اتصل بنا
 

حافظ أبو الحنفية والدّيك

نيسان ـ نشر في 2017-11-26 الساعة 13:56

نيسان ـ

السيد 'مسعود بدريسة'، أبو عبدو، ذو الشعر الأشقر والأجعد، لا يعجبه أحدٌ من أهل البلدة، يَسْخَرُ من الجميع، ويتهكم على أشكالهم وتصرفاتهم. وعلى الرغم من أن الآخرين يلقبونه الخاروف، بسبب تجعّد شعره وشقاره، فهو لا يني يخترع للآخرين ألقاباً مضحكة. فصديقه الذي يعاني من آلام في ظهره يسميه المضهر، وقد ألصق بصديقه ذي الرقبة الطويلة لقب المرقب، وحينما عَرَضَ على صديقه أبي جهاد أن يذهبا إلى المقهى، ويدخّنا النرجيلة (الشيشة)، اعتذر أبو جهاد قائلاً إنه تائب عن كل أنواع المسليات، فضحك وأطلق عليه لقب 'التايب'.
أمضى أبو عبدو الخاروف عمره كله في عهد حافظ الأسد، من دون أن يُسجن أو يستدعَى إلى أحد فروع الأمن، فقد أدرك، منذ مطلع السبعينيات، أن الحديدة في ظل هذا الحكم الديكتاتوري العسكري حامية، وأن ضَرْب حافظ الأسد السوريين ما هو بضرب أصحاب. لذلك انتسب إلى حزب البعث انتساباً شكلياً وقائياً، يَجُبُّ عنه الشبهات الأمنية. فأصبح، بهذا المعنى، بعثياً، من دون أن ينخرط في أي نشاط حزبي، وكان يكتفي بدفع الاشتراكات الشهرية على نحو متقطع.
وكان يتقي الحديث في السياسة، بسبب ما يعرفه عن منزلقات هذا الفعل المتهور، فإذا صادف أنْ فُتِحَ حديثٌ سياسي في مجلس ما، سرعان ما يُطلق على المتحدث لقب: حسنين هيكل، أو الملك حسين، أو عبد الحميد السراج. وإذا وجد شخصاً يكيل للحاضرين المواعظ الدينية بلا حساب يلقبه حسن البنا، أو أحمد كفتارو، أو سعيد البوطي. وكان يُبدي تململه، موحياً بأن هذا الحديث يثقل عليه، ثم ينسحب، عندما يتمادى الشخص الواعظ في عرض مفهومياته المتشعبة.
في أواخر التسعينيات، وقع زعل قوي بين أبي عبدو الخاروف وزوج أخته أبي نعمان الذي كان معارضاً لنظام الأسد، وكان قد أطلق عليه لقب 'سنجق عَرْض'، لأنه كلما طَرَح أحدٌ بحضوره فكرة ما، يطلع له معارضاً، حتى ولو كان جاهلاً بما تقوم عليه الفكرة، وكان الخاروف يقول له: يا صهري، أنت تاجر سيارات، تبيع وتشتري وتؤجر وتُبادل سيارة بأخرى، وتفهم في الدواليب والبراغي وقطع التبديل، فلماذا لا تنخرط في عملك وتترك السياسة لأهلها؟ وحينما احتدّ بينهما الكلام، واتهمه صهرُه بالجبن، خرج أبو عبدو عن طوره، وقال له: الشجاعة والجُبْن يُعْرَفان، حينما تكون المشاجرة بين رجل ورجل مثله، أو رجل مقابل اثنين. ولكن، حينما تأتي بضع سياراتٍ مؤلّلة، ومحملة بالرجال المسلحين الذين يطوقون بيتك، ويأخذونك إلى حيث لا يعرف الذبابُ الأزرق إليك سبيلاً، بماذا تنفعك الشجاعة، وأين يكون محل الجبن؟
بعد مضي زمن على الزعل والمقاطعة، جاءت إلى الخاروف شقيقتُه مريم، وطلبت منه أن يتصالح مع زوجها الملقب سنجق عرض، الذي أصبح يضطهدها، مستغلاً بُعْدَ أهلها عنها، ففعل، على مضض، مشترطاً ألا يجري بينهما أي حديث في السياسة. وفي يوم من أيام أوائل سنة 2000، وبينما كان أبو عبدو الخاروف جالساً في البيت، إذ حضر السيد سنجق عرض لزيارته، وبعد المرحبا والمرحبتين، والسؤال عن الأحوال، راح 'سنجق عرض' يحدّثه عن سيارة اشتراها وباعها، فربح فيها خمسة آلاف ليرة سورية، وأخرى اشتراها وخصّصها للتأجير، فأصبحت تأتيه بمورد مالي جيد، وثالثة تَعَرَّضَتْ لحادث، وكيف أنه أخذها للتصليح. فتململ الخاروف، وقال: يا صهري، والله هذا الحديث ممل، أنا أيش علاقتي بالسيارات؟
فقال سنجق: لا مانع. وراح يحدثه عن أبو الحنفية (يقصد حافظ الأسد)، وكيف أنه أصبح مريضاً في أيامه الأخيرة، وأن الديك (يقصد بشار الأسد) متنشط هذه الأيام، وأصبح يظهر على الفضائيات، وهذا يعني، والله أعلم، أن الديك سيصبح رئيسنا.. فقال له الخاروف: أريد أن أسألك يا صهري العزيز: السيارة التي تعرّضت لحادث ماذا حل بها؟ هل تمكّن الميكانيكي من تصليحها؟

نيسان ـ نشر في 2017-11-26 الساعة 13:56


رأي: خطيب بدلة

الكلمات الأكثر بحثاً