق والشهامة والتواضع والثقافة العالية والذكاء الفائق، ويروي بحزن كيف اغتالته يد الغدر وهو على رأس نفس تلك الحكومة أثناء زيارته للقاهرة بعد تلك الحادثة بأشهر قليلة...

ترددت قبل أن أنشر هذه القصة، ولكنني أعتقد أن من حق الأردنيين أن يدونوا ويسجلوا تاريخهم وأن يفتخروا برموزهم الوطنية وأن يعتزوا بها، فصحوة الوعي التي انتشرت مؤخراً لاستذكار قامة أردنية وظاهرة نادرة مثل وصفي التل هي ليست لأغراض التعصب والشوفينية الشرق أردنية كما يظن البعض، وإنما لأن وصفي كان أكثر من مجرد شهيد ورئيس وزراء، بل تصلح سيرته أن تكون مدرسة في الحكم وفي أخلاق السياسة التي نفتقر إليها كثيراً هذه الأيام...

رحم الله الشهيد وصفي التل وبارك في كل من سار على نهجه...

نيسان ـ نشر في 2017-11-18 الساعة 12:27

الكلمات الأكثر بحثاً