اتصل بنا
 

إذا قالت بريطانيا فصدقوها

كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية

نيسان ـ نشر في 2018-01-09 الساعة 16:17

نيسان ـ

العزوني
في خضم العبث الذي نشهده منذ زيارة الرئيس الإنجيلي الماسوني الأمريكي ترامب
للمنطقة ،وعودته لبلاده محملا ب نحو نصف تريليون دولار عدا ونقدا ،وما تبع ذلك
من حصار سياسي وإقتصادي غير مفهوم لقطر قبل نشر كتاب "النار والغضب"
لمؤلفه مايكل وولف، وحصار مالي للأردن ،وإتهام المقاومة بالإرهاب وإعداد العدة
للقضاء عليها،وظهور صفقة القرن التي تقضي بشطب القضية الفلسطينية والأردن
الرسمي والتنازل عن القدس والضغط على جلالة الملك عبد الله الثاني، بعد بروز
رغبات دفينة من قبل البعض المراهق سياسيا ، للتنازل عن الوصاية الهاشمية على
المقدسات العربية في القدس المحتلة ،لتؤول بدورها إليهم، ومن ثم إعلان ترامب بأن
القدس عاصمة لمستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية الإرهابية ،ظهرت علينا
بريطانيا بالأمس بتصريح رسمي وهو أن القدس يجب أن تبقى موحدة عاصمة
مشتركة لمستدمرة إسرائيل والفلسطينيين.
إذا قالت بريطانيا فصدقوها فهي التي صممت المأساة العربية بعد إكتشاف النفط في
جزيرة العرب عام 1905،ورسمت خارطة طريقها في مؤتمر كامبل الذي إستمر
منعقدا في لندن طيلة سنتين 1905- 1907،وهي التي عثرت على عوائل كانت تائهة
في صحراء التيه اليهودي العربية ،وتعاقدت معهم على حكم الجزيرة العربية مقابل
تسليم بريطانيا مفاتيح سيادتها ،ونجح المندوب السامي البريطاني السير بيرسي
كوكس في إختياره ،لأنه طبق ما ورد في وثيقة كامبل السرية بالحرف،وهذا ما يفسر
إنحطاطنا وإنحدارنا ووصولنا إلى ما نحن فيه وعليه وتغول الصهاينة علينا ،دون أن
يعرف العامة أن تغول الصهاينة لم يأت من فراغ .
ولمن لا يعرف شيئا عن وثيقة كامبل فعليه تدقيق النظر في واقعنا المجزأ والمتخلف
والمغتصب والجاهل والديكتاتوري ،كل هذه الأمور نصت عليها تلك الوثيقة التي
ظهرت لأسبوع ثم إختفت ،فقد نصت تلك الوثيقة على عدم التفريط بهذه المنطقة

لأنها شريان حياة الغرب ،وعليه تقرر زرع كيان غريب فيها لإشغالها وإبقاء جذوة
نارها مشتعلة من أجل تشتيت جهودها وعرقلة تنميتها وتعتيم مستبقلها،كما نصت
على عدم إعطاء المنطقة فرصة للتطور أو الإنعتاق من نير العبودية ومغادرة مربع
الجهل والتخلف ،وهكذا كان إذ إلتزم وكلاء بيرسي كوكس القادمين من صحراء التيه
اليهودي العربية بكل إملاءات بريطانيا العظمى آنذاك ،وأول ما نفذوه التنازل عن
القدس وفلسطين لليهود"المساكين"،كما وظفوا ثروات المنطقة لتخريبها وإشعال
الحروب الداخلية فيها وما يجري في اليمن بعد العراق إلا صورة مصغرة لما تم
تكليفهم به.
لو كانت بريطانيا على حالها إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ولها من النفوذ والثقل
كما كانت في السابق، لما بقيت "الصراع"الفلسطيني-الإسرائيلي على حاله ،لأن
"القرمية "برمتها عندها في التي بدأت المأساة وهي التي تستطيع إنهاءها على رأي
صاحبة الصوت الفخيم نجاة الصغيرة "من بدأ المأساة ينهيها".
تستطيع بريطانيا أن تحدث إختراقا في الوضع المتردي للقضية الفلسطينية لو بقيت
على حالها ،ولم تتحالف الصهيونية مع أمريكا لإضعاف بريطانيا وإخراجها من
المنطقة بعد أن غامرت بسمعتها وإمكانياتها وجنودها من أجل تسليم فلسطين
الساحلية للصهاينة ،بموافقة ومساعدة الناجين من صحراء التيه اليهودي العربية
على يد السير كوكس.
لكن تسلّم زمام الأمور للإستعمار الأمريكي الجديد -الذي قام على انقاض الإستعمار
البريطاني ،وتغلغل نفوذ الصهاينة في امريكا بعد أن لم يستمع الشعب الأمريكي لنداء
رئيسه فرانكلين أن اليهود في حال لم يتم وضع حد لتمددهم في أمريكا ،فإن الشعب
الأمريكي سيتحول إلى عبيد عندهم بعد مئة عام،وهذا ما نلمسه هذه الأيام - أطال في
عمر الصراع وجعله أكثر تعقيدا إلى درجة أن صفقة القرن الترامبية شطبت القضية
الفلسطينية وقررت شطب الأردن الرسمي ،ويقيني لولا تائهو صحراء العرب الذين
باعوا انفسهم لأمريكا ،لما إنحدرت الأمور إلى ما هي عليه.
المنطقة العربية بفعل سحرتها المهيمنين عليها منذ اكثر من مئة عام دايخة مثل حال
السكران ،فها هي بفعل البترودولار تخرج من مصيبة إلى اخرى أشد وطأة، وآخر
مصائبها البترودولارية ظهور فرع خدمات المخابرات السرية الإسرائيلية

"ISIS"الملقب ب داعش ليعبث فيها ويمزقها تمهيدا لتقسيمها مجددا ولكن على
أسس إثنية وعرقية وطائفية ،لإعطاء الشرعية ليهودية الدولة في مستدمرة إسرائيل.
ما قامت به بريطانيا يعد صفعة مزدوجة لأمريكا ورئيسها المؤقت ترامب
ولمستشاره اليهودي كوشنير،ولشركائه المراهقين السياسيين الجدد في المنطقة الذين
توسلوا له أن يقبلهم "رسغا"في يده ،ووضعوا كل بيوضهم في سلته وهو راحل وإن
طال مكوثه في البيت الأبيض،كل ذلك بطبيعة الحال كي يحولهم إلى أباطرة يتحالفوا
مع أصولهم في مستدمرة إسرائيل ،لكن بعد إضعاف العقبتين الكأداءتين وهما الأردن
الرسمي وقطر .

نيسان ـ نشر في 2018-01-09 الساعة 16:17


رأي: أسعد العزوني كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية

الكلمات الأكثر بحثاً