شيء من الإنسانية
يوسف الريماوي
مدير مركز ابن رشد للثقافة العربية في استراليا
نيسان ـ نشر في 2018-02-07 الساعة 18:48
شيء من الانسانية
بقلم : يوسف الريماوي
تصطدمُ بكتِفِكَ سيدةٌ خَمسينِيّةٌ وأنتَ تُحاولُ الدُّخولَ إلى القِطار، فتعبسُ في وجهِها وتقولُ في نفسِك: يا لوقاحتِها! دونَ أنْ تعرفَ أنّها شاردَةُ الذّهنِ مُعظمَ الوقتِ مُنذُ فَقدَتْ عملَها قبلَ أيام..
- يأتي دورُكَ في البريد خلفَ رجلٍ مُريبِ الشّكلِ، فَتَتلكّأ ليأخذَ غيرُكَ مكانَك وتبتعدَ عنهُ، دونَ أن تعرفَ أنّهُ يصارعُ الإدمانَ على الكحول- ينتصرُ حيناً ويُهزمُ أحيانا..
- يجلسُ أمامَكَ في الحديقةِ مراهقٌ رثُّ الثّيابِ والمَظهرِ فتتضايقُ من منظرِهِ وتغيّرُ مكانَكَ، دونَ أن تعرفَ أنّ زوجَ أمِّهِ طَرَدَهُ من بَيتِهِ قبلَ يَومينِ وهو الآنَ بلا مأوى..
- تنسى النادلةُ أنّكَ طلبتَ الباستا بالكريما وليس بصلصةِ الطّماطِم، فَتُوبّخُها. تصمتُ هي وتعتذرُ مِنكَ، دونَ أن تَعرفَ أنتَ أنّها قلقةٌ على أبيها الذي يرقُدُ في المُستشفى في بلادِها البعيدة..
- ترى جارَك العجوزَ عندَ باب بيتهِ في الصّباح، فتتسلّلُ بسرعةٍ إلى سيارتِكَ لتتهرَّبَ من دردشاتِهِ الجانِبيَّةِ معك، دون أن تعرفَ ألّا أبناءَ ولا أصدقاءَ يزورونَه، وأنَّهُ مُشتاقٌ للأحاديثِ الصّغيرةِ- ليس أكثر..
هُناك، حيث لا تَعرفُ ولا تَرى، يَكمُنُ الجانبُ الأكبرُ من الحقِيقة، فلا تغامرْ بالحُكمِ على المَظاهر..
نيسان ـ نشر في 2018-02-07 الساعة 18:48
رأي: يوسف الريماوي مدير مركز ابن رشد للثقافة العربية في استراليا