أخلاقيات الجانب القطري في كارثة الخليج المصطنعة
أسعد العزوني
كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية
نيسان ـ نشر في 2018-02-04 الساعة 11:36
نستطيع التأكيد مبدئيا أن كارثة الخليج وحصار قطر الغاشم ،قد إنتهيا لحظة توقيع الإتفاق الإستراتيجي القطري –الأمريكي في واشنطن قبل يومين ،ووقع الإتفاق وزيري الخارجية والدفاع في البلدين الصديقين ،وتبين بعد ذلك لمن أراد ان يفهم كيف تسير الأمور وتبنى مصالح الدول ،أن الرئيس الإنجيلي الماسوني ترامب وصهره اليهودي كوشنير ليسا صانعي قرار في الولايات المتحدة ،كما هيء للمراهقين السياسيين في المنطقة ،الذين فرضوا حصارا غاشما على قطر وخططوا لغزوها ،ظنا منهم أن ترامب سوف يدعمهم لتقاسم المغنم مناصفة معهم.
حقيقة الأمر أن القطريين قيادة وشعبا قد أبطلوا مفعول الحصار منذ يومه الأول ،وخنقوه بسياستهم المدروسة وصمودهم المذهل ،وأصبح كمن مات سريريا،وها هم الآن يعلنون موت الحصار رسميا ،وبقي دفنه وتقبل التعازي به في دول الحصار طبعا ،في حين أنه حق لكافة القطريين أن يقيموا السرادقات ويعقدوا الأفراح والليالي الملاح ،فرحا وإبتهاجا بنصرهم المؤزر على الأعداء المراهقين سياسيا ،والخروج من الكارثة التي كانت محيطة بهم أقوى مما كانوا عليه قبل الحصار ،ورأينا قطر جديدة قوية وقد رسخت دعائم وجودها بجهد وعقول أبنائها.
كان لا بد من هذه المقدمة لتثبيت الحقائق ،كما لا بد من تسليط الأضواء على الجانب السلوكي الذي إنتهجته قطر في تعاملها مع الكارثة ،وهي شهادة صادقة أن صانع القرار في قطر قد سجل مفخرة تاريخية عز نظيرها ،وهي أن القطريين لم يسجلوا خرقا أخلاقيا صغيرا، يمسهم أو يمس حتى اعداءهم المراهقين سياسيا والذين لم يتركوا وسيلة قذرة إلا وأدرجوها في قائمة أسلحتهم ضد قطر.
رغم أن 'عيال زايد'ولا أقول دولة الإمارات قد فجروا في تآمرهم ضد قطر ،وإستغلوا كل الأسلحة المحللة والمحرمة لتشويه صورة قطر قيادة وشعبا ،وآخر الهرطقات شطب إسم قطر عن الخارطة ،والتحرش الجوي العسكري ،وشراء الذمم ،إلا ان صانع القرار القطري لم يأمر بوقف ضخ الغاز القطري لشعب الإمارات الشقيق ،وهذا بطبيعة الحال أمر مشروع في الحروب وإستفحال الأزمات ،لكنها الأخلاق القطرية التي لم تنحدر لمستوى تفكير المراهقين السياسيين الذين إنغمسوا في المحرمات بكافة مسامات أجسادهم.
مكرمة أخرى سجلت لصالح دولة قطر وهي عدم المساس بالعمالة الوافدة المصرية '365 ألفا'منهم 200 ألف يعملون في أجهزة الحكومة ،والعمالة الوافدة الأردنية '50 ألفا' رغم أن مصر والأردن يندرجان ضمن قائمة دول الحصار ،وإن كان الأردن يختلف بمسلكيته تجاه قطر عن عصابة الأربعة ،وقد إكتفى بتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر ،وكان مطلوبا منه ما هو أكبر من ذلك ،لكن حكمة القيادة الأردنية إرتأت غير ما كان يهيأ لهم.
وعلى العكس من إستخدام هاتين الجاليتين كسلاح ضغط على قيادتي البلدين ،فقد أكرمهم الشيخ تميم بشمولهم مكرمة نادرة جدا ،وهي انهم ناطقون رسميون بإسم قطر شأنهم شأن كافة المقيمين في قطر،وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الحصافة السياسية والحكمة والنضوج الذي تتمتع به القيادة القطرية ،بعكس المراهقة السياسية التي تعمل على تفجير الإقليم .
تميزت قطر أيضا بحكمة مشهودة لها وهي أن القطريين لم ينحدروا اخلاقيا إلى مستوى المراهقة السياسية ،ويخوضوا في أعراض شعوب وقيادات دول الحصار ،كما فعل صناع القرار في تلك الدور ،رغم أن المعنيين في قطر يمتلكون من الملفات الأخلاقية ما تنوء عن حمله الجبال ،لكنهم ولسمو أخلاقهم لم يعتدوا على حرائر اعدائهم وحفظوا كرامتهم ،وهذه تحسب لهم ،وسيذكرها التاريخ.
كما أن صانع القرار القطري إلتزم باخلاقيات المعارك والحروب غير المتبعة ،وحصر هجماته السياسية بالحقائق المتوفرة لديه ،ولم يقم دفاعا عن نفسه بسوق التهم جزافا لكسب التعاطف والإصطفاف معه ،وهذا ما أذهل البعيد قبل القريب،وتكون قطر قد سجلت مكرمة أخلاقية فريدة يجب ان يحتذى بها .
يحسب لصانع القرار القطري أنه وحفاظا على كينونته وضمان مصيره ، لم يفرط في الكرامة الوطنية أو القومية ،ولم ينحدر إلى الحضيض السياسي ويفرط بكرامته بالإرتماء في حضن مستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية الإرهابية النووية ،كما فعلت المراهقة السياسية التي تجاوزت كل الحدود ،بعد حصارها لقطر ،إذ تنازلت عن القدس وإنخرطت في التطبيع المفضوح مع الصهاينة ،وها هي تضغط على الفلسطينيين والقيادة الأردنية للتخلي عن القدس ،وفرضت حصارا ماليا على الأردن لإجبار قيادته على التخلي عن الوصاية الهاشمية على المقدسات العربية في القدس المحتلة لصالحهم ،وهم يقومون بشراء بعض الذمم المقدسية من خلال تشكيل وفد مقدسي لزيارة الرياض لكيل المديح للقيادة السعودية الجديدة ومباركة خطواتها التطبيعة مع الصهاينة من أجل إيجاد موطيء قدم لها في القدس المحتلة.
عموما نستطيع القول أن قطر إنتصرت في صراعها مع المراهقة السياسية أخلاقيا ،ولم تقم بالتسبب في إنزال قطرة دم واحدة ،لكن ماتسببت به لهم من جروح نجمت عن أسلحتها الأخلاقية ستبقى غائرة في نفوسهم أبد الدهر.
نيسان ـ نشر في 2018-02-04 الساعة 11:36
رأي: أسعد العزوني كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية