اتصل بنا
 

مطالبات بمنح الموظفة (فاقدة الجنين) بدل إجازة الأمومة

نيسان ـ تحقيق نشرته الزميلة رانيا الصرايرة في الغد ـ نشر في 2015-06-21 الساعة 01:13

x
نيسان ـ

تضاعف شعور "جمانة" بالألم والحزن والإحباط، الناجم عن ولادتها جنينا متوفى بعد حمل دام تسعة أشهر كاملة، عندما راجعت مؤسسة الضمان الاجتماعي للحصول على بدل تأمين أمومة، فاعتذروا عن إعطائها إياها لكون جنينها ولد متوفىً، معتبرين إياها "غير مستحقة مبلغ التأمين".

وعقب مراجعات شملت أكثر من جهة رسمية، تبين للأم التي تعمل في إحدى الشركات الخاصة، أن أحد الشروط المتبعة في مؤسسة الضمان الاجتماعي، "إحضار شهادة ميلاد للمولود"، وبما أن جنينها ولد متوفى فهذا يعني أن دائرة الأحوال المدنية لن تستخرج له شهادة ميلاد، في حين أنه لو ولد حيا وتوفي بعد دقيقة من ولادته تستخرج له شهادة ميلاد، بحسب إجراءات الدائرة.

وتقول جمانة، إنها فهمت من موظفي الضمان الاجتماعي أن عدم إعطائها البدل المالي لإجازة الأمومة يعني أنها "مضطرة للرجوع إلى عملها، وإلا تعتبر متغيبة عنه، ولا تتمتع بإجازة أمومة".

غير أنها عندما راجعت مكان عملها قالوا لها إنها "تستطيع عدم الحضور الى العمل لمدة سبعين يوما، لكنهم لن يصرفوا لها راتبا خلال هذه المدة، كونهم ملتزمين بدفع بدل تأمين أمومة لمؤسسة الضمان الاجتماعي"، مع إبلاغها أن هذه الإجازة لن تسجل أساسا في أوراق رسمية بوصفها إجازة أمومة "لتجنب أي إشكالات مع الضمان الاجتماعي".

ونتيجة هذا الوضع المعقد، ولعدم وضوح القوانين وغياب التنسيق بين الجهات الرسمية، تعاظمت آلام جمانة الجسدي والنفسية، ذلك أنها تعرضت لكل أوجاع فترة الحمل، واضطر طبيبها لإجراء عملية قيصرية لها، لتكون النهاية جنينا اختار الله له أن يولد ميتا، بيد أن جسدها المنهك لن يساعدها على الرجوع إلى العمل، وفي الوقت نفسه تجد أن التزماتها المادية تجعل من الصعوبة بمكان تخليها عن راتب سبعين يوما.

وبما أن جمانة أنهت كافة إجازتها المرضية، فقد اضطرت للرجوع الى العمل بعد أسبوعين من الولادة، نظرا لحاجتها لراتبها.

ومما لا شك فيه أن نص تعليمات تأمين الأمومة، الذي بدأت مؤسسة الضمان الاجتماعي بتطبيقه منذ شهر أيلول (سبتمبر) 2010، والقاضي بعدم إعطاء الموظفة الحامل إجازة بدل أمومة في حال ولادة الجنين متوفى، يناقض تماما قرارا صدر قبل العمل بهذا النظام، عن وزارة الصحة، والذي يبيح إعطاء المرأة إجازة أمومة كاملة، في حال ولادتها جنينا متوفى، او حتى إجهاضها بعد الشهر السادس.

وعلى الرغم من أن الوضع الذي مرت فيه جمانة قد يكون نادرا، غير أن "الغد"، وخلال أقل من ثلاثة أسابيع من البحث عن حالات مشابهة، تمكنت من الوصول إلى خمس حالات لسيدات عاملات واجهن الأمر نفسه مع اختلاف بعض التفاصيل.

الضمان ملتزم بالتعليمات

أما "سمر" فكانت أكثر حظا من جمانة، حيث تعاطف معها صاحب العمل وأعطاها إجازة أمومة، وتكفل بدفع رواتبها عن هذه المدة، وفي المقابل واجهت "حسناء" وضعا مختلفا، إذ وبعد ولادتها جنينا متوفى، لم تعترف الجهة التي تعمل فيها أنها تستحق إجازة أمومة، بل طلبت منها تقديم إجازة مرضية لمدة أسبوعين، ومن ثم متابعة عملها.

وفي هذا الصدد تقول حسناء: "لا اعلم أين المنطق في حرماني من إجازة الأمومة، وإعطائها لأخرى مرت بنفس وضعي إلا أن جنينها توفي بعد ساعة من ولادته... هل تتألم هذه الأم وأنا لا؟".

وعلى الرغم من أن تأمين الأمومة يتم تطبيقه على موظفي القطاع الخاص، استنادا إلى قانون العمل، في حين أن قرارات وزارة الصحة تطبق على موظفي القطاع العام، غير أن اتفاقا بين سائر الخبراء في هذا المجال، يؤكد أن "أي أنظمة أو تعليمات تطبق على موظفي القطاع الخاص، يتم اقتباسها من تعليمات ديوان الخدمة المدنية، ويجب أن لا تتعارض معها".

وفي هذا الصدد، يؤكد مدير الإعلام في مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي، أن تعليمات تأمين الأمومة "لا تسمح بإعطاء الموظفة الحامل بدل إجازة أمومة في حال ولادتها جنينا متوفى"، مبينا أنها بذلك "تعد حالة مرضية تستطيع الموظفة أخذ إجازة مرضية لقاءها".

ويبين الصبيحي لـ"الغد" أن مؤسسة الضمان الاجتماعي، "استندت في تبنيها لهذا المنع، إلى الفقرة ب من المادة 44 من قانون العمل، التي تنص على عدم إعطاء المرأة بدل إجازة أمومة إلا بصدور شهادة ميلاد للجنين، وفي حال ولادته ميتا لا تستخرج له شهادة ميلاد".

ويؤكد أنه في حال ولادة الجنين حيا، ووفاته ولو بعد دقيقة، تعطى الام بدل إجازة امومة، كونها تستخرج له شهادة ميلاد.

تعارض بين تعليمات "الصحة" و"التربية"

والواقع أن هذا الأمر يتعارض مع قرار أصدرته وزارة الصحة، واعتمدته دائرة الخدمة المدنية، واعتبرت فيه أن "وضع المرأة جنينا، سواء كان حياً أم متوفى، أم أجهض بعد الشهر السادس من الحمل، يعتبر ولادة طبيعة، وتستحق الموظفة بناء عليه إجازة الأمومة كاملة".

ووفق قرار وزارة الصحة، الذي وزعه ديوان الخدمة المدنية على اللجان الطبية للموظفين، ليصار إلى اعتماده، فإنه "في حال تم الإجهاض قبل الشهور الأربعة الأولى من الحمل، فإن ذلك لا يعتبر حالة ولادة، وإنما يتم إجراء عملية تنظيفات، وتستحق الحامل في هذه الحالة إجازة مرضية، بحسب ما يقرره الطبيب المعالج".

كما يتعارض القرار مع تعليمات وزارة التربية والتعليم الخاصة بمنح إجازات توقع الولادة والأمومة، حيث تنص المادة الثالثة منه على "في حالة الولادة لجنين حي أو متوفى أو الإجهاض بعد الشهر السادس من الحمل، تعتبر هذه حالة ولادة عادية وتستحق الموظفة إجازة الأمومة كاملة".

مطالبات بحل التداخل بين القطاعات

من جهته يبين مدير مركز الفينيق، الخبير في الشؤون العمالية، أحمد عوض، أن إجازة الأمومة حق للأم، سواء عاش الجنين او توفي، مؤكدا أن على مؤسسة الضمان الاجتماعي اعتماد قرار وزارة الصحة، كونها أعلى هيئة صحية في المملكة، وهي الأقدر على اتخاذ القرار الأصوب في هذا المجال.

وبين عوض أنه، في ضوء السياسة التوسعية لمؤسسة الضمان الاجتماعي، التي من المتوقع أن تشمل أحكامها موظفي القطاع العام في الأعوام المقبلة، فيجب حل هذا التداخل في القرارات، بحيث يتم تعديل قانون الضمان الاجتماعي، وفق قرار وزارة الصحة، "منعا للتعارض والاعتداء على حقوق النساء العاملات".

إجازة أمومة لـ"أربع ولادات فقط"

غير أن إحدى الأمهات، التي واجهت الوضع ذاته، فلها وجهة نظر مختلفة، فهي، ومن منطلق عملها في مديرية شؤون الموظفين في إحدى الشركات الخاصة الكبرى، تعلم تماما أن إحدى مواد الضمان الاجتماعي، وقانون العمل، تعطي الموظفة المتزوجة إجازة أمومة عن أربع ولادات فقط، وبذلك فإنه "في حال احتساب ولادة جنين متوفى كولادة، فمن الممكن أن تستنزف الموظفة إجازات الأمومة لقاء الإجهاضات والولادات التي ينتج عنها جنين متوفى".

وهذه السيدة مقتنعة بفكرة أن الهدف من إجازة الأمومة إعطاء الأم الوقت الكافي لرعاية مولودها، وفي حال ولادته ميتا فإن إجازة مرضية لمدة أسبوعين "تعد كافية للأم، وتستطيع بعدها الرجوع إلى عملها".

أما مديرة معهد العناية بصحة الأسرة، الطبيبة النسائية منال التهتموني، فتؤكد أنه من ناحية طبية، فإن المرأة الحامل تحتاج بعد ولادتها، من 4-6 أسابيع على الاقل راحة تامة، وهي فترة النفاس، التي قد تحدث فيها مضاعفات.

وأكدت التهتموني أنه حتى لو ولد الجنين ميتا، فهذا لا يغير حقيقة احتياج المرأة لهذه الإجازة.

وفيما تشير دراسة وطنية لوفيات الاطفال حديثي الولادة، صادرة عن المجلس الأعلى للسكان بأن معدل وفياتهم في فترة "ما حول الولادة" في الأردن تبلغ 23.7 لكل ألف ولادة من مجموع عدد الولادات الحية، إلا أنها لم تحدد عدد الحالات التي يولد فيها الجنين متوفى دون أن تستخرج له شهادة ميلاد.

من ناحية أخرى، يتعارض عدم إعطاء الأم العاملة إجازة أمومة بعد إنجابها جنينا متوفى، مع الاتفاقيات الدولية التي تعتبر الأردن ملزما بتطويع أنظمته وقوانينه بما يتوافق معها، نظرا لكونه جزءا من هذه الاتفاقيات التي صادق على الكثير منها.

وتتضاعف ضرورة تعديل مؤسسة الضمان الاجتماعي لهذا الجزء، بعد إعلان مديرته ناديا الروابدة مؤخرا عن مصادقة الحكومة الأردنية على اتفاقية المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي رقم (102) الصادرة عن منظمة العمل الدولية، والالتزام بما جاء في بنودها الخاصة بفروع تأمينات الشيخوخة، والعجز، والوفاة، وإصابات العمل، وحقوق الورثة.

وتعد اتفاقية (102) إحدى اتفاقيات منظمة العمل الدولية المعنية بحقوق العمّال في الضمان الاجتماعي، وتتكون من (15) جزءاً، وملحقاً يختص بالتصنيف الدولي الصناعي الموحّد لجميع الأنشطة الاقتصادية، حيث راعت الاتفاقية التنوع والاختلاف في أنظمة الضمان الاجتماعي في دول العالم، لذا؛ لم تلزمهم بتطبيق جميع الفروع، بل تركت الخيار لهم وفقاً لما يناسب واقع الحال لديهم، على أن لا تقل عن ثلاثة فروع فقط، حيث قامت المملكة الأردنية بالمصادقة على هذه الاتفاقية من خلال الأجزاء المتعلّقة بإصابات العمل، وإعانات الشيخوخة، وإعانات العجز، وإعانات الورثة.

وتعد اتفاقية (102) من المواثيق الرائدة المتعلّقة بأنظمة الضمان الاجتماعي التي اعتمدتها منظمة العمل الدولية، ويسترشد بها في بناء نظم الضمان الاجتماعي، حيث تشير إلى أن المبادئ الأساسية لهذه الاتفاقية تتمثل بضمان تقديم منافع محددة، ومشاركة أصحاب العمل والعمال في إدارة نظم الضمان الاجتماعي، إضافة إلى تأكيد المسؤولية العامة للدولة في تطبيق القوانين، وضمان الإدارة السليمة والفعّالة للنظام، وتمويل هذه الأنظمة من الاشتراكات.

وتبرز أهمية توقيع هذه الاتفاقية على مستوى الأردن من تأكيدها على حقوق العاملين الأساسية، وتعزيز مبدأ العدالة الاجتماعية في الحقوق والواجبات، كما تسهم المصادقة عليها في تعزيز مسيرة الأردن في مجال احترام المعايير الدولية الخاصة بالعمل وحقوق الإنسان، وتعزيز دور الدولة الريادي في المحافل الدولية في هذا المجال.

وعلى الرغم من أن الأردن غير مصادق على اتفاقية منظمة العمل الدولية (103) الخاصة بحماية الأمومة للأم العاملة، والتي تنص إحدى موادها على "حق الأم في اجازة الأمومة بمجرد دخولها الشهر السادس من الحمل"، إلا أنه يتوجب عليه تعديل تعليماته بما ينسجم وروح ومعايير الاتفاقيات الدولية.

الاتفاقيات الدولية أكثر حماية للمرأة

وحسمت موضوع أحقية الأم بإجازة الأمومة، سواء وضعت جنينا حيا أو متوفيا، دراسة أعدها الباحث عبد الباسط عبد المحسن حملت عنوان "الحماية القانونية للمرأة في تشريعات العمل العربية: دراسة للواقع والمأمول في ضوء معايير العمل الدولية والعربية"، حيث أكدت أن إجازة الوضع ترمي إلى حماية صحة المرأة العاملة وصحة طفلها أثناء الفترة المحيطة بالولادة، سواء تلك التي تسبق الولادة مباشرة أو بعدها، ومن ثم تكون فترة الراحة التي تحصل عليها المرأة العاملة بمناسبة الحمل والوضع ضرورية لحماية حملها وصحة طفلها، فضلاً عن تمكنها من التوفيق بين دورها في الإنجاب وبين نشاطها المهني الذي تمارسه.

وعرفت الدراسة الوضع بـ"انفصال الجنين عن أمه حياً أو ميتاً بعد اكتمال فترة الحمل عادة (من سبعة أشهر إلى تسعة أشهر من بدء الحمل).

وبينت أن منظمة العمل الدولية أصدرت بعض الاتفاقيات الدولية التي كرست حماية الأمومة، منها الاتفاقية رقم 3 لسنة 1919 بشأن حماية الأمومة، حيث حددت مدة إجازة الوضع بـ12 أسبوعاً تشمل الفترة التي تسبق الوضع والتي تليه، على أن تكون هذه الإجازة مدفوعة الأجر، سواء عن طريق صاحب العمل أو عن طريق نظام التأمين الاجتماعي.

ثم صدرت الاتفاقية الدولية رقم 103 لسنة 1952 بشأن حماية الأمومة، التي أكدت على الأحكام الواردة في الاتفاقية السابقة رقم 3 لسنة 1919، مع توسيع نظام المستفيدين من أحكامها، بحيث أصبحت تسري على النساء في المنشآت الصناعية وغيرها.

نيسان ـ تحقيق نشرته الزميلة رانيا الصرايرة في الغد ـ نشر في 2015-06-21 الساعة 01:13

الكلمات الأكثر بحثاً