الصين تستعمل روسيا... وليس العكس!
سركيس نعوم
كاتب لبناني
نيسان ـ نشر في 2015-06-24 الساعة 03:08
بدأتُ اللقاء مع المسؤول المهم في "إدارة" مهمة داخل الإدارة الأميركية الذي يتابع الشؤون الصينية في انتظام بالسؤال الآتي: كيف تصف علاقة أميركا بالصين في المرحلة الحالية؟ أجاب: "هناك تعاون دائم بيننا وبين الصين. ونحن نتشاور معها في استمرار. الصين تتعلّم وتأخذ دروساً وتدوِّن ملاحظات (Notes). هي تعرف أن أميركا قوة عظمى أو القوة الأعظم، ولذلك فإن الهدف الذي وضعته لنفسها هو أن تصبح مثلها قوة عظمى. وهي تعرف أيضاً أن ذلك لن يحدث قبل عقود. فضلاً عن أنها بتركيبتها تواجه مشكلات عدة تعوق طموحاتها الكثيرة. عندها مشكلة الإصلاحات ومشكلة الحريات، علماً أن هذه الأخيرة ربما تهمُّ عملياً خمسة في المئة من الناس. إلاّ أنها تُشغل الناس في العالم الحر والدول. في الصين فساد كبير. لكن الحكومة الصينية تحاربه بشدَّة أو تحاول محاربته بالشدَّة نفسها. وقد وصلت في محاربته إلى أعلى المستويات. وهي تتابع محاربته في مستوياته المتوسطة والصغيرة. في الصين أيضاً مشكلة مصادرة الأراضي أو شرائها بأبخس الأسعار، وذلك مصادرة غير مباشرة، بهدف إقامة مشروعات ضخمة تجارية وسكنية وغيرها. وذلك يؤذي مالكيها الصغار ومعظمهم من الفلاحين والعمّال. السياسة الأساسية للصين هدفها تحقيق الاستقرار أو إدامته، والأولوية هي له. لم تعد الصين دولة شيوعية. راحت الشيوعية لكن بقي نظامها الديكتاتوري. شعبها نصفه من إتنية أو قبائل "الهان". وفيها أقليات أخرى دينية وإتنية. وأكثر ما يُقلق الصين اليوم هي منطقة "أشجيان" حيث يقيم "الأويغور" المسلمون الذين ينتفضون أحياناً ضدها مطالبينها بحقوقهم. لكن في السنوات الماضية تمدَّد "الهان" فصار نصف "أشجيان" أي خمسون في المئة منها لهم. نحن عندنا بعض الاختلافات أو الفروقات مع الصينيين (Differences) حول بحر الصين الجنوبي. عندنا دول حليفة في تلك المنطقة تخشى فعلياً سيطرة الصين على المنطقة، وبالتالي هيمنتها عليها. وهناك خلافات حدودية بين عدد من هذه الدول والصين تتناول في معظمها جزر صغيرة متناثرة في البحر الجنوبي المشار إليه. وهناك خوف أن تكون الصين تبني قوة عسكرية بحرية كبيرة لبسط سيطرتها على المنطقة. طبعاً نحن (أميركا) لا نترك حلفاءنا، والصين لا تريد مشكلات ولا سيما معنا على الأقل حتى الآن. لذلك نتشاور دائماً، ونحاول تلافي حصول حوادث (Accidents) غير مخطط لها بيننا، ونعمد عند حصول بعضها إلى الاتصال فوراً بالمسؤولين في بيجينغ وعلى أعلى المستويات من أجل معالجتها وتفادي الوقوع في العنف. الاستقرار أهم شيء عند الصين وعندنا أيضاً".
سألتُ: ماذا عن كوريا الشمالية؟ سمعتُ أكثر من مرة وفي واشنطن أن الصين تستطيع أن توقف كوريا هذه عند حدِّها وأن توقف برنامجها النووي، لكنها لا تفعل ذلك خوفاً من أن يؤدي إلى قيام كوريا واحدة (وحدة الكوريتين الشمالية والجنوبية) قوية اقتصادياً وعسكرياً وحليفة لأميركا. أجاب: "الصين ليست راضية عن السياسة النووية لكوريا الشمالية، ومنزعجة من تصرفاتها. ونحن نتعاون معها من أجل حصر تحديات كوريا الشمالية. وزعيمها كيم جونغ أون متضايق من ذلك. ولهذا السبب يحاول إيجاد بديل من الصين يعتمد عليه هو روسيا. الصين لا تستطيع التفريط بكوريا المذكورة. فهي على حدودها ولا تريدها نووية، لكنها لا تريدها في الوقت نفسه أن تسقط أمام كوريا الجنوبية وحليفتها بل حاميتها أميركا. علماً أنها وبكل جدية تريد الاستقرار في شبه الجزيرة الصينية (الـ Peninsula)".
سألتُ: ماذا عن العلاقة بين أميركا وروسيا التي يبدو أنها تدهورت كثيراً في السنوات الماضية بسبب توسع النفوذ الغربي – الأطلسي نحو الحدود الروسية ثم بسبب سوريا وأخيراً بسبب أوكرانيا؟ أجاب: "الصين تمارس الـLowkey أي لا تتفاخر أو تتبهور وتكبت نفسها وتبتعد عن الغطرسة والعنجهية. لكنها تحاول الإفادة أحياناً من مواقف "عالية" تتخذها روسيا فتسايرها ليس حبّاً بها بل لأن لها مصلحة في ذلك، ولكن من دون أن تبدو متحدِّية ومن دون أن تبادر إلى التحدِّي. وهذا الأمر كان مجلس الأمن مسرحه في معظم الأحيان. طبعاً يحاول زعيم روسيا فلاديمير بوتين استعمال الصين، لكن محاولاته المتكررة فشلت وربما سيستمر فشلها لأن الصين هي التي استعملت روسيا ولا تزال. تريد روسيا العودة قوة عظمى. ذلك مستحيل فهي دولة متهالكة".
هل تستطيع الصين أن تصبح قوة عظمى؟ سألت. بماذا أجاب؟
النهار اللبنانية