صباح الفقر يا وطني...
علي عواد السنيد
نائب سابق وكاتب صحافي
نيسان ـ نشر في 2017-12-01 الساعة 19:11
صباح الفقر يا وطني...
صباح الفقر يا وطني... صباح القرى اليابسة، والوجوه العابسة ، والأردنيين الذين تقطعت بهم سبل العيش الكريم فوق ترابهم الوطني.
صباح الملقي على الصفحات الاولى ضاحكا، ويتهيأ بعد رفع الاسعار لرفع الضرائب، وبعد الضرائب لزيادة الرسوم، ويمضي في طريقه الى تغيير قوانين الجباية وللايغال في الجباية.....
صباح الرؤساء، وأصحاب المعالي، والسعادة ، والعطوفة الحاليون منهم والسابقون واللاحقون.
صباح سكرتيراتهم المتعاليات، والكراسي العالية، والأبواب المغلقة.
صباح المهمشين ، ومتظاهري الدواوير، ومن نصبوا الخيام على ضفاف جرحهم الوطني أولئك الذين منهم من يستدين ثمن الخبز، ويتدفأ بأنفاسه الوطنية، ويأكل الهواء في وطن قضمه الفسدة، وصادروه من أهله الطيبين.
صباح فواتير الكهرباء بعد الرفع، والبنزين بعد الرفع الثاني ، والمياه المكلورة، والضرائب العالية، وقانون ضريبة المبيعات، وقانون ضريبة الدخل، والغلاء الذي داهم جيوبنا، وفوط الأطفال، وحليبهم ، وأقساط البنك ، والإقراض الزراعي.
صباح الضيق والهم والحزن والحاجة ، صباح المساكين على قارعة الوطن ، وعمال المياومة ، صباح الرواتب المتدينة، وبناتنا في باصات الشركات يبحثن عن حلم وظيفة بأي راتب ، وأبناؤنا العاطلون عن العمل منذ سنوات، ويتكدس في داخلهم الألم، وفقدان الأمل، ويغدو الوطن صورة سوداء لأحلام أبنائه المقتولة.
صباح الخذلان يا وطني ، ومن انتظروا هيكلة الرواتب، وعادوا بخفي حنين، صباح معتق برائحة الخديعة، والضحك على ذقون الأردنيين الذين ينتظرون الاصلاح .
صباح الفريق الاقتصادي ، وحزمة الأمان الاجتماعي, وباسم عوض الله ، ومجدي الياسين، وناديا السعيد، ووزارة التنمية الاجتماعية، وأموال التخاصية ، وصندوق تنمية المحافظات، وقوانين تشجيع الاستثمار، وبرامج التحول الاقتصادي والاجتماعي، والنمو بنسبة 7% . ، صباح المستشارين والعقود والفساد.
صباح مفعم بضيق ذات اليد، وانكسار أحلام الفقراء والجيوب الفارغة حتى من مصروفات الأطفال الإجبارية.
صباح يعكس الكسرة في عيوننا, صباح الشكوى والاحتقان والسخط ، ، صباح مر بطعم البنزين، والطفر، والكشرات على الوجوه السمر الطيبة.
فآه يا وطني قد صحا الشعب فيك على المصيبة الفادحة، واطل على أيام سود غائرة في الإذلال، ففي وطني القرى تمتلئ بالفقراء ، وبضع محافظات جنوبية استسلمت لسوء نصيبها ، وحارات تنطفئ فيها الأعمار.
وأطفال صغار لا يعرفون طريق مستقبلهم، وسياسيون لؤماء ابتلعوا كل شيء ، ومنزل احدهم الفاخر بثمن بيوت قرية من قرانا المهملة، وورثونا المليارات ديونا ، وباعوا قطاعنا العام، واستولوا على المنح الخارجية، واراضي الخزينة باتت اراضي شخصية لهم ولعائلاتهم، وتركوا على رؤوسنا مسؤولية رفاهية طبقتهم.
في وطني بؤس يصفع وجوه الملايين، وقهر استوطن صدورا لطالما افتخرت بحب التراب ، ووجوه غائرة في الحظ التعيس ، والأردنييبحث عن حلمه ، ولا يجد إلا السراب ، وشعب طيب فرش القلب والدرب لأولئك الذين حرموه حق العيش الكريم ، والأردنيون يضربون كفا بكف ، ويندبون خساراتهم التي لا تعد، ويغمضون على الجرح، ويتحسرون على سنوات الخداع، وإضاعة الحلم الوطني.
صرعى الفساد يستدينون ثمن الخبز، وبيوت كالحة وجبة غذائها الرئيسية الخبز والشاي، وطلاب جامعات بلا رسوم ولا يعلمون كيف يكملون مشوار دراستهم. وعاطلون عن العمل مسكونون بحلم وظيفة بأي راتب، ومئات الآلاف من العمالة الوافدة لمصلحة الأغنياء, وبناة الأبراج ، فسلام على جرحك يا وطني... سلام على الجيوب الفارغة... سلام على وطن أعلناه جيبا كبيرا للفقر والفقراء.
وقد اتسع الجرح يا وطني ، وطاب موسم الموت ، وبكت أوتار ربابة ، وفاضت روح الأرض من ثنايا قلبك الحار، وقد ضيع الفقراء في التصفيق أعمارهم وحملوا من يأسهم رفاتهم ، واتشحوا بالتراب العذب ، والسارقون لا يعطون الناس نقيرا ، وقرية تنام في الجفن أسهرتها رؤى الأماكن القديمة ، وذكريات الكرامة، فلا يسلم حتى الخبز اليابس ، والفقراء يحسدون على الأكواخ ولقمة الخبز التي في الأفواه.
فلله درك يا وطني كيف جعلتهم يأكلون حق الفقير في بلد كله فقراء ، وتمتد أياديهم 'النجسة' إلى بطون الجياع ، ويصادرون التعب المالح من جباه تغرق في العرق, وأيد يابسة ، فلا يسلم الفقير من الأذى ، ورياح الحكومات الغادرة تهب على صفو حياته فلا يهدأ طرفة عين .
ويتشاطر 'الهمل' الذين لم يسقوا الأردن قطرة دم على عيش أصحاب الأيادي الطيبة التي زرعت الخير في روح هذه البلاد ، ويظنون أنهم يذلون الأعزة الأبرار ممن سلفوا في صفحة مجدك يا وطني ، فأبكيك يا بلادا عربية خرجت من قصيدة بدوية بيضاء كقطرة الندى ، وتوزعت في جيوب العكاريت ودفاتر شيكاتهم ، فقصورهم قبورهم ، ونفوسنا مقاصل الحرية.
فيا بلد الوزراء كيف حال بني عطية ، وكيف ليالي السمر في غور نمرين ، وكيف هي سلحوب، والمفرق، وكيف هي السلط، و الكرك ، ومعان ، وهل ظل عز في الجنوب ، وعلى من في الشمال ستدور الدوائر ، وأين أضعت يا وطني من بنوا السهول والهضاب الشم فيك ، وسقوك الدم الطاهر ، فمضيت تدب رحالك في الغربة وابتعدت ، وطال بك المشوار ، ولماذا ارتقت فوقك جيف من فوقها جيف ، ووجهك الوضاء من أطفأ النور في عينيه ، من سرق الطهر من سجادة صلاته, من غير اللهجة والكلمات العربية , من ملأ قلبك بكل هذا السواد ، من كرهك فينا ، ويريد أن يكرهنا فيك ، وبرغمهم ما غادرناك وما غدرناك.
من غيرك يا وطني فتنكرت لبنيك، وكيف داسوا أثارنا فوق قلبك الطاهر؟؟، وهذه الأرض، المزروعة في الأرواح من اقتلعها والناس نيام.
قد اتسع الجرح يا وطني ، وغدا العيش حلوه حنظل ، وجرت ، وظلمت ، وتحول الكرام فيك إلى جياع ، فمرة هي الحلوق الأردنية ، والوجوه السمر بات يغشاها الحزن العميق ، وسيقت للحتوف الأماني ، ويد تبطش بكل خير ، وتمتد من خلف الظهور
نيسان ـ نشر في 2017-12-01 الساعة 19:11
رأي: علي عواد السنيد نائب سابق وكاتب صحافي