في حالة سعد الدين إبراهيم
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2018-01-04 الساعة 12:47
ليس عصيّا على أفهام من يريد أن يفهم أن طلابا فلسطينيين، جعلتهم أقدار التاريخ يحملون جنسية دولة إسرائيل الباغية في أرضهم، ويدرسون في جامعةٍ إسرائيليةٍ، يزدرون سعد الدين إبراهيم، ويوقفون محاضرةً له في هذه الجامعة، ويرمونه علنا بارتكاب رذيلتي التطبيع والتنكّر لشعبه المصري ونضالات شعب فلسطين. ليس هنا أي أحجيةٍ عسيرةٍ على الإدراك، وإنْ أدهشت ربما سعد الدين إبراهيم نفسه، ففيما هو أستاذٌ في علم الاجتماع السياسي ربما لا تسعفه أكاديميّته في تبيّن الأسباب التي جعلت هؤلاء الشباب، العشرينيين، يفاجئونه من حيث لم يحتسب لأمرهم، ولم يستشعر يوما، وهو البحّاثة وعالم السياسة، أن ثمّة وعيا حاذقا من هذه المنزلة قد يُصادفه في موقعةٍ كهذه، ظنّ فيها أن ضيافة إسرائيل له، في أهم جامعاتها، تُنجيه مما اعتادت أسماعُه أن يُلقى عليها، في العقدين الأخيرين خصوصا، من استهجانِ كثيرٍ مما يقول ويفعل.
لم يصنع الطلبة الفلسطينيون الذين ذاعت صورُهم وهم يقطعون محاضرة سعد الدين إبراهيم، في جامعة تل أبيب، غير تأكيد البديهي، وهو أن انتسابَهم إلى عروبتهم، وإلى أمتهم ووجدانها، أوضحُ من حالهم مواطنين في دولة إسرائيل الغازية، بينما يقيمون في أرضهم التي تورَّث لهم، كما اللغة (بتعبير محمود درويش)، في وطنهم الموصول حتما بكل فلسطين، وإن صنعت مواريثُ الحروب والتسويات الخائبة خرائط التقسيم المعلومة. يُحصّل هؤلاء الشباب والشابات المعرفة والتعليم والشهادات، في جامعةٍ يرفرف فيها علم دولة إسرائيل، لكن هذا لا يعني أن لا يعرف سعد الدين إبراهيم، منهم لا من غيرهم، أنه يخونُهم، ويعتدي على نضالات آبائهم وأجدادِهم، ويبخّس من شأن كل الفلسطينيين في كل أرضهم، عندما يرتضي قدومَه إلى واحدةٍ من مؤسسات دولة الاحتلال، ليُحاضر فيها عن ثورات المصريين.
من عجائب أمر صاحبنا هذا أنه يظلل اسمَه بابن خلدون، إذ أقام مركزا للدراسات الإنمائية في القاهرة، أعطاه اسم مؤسس علم العمران البشري (علم الاجتماع)، والذي أقام للحقّ مقامَه في معرفة التاريخ ومسارات البشر والأمم والدول، فقد قال إن 'الحقّ لا يُقاوَم سلطانُه'، وإن 'الطغاة يجلبون الغزاة'. غير أن سعد الدين إبراهيم لم يعد يعرف الحق، ولا يأنفُ من الطغاة والغزاة، بعد سنوات لمعانِه باحثا وأكاديميا مشهودا له، حتى أواسط التسعينيات ربما. صار يُؤثر التأسّي بغير الحق، ويحبّ لمعان النقود في غير مطرح، ويستحسن المناورة مع الطغاة، بحسب ما تستجد قدّامه حساباتٌ ورهانات. وهو الذي كان يبعث على إعجابنا، في شبابنا الأول، عندما كان يلحّ على الديمقراطية وحقوق الإنسان ومناهضة الدكتاتوريات في بلادنا العربية. وحتى عندما رفع نبرته، وبحدّةٍ ضد نظام حسني مبارك، ما تسبّب في حبسه، تعاطفنا معه، ونحن نعلم هواه التطبيعي مع إسرائيل، والشبهات المريبة في صِلاته وعلاقاته، ولكننا كنا نغلّب الظاهر على ما في السرائر، أقله احتراما لذكاء الرجل، سيما وأنه عكف، في واحدٍ من أطواره تلك، على محاورة الإخوان المسلمين، و'تزبيط' محادثاتٍ بينهم وبين واجهاتٍ أميركية، صدورا عن قناعته بأن من اللازم أخذ هؤلاء الناس إلى ملاعب السياسة. وحدث مرّة أنه أعلن سعادته بتكذيبهم لقاءً رتّبه بين قياديين منهم ودبلوماسي أميركي، وقال إنه ممتازٌ أن يكذِب 'الإخوان'، فذلك يعني أنهم بدأوا تعلّم السياسة. وحدث مرّة أن حسن نصر الله استقبله في لقاء مثير، كتب عنه مزهوّا، وساخراً ممن استنكروا فعلة نصر الله هذه، إذ يلتقي 'مشبوها' في اتصالاته الأميركية، بل و'مطبّعا' أيضا.
صارت ثورة يناير، ثم صار الكثير في مصر وغيرها، فوجدنا سعد الدين إبراهيم، داعية حقوق الإنسان العتيد، والصوت العالي في المطالبة بالديمقراطية، يبلع لسانه ويخرس، فلا ينطق بشيء عن مباذلَ مهولةٍ يقترفها نظام عبد الفتاح السيسي تطيح أهم حقوق الإنسان المصري. وها هو يستقبل عقده الثامن مغتبطا بمحبّة إسرائيل له، عندما يرضى أن يُحاضر عن سعد زغلول وثوار مصر في الجامعة التي تخرّج منها إرييل شارون.. تُرى، هل استوعب درسَ الطلبة الفلسطينيين عندما أسمعوه ما استحقّ أن يسمع، أم سيتذاكى بشطارته إياها، ويتناسى درسهم البليغ؟.
مشاركة
نيسان ـ نشر في 2018-01-04 الساعة 12:47
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب