اتصل بنا
 

مرصد ملبورن للّغة العربيّة..نَحوَ صفر-خطأ-لغوي

كاتبة اردنية

نيسان ـ نشر في 2017-12-18 الساعة 12:47

نيسان ـ

مرصد ملبورن للّغة العربيّة

نَحوَ صفر-خطأ-لغوي

هيا منير كلداني- ملبورن

ًبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، والذي يحتفل به العالم في الثامن عشر من كانون أول، وبعيداً عن موطن اللغة العربية وأهلها، تم في مدينة ملبورن الأسترالية إطلاق صفحة 'مرصد ملبورن للغة العربية' على مواقع التواصل الاجتماعيامتدادا لأربع سنوات من العمل الدؤوب بعيداً عن الأضواء.

وتأتي هذه المبادرة كردّ فعل على توالي ورود أخطاء نحوية وإملائية في الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع والإلكتروني، والمواد التعليمية، والتراجم والمنشورات، والمواقع الإلكترونية الرسمية والحكومية، المواقع الإلكترونية لشركات القطاع الخاص، واللوحات الإرشادية على الطرق، واللوحات التجارية.

وبالإضافة لعرض أمثلة على أخطاء اللغة مما تقدم، تسعى صفحة المرصد على الفيسبوك لتكون منصّة تفاعل مع الجمهور العربي أينما وجد، ولأن تجعل ثقافة الانتباه لأخطاء اللغة سائدة لدى العامة- من خلال:تشجيع الجمهور على رصد الأخطاء اللغوية، وتلقي مشاركات الجمهور بما يرصدونه من أخطاء لغوية، ونشر المواد التي تحتوي على أخطاء، والطلب من الجمهور تحديد مواضع الخطأ وتصحيحها لتعزيز التعليم التطبيقي لقواعد النحو والصرف والإملاء.

وكانت فكرة المرصد قد بدأت قبل أعوام ضمن سياق تطبيقات اللغة العربية في أستراليا ولكنها لم تر النور إلا عند الإعلان مؤخرا عبر صفحة الفيسبوك الخاصة به.

يقول يوسف الريماوي- مؤسس ورئيس مرصد ملبورن للغة العربية:

على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت عبر عقود- ولا تزال- من أجل نشر-والحفاظ على- اللغة العربية في أستراليا، ولا سيما في مجالات التعليم المدرسي والجامعي والإعلام والترجمة، وهي جهود هائلة يشكر القائمون عليها، إلا أنني كنت أرجو لو توّجت هذه المساعي بتطبيق سياسة لغوية أكثر صرامة في كل المدارس والصحف والإذاعات والتراجم العربية في أستراليا.

ويواصل متحدثا عن كيفية ولادة فكرة المرصد:

في عام 2014، لفت انتباهي أحد المدرّسين في إحدى المدارس العربية في أستراليا إلى احتواء أوراق الأسئلة لمادة اللغة العربية في مرحلة الثانوية العامة في إحدى السنوات على أخطاء لغوية فادحة.قمت بعدها بمراجعة لغوية شاملة ودقيقة لأسئلة امتحانات مادة اللغة العربية لأكثر من عشر سنوات سابقة،والمرفوعة على الموقع الإلكتروني للهيئة الحكومية التي تشرف على إعداد وتوزيع الامتحانات، بما في ذلك ملفات PDF لأوراق الامتحانات بالإضافة إلى ملفات صوتية تابعة للجزء الخاص بالاستماع والاستيعاب في كل امتحان، وكانت النتيجة احتواء الغالبية العظمى من الأوراق والملفات الصوتية على عدة أخطاء في النحو أو الإملاء أو علامات التنقيط أو اللفظ.

وفيما يلي بعض الأمثلة التي أطلعني مؤسس المرصد عليها:

تطوير الفكرة في أستراليا

هذا الأمر دفع الريماوي لمراجعة عشرات التراجم المعتمدة في بعض الدوائر الحكومية الأسترالية والتي تقدم خدماتها للمهاجرين العرب ممن لا يتحدثون الإنجليزية جيدا. شمل ذلك:

نشرات دائرة Department of Human Services، وزارة الضمان الاجتماعي في أستراليا. نشرات مؤسسة Legal Aid، وهي هيئة حكومية تقدم الدعم القانوني لذوي الدخل المحدود، كتيّب Australian Citizenship- Our Common Bond للتحضير لامتحان الحصول على الجنسية الأسترالية

وكانت النتيجة- في نسبة غير بسيطة من الحالات- تشير إلى وقوع المترجمين في الكثير من أخطاء اللغة، والتي كان يمكن تفاديها لو تم عرض الترجمات على مدققين أكفّاء.

ويواصل الريماوي، والذي كان قد أمضى تسع سنوات في تدريس العربية للناطقين بغيرها في جامعتين أستراليتين:

أما بالنسبة للإعلام العربي في أستراليا، فبمراجعة لمختارات عشوائية من المحتوى الإلكتروني لأهم إذاعة عربية تمولها الحكومة، وصحيفتين خاصتين، اتضح أن ورود الأخطاء اللغوية ليس بالأمر النادر، كما في الأمثلة التالية:

الواقع المرير للغة العربية في العالم العربي

وبسؤال الريماوي عن تعليقه عما إذا كان مردّ ذلك بُعد أستراليا عن الوطن العربي، وإلى أن العربية مسألة هامشية في بلاد المهجر بشكل عام- الأمر الذي قد لا يعكس بالضرورة واقع اللغة العربية في البلاد العربية، أجاب:

أخشى أن العربية في طريقها إلى أن تصبح غريبة في أوطانها شيئا فشيئا. فعلى سبيل المثال، ستجدين الآن أن العربي يخجل أن يعترف بأنه لا يتقن الإنجليزية أو الفرنسية- ولكن لا مشكلة لديه أن يقول إنه 'ضعيف في النحو والإملاء' بالنسبة للغته الأم.

سأترك المجال للخبراء والمختصين للحديث حول أسباب ذلك، ولكن حتى نبقى في السياق التطبيقي للغة، وخاصة في الإعلام، فمنذ ثلاث سنوات وأنا أرصدبعض ما تنشره كبريات القنوات الإعلامية العربية على مواقعها الإلكترونية بعين المدقق اللغوي، فضلا عن المواقع التعليمية والجامعية والرسمية، وأسجل ما أقع عليه من أخطاءفي النحو والإملاء والصرف. ويكفي أن تستعرضي معي بعض الأمثلة لتدركي غياب- أو تدني- السياسة التدقيقية الصارمة.

ثم قام الريماوي باستعراض الكثير مما رصده المرصد خارج أستراليا من أخطاء في الإعلام العربي، وهي كلها قنوات مرموقة، وغير ذلك من مواقع رسمية وتعليمية، أورد بعضا منها في هذا التقرير..

مواقع لقنوات إعلامية

مواقع رسمية ودينية

مواد تعليمية ومواقع جامعات

**********************************************

بحسب مختصين، فقد أدّى غياب الرقابة اللغوية من قبل هيئة مستقلة، من بين جملة من العوامل الأخرى، إلى تدني معايير تطبيقات اللغة العربية في القطاعات التي تعتمد الفصحى- سواء في الوطن العربي أو بين الجاليات العربية في المهجر.

إن مرصد ملبورن للغة العربية، وإذ يهدف إلى القيام بدور في الرقابة اللغوية عبر رصد الأخطاء اللغوية في الإعلام وما شابه، فإنه لا يفعل ذلك من باب تتبع سقطات الكتّاب وإفشاء أغلاطهم، بل مساعدتهم على رفع المعايير المهنية أيّا كان المجال الذي يعملون به.

هذا ويرفع المرصد شعار 'نحوَ صفر- خطأ- لغويّ'، وهو وإذ يبدو طموحا للغاية، بل ومستحيل التطبيق من الناحية العملية، إلّا أن السعي إلى تحقيقه هو المطلوب برأي القائمين عليه. فمن حق الطالب أو القارئ/ المستمع/ المشاهد للإعلام، أو المستخدم للمواقع الرسمية أن تصله لغة بلا شوائب، خاصة وأن الكثيرين من المتلقين يأخذون ما يصلهم من هذه المواقع على أنه العربية السليمة ويتعلمون منها.

الآلية

حتى هذه اللحظة، ما يزال المرصد فريقا صغيرا من أربعة متطوعين، ولا يستطيعون القيام إلا بإطلاق وإدارة صفحة المرصد على الفيسبوك وتغذيتها بمحتوى جديد بين الحين والآخر. ولكن إذا تم تمويل هذه المبادرة، فإن المرصد ينوي تشكيل فِرق عمل من المراقبين للقيام بواحد أو أكثر مما يلي 'على سبيل المثال لا الحصر':

مراجعة عينات مختارة إحصائيا مما تنشره القنوات الإعلامية إلكترونيا ورصد الأخطاء اللغوية، تطوير فكرة مؤشر جودة اللغة العربية بحيث يتم ربط المؤشر بعدد الأخطاء التي يتم رصدها في موقع إلكتروني ما، وإعداد تقرير سنوي بترتيب القنوات أو الهيئات المشتركة بناء على قراءة المؤشر، تطوير فكرة ختم الجودة اللغوية، مراسلة الجهات ذات الشأن إلكترونيا وورقيا لتلافي الوقوع في هذه الأخطاء مجددا، إنشاء قاعدة بيانات بالأخطاء وأماكن ورودها للاستفادة منها لاحقا لأغراض بحثية وتعليمية، إعداد تقارير دورية بهذه الأخطاء وإرسالها لمجامع اللغة العربية في الدول العربية، التنسيق مع دائرة الثقافة في قطاع الشؤون الاجتماعية التابعة لجامعة الدول العربية، والتي من أهدافها- بحسب الموقع الرسمي لجامعة الدول العربية: 'المساهمة في تطوير السياسات ووضع الخطط والاستراتيجيات والبرامج التي من شأنها النهوض بالثقافة بجميع أنواعها في الوطن العربي، وذلك بالتعاون مع المنظمات العربية المتخصصة في هذه المجالات'.

كما وسيسعى المرصد إلى تشكيل لجنة استشارية من كوكبة من كبار علماء وأساتذة اللغة من عدة دول عربية لتقديم النصح والمشورة للقائمين عليه.

وإذا كان من المبكر الحديث عن التصورات النهائية للمرصد، أو المدى الذي يمكن أن يصله، إلا أنه من المؤكد أن للفصحى مريدين وعشاقا من داخل موطنها وخارجه، وأنا منهم.

في الوقت الذي تتوالى علينا الخيبات ويعم بلاد أهل الضاد الاستقطاب الطائفي والسياسي والفكري، تطل علينا فكرة مرصد ملبورن للغة العربية لتبعث فينا شيئا من الأمل.فهل يأتي من أقاصي الأرض من يساهم- ولو قليلا- باستعادة لغتنا العربية لشيء من بريقها الذي تستحقه؟

نيسان ـ نشر في 2017-12-18 الساعة 12:47


رأي: هيا منير كلداني كاتبة اردنية

الكلمات الأكثر بحثاً