إنعاش الاقتصاد الوطني بحاجة لقرارات صعبة لكن باستدراكات واقعية صحيحة
فتح سعادة
كاتب أردني وخبير مياه
نيسان ـ نشر في 2015-06-22 الساعة 22:40
المعضلة الاقتصادية في الأردن ليست مشكلة موارد إنها مشكلة قرارات صعبة بحيثيات واستدراكات واقعية صحيحة.
أستطيع أن ألخص المشكلة في هذا المقام أن القرارت الصعبة التي أتحدث عنها تتعارض مع مصالح فئة متغلبة اقتصاديا واجتماعيا.
تعويم قطاع الطاقة وتوليد الكهرباء يتعارض مع مصالح أصحاب الامتيازات في هذا المجال, إنشاء سكك حديدية يتعارض مع مصالح أصحاب شركات الباصات, مشاريع فرز النفايات تتعارض مع مصالح أصحاب شركات نقل النفايات , السيارات التي تعمل بالغاز يتعارض السماح بها مع مصالح أصحاب محطات الوقود وشركة مصفاة البترول.....حتى مسألة الحمأة الناتجة من محطات معالجة مياه الصرف الصحي فيها مصالح لفئة ما تمنع اتخاذ القرارت الفنية الصحيحة بشأنها.
إذن في المحصلة كل قرار يؤدي الى نهضة في قطاع ما وإنعاش الاقتصاد وإيجاد فرص عمل جديدة له معارضون لأن هذا القرار سيضر بمصالحهم......المعضلة هنا أن أصحاب المصالح في الوضع القائم أقوياء جدا ولهم تأثير بشكل مباشر في آليات اتخاذ القرارت .
لقد أثبتت كل التجارب أن القفز على الواقع وإنكاره ليس صحيحا...يجب أن نعترف أن القرارت الصحيحة الصعبة تتعارض مع مصالح فئات اجتماعية هامة ويرتبط مع مصالحها جزء هام من المجتمع......هذا واقع ليس في إنكاره مصلحة لأحد ...السؤال الهام أليس هناك حل لهذه المعضلة.....
الحل هو في قرارت تأخذ بنظر الاعتبار مصالح الناس المتضررين من الواقع الجديد الذي ستفرضه هذه القرارت ونظريتي هنا أن أصحاب المصالح في الوضع القائم في كل قطاعات الاقتصاد الوطني هم أقدر الناس على الاستثمار في الواقع الجديد.
إن الانتقال من وضع الى آخر في قطاع ما لا بد أن يراعي فترة انتقال تتيح للمستثمرين في الوضع القائم الانتقال بسلاسة ودون خسائر الى الوضع الجديد الذي فيه مصلحة الجميع...فلا يمكن بين عشية وضحاها أن تصبح شركة مصفاة البترول غير قادرة على بيع منتجاتها ولا يمكن بين عشية وضحاها أن تصبح شركات توليد الكهرباء القائمة غير قادرة على بيع كهرباء للمواطنين.
أي قرار جديد يجب أن تكون له تهيئة تتيح للمستثمرين في الوضع القائم أن يستثمروا في الوضع الجديد....وهذه في الحقيقة مسؤولية الدولة ومسؤولية الإعلام ومسؤولية الجامعات ومختلف المؤسسات التعليمية والمهنية ومسؤولية المجتمع ....توعية مثابرة من خلال أجهزة الدولة والإعلام وبحث وتطوير من قبل المؤسسات التعليمية ثم شراكة لا تستثني أحدا.
إذن في النهاية القرار الصعب بحاجة الى تهيئة مناسبة وحيثيات وتوعية وبحث وتطوير فعلى سبيل لو أرادت الحكومة تشجيع صناعة الملابس محليا ووقف الاستيراد وإيجاد عشرات آلاف الوظائف في هذا القطاع...لا تستطيع الحكومة أن تصدر قرارا يقول: اعتبارا من 1/1/2016 يمنع استيراد الملابس الجاهزة قطعيا....هذا القرار غير ممكن لأنه أولا يتعارض مع التزامات الأردن في المعاهدات الدولية ويدمر كذلك مصالح فئة كبيرة من المجتمع....ولكن لو كان القرار بصيغة اعتبارا من 1/1/2016 تفرض على الملابس المستوردة ضريبة تصاعدية تبدأ بمضاعفة الضريبة الحالية وتنتهي بعد خمس سنوات بضريبة لا يمكن احتمالها من قبل المستوردين وفي نفس وقت اتخاذ القرار تعفى جميع مستلزمات تصنيع الملابس من ضرائب الاستيراد وتعطي المدن الصناعية حوافز إضافية لأصحاب شركات النسيج والملابس وتبدأ مؤسسات التعليم المهني بمهام التدريب في صناعة الملابس .....صدقوني أنه فقط بعد خمس سنين سيصبح كل مستوردي الملابس الحاليين أصحاب مصانع وورش حياكة ملابس.....إذن حيثيات القرار الصحيح وإشراك الجميع في تحمل مسؤولياته هي الأهم دائما من القرار نفسه لأن الانتقال من وضع الى آخر يجب أن يراعي دائما مصالح كل الناس وبهذه الطريقة فقط ننعش اقتصادنا ولا نستعدي أحدا.