اتصل بنا
 

صمتاً.. إنّهم يولدون

كاتب اردني

نيسان ـ نشر في 2017-12-17 الساعة 16:07

نيسان ـ

يستخفّ مسؤولون وسياسيون أميركيون، ممن يؤيدون الرئيس دونالد ترامب، بردود الفعل المحدودة والضعيفة التي صدرت من النظام الرسمي العربي، وحتى من سقف النتائج الذي خرجت به قمة إسطنبول غداة قرار ترامب، الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل. ولا يعبأ هؤلاء بردود فعل الشارع العربي، التي يرون أنّها ستدوم بضعة أيام فقط، وسينتهي الأمر إلى اعتماد القدس عاصمة لإسرائيل، وربما (بل غالباً) في ظنّهم ستتبع دول عديدة الولايات المتحدة في خطوة الاعتراف ونقل السفارة.
ربما هذه القراءة صحيحة جزئياً، لكنّها بالتأكيد سطحية تماماً، ولا تفكّك جيّداً، ولا عميقاً، الوضع العربي والإسلامي الراهن الذي وصل إلى مرحلة انسدادٍ كبيرة، تخلّقت في لحظتين تاريخيتين فاصلتين.
الصيغة من رد الفعل تمثلت بأحداث '11 سبتمبر' في 2001، عندما استثمرت 'القاعدة' في صمت العالم العربي وهزاله أمام قمع إسرائيل انتفاضة الأقصى (2000) حينها، فقام مجموعة من القاعديين (أغلبهم بالمناسبة من السعودية الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، ما أحدث لاحقاً جدلاً واسعاً في واشنطن)، وكانت بمثابة 'نقطة تحوّل' لانتشار 'القاعدة' وصعودها عالمياً وإقليمياً في المنطقة، قبل بروز 'داعش' التي ولّدت 'طفرة' في حجم العمل المتطرّف والإرهابي ونوعيته. أمّا الصيغة الثانية من رد الفعل على الانسداد، والفراغ في المنطقة، تمثّلت بالنقيض من الأولى، أي ثورات الربيع العربي (2011)، التي حاولت فيها الطبقات الوسطى والمثقفون والشباب، تلك الكتل الحرجة القلقة، من إحداث فارق تاريخي، ونجحت في إيجاد مخرج من الانسداد، لكن الثورات المضادّة، والتواطؤ الإقليمي والدولي، وضعف البنية الداخلية للانتقال الديمقراطي، كل ذلك عمل ضد الجموح نحو الحرية والديمقراطية والتغيير، فعدنا إلى مرحلة الانسداد والانغلاق والتأزم الكبرى.
اليوم، لماذا نقول إنّ قرار ترامب سيولّد، بالتأكيد، ردّ فعل خطيرا، وغالباً سيأخذ منحى العمل الراديكالي، وستستثمر فيه الحركات الأصولية؟ لأنّ هذا القرار كشف، مرّة أخرى، بوضوح الفراغ الاستراتيجي في المنطقة العربية أولاً، وعجز النظام العربي، بل وربما تواطؤه، ولو غير المباشر، مع هذا القرار ثانياً، ما أفقده حتى شرعية التمسك بديناميكية الخوف والتخويف مما حدث في دول عربية من حروب أهلية.
يقودنا ذلك إلى عامل مهم ورئيس، في تعزيز القناعة بأنّ هذا القرار يُحدِث مرحلةً جديدة، على الأغلب ستنعكس عبر طفرة راديكالية أخرى، وولادة جيل جديد أخطر من 'داعش'، ويتمثل بخصوصية القدس والقضية الفلسطينية، وهي المقدسات التي لا يمكن التلاعب فيها بمشاعر الشعوب وثقافتها، فمثل هذا القرار يستدعي مخزوناً تاريخياً وثقافياً ورمزياً كبيراً، مرتبطاً بمفهوم 'الجهاد' الذي يُحسن الراديكاليون والجهاديون توظيفه لخدمة أجندتهم وأيديولوجيتهم.
يُضاف إلى خطورة 'لعبة الرموز' أنّ إدارة الرئيس ترامب لم تترك مجالاً للتأويل والتبرير أو التحايل، فقد كشفت عن وجهٍ مفزع، صدم سياسيين ومسؤولين عربا، يتمثّل في فجاجة ولائها للصهيونية وإسرائيل، إلى درجة التماهي الكاملة مع التيار اليميني الإسرائيلي، الذي يمثّله بنيامين نتنياهو.
استخدم الرئيس الأميركي، جورج دبليو بوش، كلمة 'حروب صليبية' مرّة واحدة، فأصبح جزءاً من منظومة خطاب 'القاعدة' في الدلالة على 'حرب الأديان' وصدام الحضارات، فوظّفوها واستخدموها، وقالوا للشعوب العربية إنها معركة واضحة على دينكم وثقافتكم. فكيف ستكون الحال، والعالم العربي يتداول من المشرق إلى المغرب، إلى آسيا وأفريقيا من الدول الإسلامية، فيديوهات ومقاطع واضحة لولاءات الإدارة الأميركية من ترامب، الذي تتم مباركته في معبد يهودي، إلى صهره اليهودي، جاريد كوشنير، الذي يدين بولاء شديد لإسرائيل والصهيونية، ونائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، وخطابه المؤيد لإسرائيل، وهكذا دواليك سنجد عشرات الأمثلة الجلية على هذا التوجه الرسمي الأميركي، غير المسبوق، في ارتباطه بالولاء للصهيونية.
لا يوجد أفضل من هذه المواد الدعائية لخطابات 'القاعدة' و'داعش' والتيارات الراديكالية، ولن تكون هنالك شروط مثالية أفضل من عجز النظام العربي، وفشله، للدفع بالشباب نحو الراديكالية. أدرك هذه الحيثيات جيداً الملك عبدالله الثاني الذي اتجه إلى إسطنبول ورجب طيب أردوغان، وهو من كان ينتقد خطابه الشعبوي، ليوجّه رسالةً إلى البيت الأبيض بأنّكم فتحتم 'صندوق باندورا'.
مشاركة

نيسان ـ نشر في 2017-12-17 الساعة 16:07


رأي: محمد أبو رمان كاتب اردني

الكلمات الأكثر بحثاً