اتصل بنا
 

لن أعيش في جلباب أبي

نيسان ـ نشر في 2017-12-05 الساعة 12:48

نيسان ـ

لقد استعبدنا مع أننا ولدنا أحرارا...

كيف جعلتم من الكُره فضيلة... ومن الحب محرّماً...

إنه جلباب أبي... ذلك الجلباب الذي ورّثني إياه أبي بعد أن ورِثه عن جده، ومازال يصلح لي على الرغم أنه لا يمت لموضة هذا العصر، ويتوجب على جسدي أن يتناسب مع ذلك الجلباب، ففُرض على أن أسمن أو أنحف أو حتى أكون أكثر طولاً او قصراً ليليق على جلباب أبي، وحُرّم على قص أو إعادة تفصيل ذلك الجلباب ليكون متماشياً مع جسدي، بدلاً من أن اتناسب أنا معه...فأنا جسد وهو قماش...فكيف يصبح القماش اعز قدراً من الجسد.

تكون التقاليد أعز قدراً من الأنسان...عندما نفعل قبل أن نفكر... عندما ننفذ قبل أن نحلّل... عندما نُجبر ولا نختار طريقة عيشنا، ولذلك أجزم أن 90% من تصرفاتنا وأفعالنا وأفكارنا، توارثناها وأصبحت تلقائية ولم نفكر بكونها صحيحة أم خاطئة، وفقط 10% منها تحت سيطرتنا ونتحكم بها... إنه الاستعباد الفكري... إنه جلباب التقاليد والقيم التي توارثناها من دون أن نفكر بمدى صلاحيتها لهذا العصر، وهل هي الطريق الصحيح نحو أن نكون بشرا!.
كنت لمدة طويلة ألوم الحكومات العربية بأنها تستعبد مواطنيها، إلى أن أدركت أن الحر لا يستعبد، إلا إذا أراد لها ان تستعبده، ونحن لسنا بأحرار نحن مستعبدون...ذلك اننا مستعبدين عائلياً... وعاطفياً... ودينياً... واجتماعياً... فلوا استعبدنا سياسياً فلا ضير، وهذا هو واقعنا، وإذا أردت أن تنال حريتك يجب ان تتحرر من داخلك قبل ان تُحرر عائلتك، او مجتمعك او وطنك.

أنا مستعبد! لأنني لا أملك مما أنا علية شيئا!!! فكلها ورّثت الي عن أبي... أبي الذي ورثني ديني... ورثني حب العشيرة... ورثني حب الطائفة... حب العروبة... ورثني أن المرأة خلقت من ضلع أعوج... ورثني أن البوح بالعواطف والبكاء عيب على الرجال... ورثني أن رأيي صحيح دائما وأنت أيها الآخر إما ان تغير رأيك ليكون مثل رأيي أو اجعل منك عدوي ... و ورثني ... و ورثني ... ولكنه لم يبرر لي لماذا يجب أن احترم تلك الموروثات... لابل نفخ في تلك الموروثات الروح المقدسة ...فأصبحت مقدسة بذاتها، وأصبح الإقتراب منها حرام وكفر، وأصبح الخروج عن أيا منها حرام، فتوسعت دائرة المحرمات، وضاقت دائرة المباح.

ماذا تترجى من أمّةٍ، قبل أي تصرف تقوم به أو عاطفة تريد البوح بها او حتى أي تفكير داخلي مع النفس تُقدم عليه، تفتح كتاب المحرمات، لترى إن كان ذلك يقع تحت قائمة المليون محرم... او تحت قائمة المائة مباح، فان كان محرماً انتهوا عنه، وأن كان حلالاً استمروا فيه... وكثُرت وتعددت المحرمات وتجاوزت روح كل الأديان، وتجاوزت كل وحي نزل من السماء... فأصبحنا نهدر وقتنا بالمباح والمحرم، فلم نعد ننتج شيئا غير الفلسفة... تمسكنا بالوسيلة ونسينا الغاية... غاية وجودنا وهي عمارة الأرض... و اصبح موضوع ادإباحة دخول الحمام بالرجل اليمين أو اليسار أهم من أمور تتعلق بوطن في كثير من النقاشات.

لقد خلقنا عراة... وبدل أن نلبس ما يناسب صيفنا وشتاءنا... لبسنا جلباب واحد لم يكن لنا رأي بلونه... ولا تصميمه... بينما الأمم الأخرى لبست لباساً يليق بها، ويليق بالإنسانية أكثر من جلابيبنا... ونحن نقف نبصق عليهم تارةً ... ننتقدهم تارةً أخرى... ولكن مع ذلك نقلدهم بالسر والعلن.

قبل أن تتمنى أن تكون أمريكي ... أو أوروبي ... أو أي إنسان آخر... عليك أن تتحرر من داخلك ... فكر بكل تصرفاتك ... ودائما تذكر أنك انسان... عندها سوف تكون قريتك...ومدينتك...و وطنك أكثر جمالاً ...عندها سوف يولّى عليك من يحمل قيمك... لأنه كما تكونوا يولّى عليكم.

#الانسان_المهدور

نيسان ـ نشر في 2017-12-05 الساعة 12:48


رأي: محمد ملكاوي

الكلمات الأكثر بحثاً