اتصل بنا
 

ملك القلوب: عهد أمام الله أن لا ننساك أيها القائد الملهم الذي أحب شعبه وصان كرامته

كاتبة صحافية

نيسان ـ نشر في 2018-02-08 الساعة 08:58

نيسان ـ

لا يكاد يمر يوم دون أن نستذكرك فيه ونستحضر فضائلك على الأردن، الذي خدمته من قلبك ووضعته معنا في مآقي العيون لإيمانك بدور الهاشميين التاريخي في خدمة البلاد والعباد... نتذكر ابتسامتك الآسرة التي لم تكن تفارق محيّاك في أحلك الظروف السياسية، الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بهذا البلد الصلب على مدى نصف قرن، خدمتنا خلاله وخدمناك من القلب بمحبة وغبطة.
تسلل ذلك المرض اللعين مجددا بخبث ليخطفك من أجوائنا بعد أن ظننا أنك نجوت منه بعد عودتك من رحلة علاجك الأولى لتواصل مسيرة العطاء والتماهي مع أبناء شعبك. أتذكر جيدا كيف تابعت مهرجان الفرح بعودتك أثناء عملي الميداني مع وكالة أنباء رويترز. سجدت، صليت ثم قبّلت تراب بلدك وبلدنا لحظة نزولك من الطائرة على أرض مطار ماركا المدني... مشيت على أقدامي وراء موكبك الملكي الذي سار ببطء شديد صوب منزلك مرورا بشوارع عمان. وقفت بأنفة وسط سيارة المرسيدس الفضّية وأخرجت رأسك من فتحة سقفها تبتسم وتلوح لحشود المحتفين بعودتك على أطراف الشوارع وفي ميادين عمّان. فرح كسا مهجة كل أردنية وأردنية في استقبال والد الجميع وملك القلوب. كنت دائما تحيل التحديّات إلى فرص والمصائب إلى بدايات جديدة وسط جوار جيو سياسي معقد لم نختره. حافظت على كرامتنا وإنسانيتنا، وكنت تنظر إلينا كأفراد في عائلتك الكبيرة. جميع من خدم تحت رايتك يتذكرون كيف كنت تصغي للوزراء والمستشارين، كلما طرحت عليهم سؤالا دون أن تجعلهم يستبقون أفكارك. كنت تتخذ القرار بعد ان تستمع للجميع، حتى وإن كان مخالفا للنصائح التي استمعت إليها. لم يسع مستشاروك لتكييف مواقفهم كي يدعموا وجهة نظرك بغض النظر عن السلبيات والإيجابيات. كان شعارك: 'الأنسان اغلى ما نملك' حقيقة ملموسة على الأرض نعيشها كل يوم.
أذكر كيف كان الصحفيون الأجانب والمحليين يذهبون إلى مطار ماركا لأخذ تصريح صحافي منك فور عودتك من رحلاتك. كم كنا نفرح عندما تبلغنا بأنك نجحت بالحصول على معونات وأموال من الخليج والدول الأجنبية... المال بالنسبة لك كان وسيلة لإدارة البلاد والعباد وليس غاية. نتذكر كم مرة دفعت أنت والأردن ثمن مواقفنا السياسية التي كانت تأتي أحيانا كثيرة على شكل أزمات اقتصادية ومحاولات لزرع فتن داخلية. تحملتنا حتى لو أختلفنا معك في بعض المواقف والآراء. قلبك خلى من الضغائن حتى مع من إختلفت معه. في البادية الأردنية كانوا عندما يقدمون الطعام يقولون 'على كيس الله ثم كيس حسين'.
لا أدري إذا كنت ترانا من الجنة، حيث ترقد بسلام مع الملائكة ومن سبقوك من أهلك وأحبائك وأولاد وبنات وطنك. إن استطعت رؤيتنا، فأنا على يقين أن حال من الخوف والقلق سيصبك وستدرك كم تغيرت الأمور في الأردن؛ لكن فقط بالشكل على حساب المضمون والقيم والأخلاق.
الثابت الوحيد أن الشعب الأردني الصامد لم يتغير؛ بقي طيب القلب، وفيا وعاشقا لبلده لا يضمر له شرا ويصبر على ضنك الحياة.
لكن كل شيء أخر تغير في الداخل ومن حولنا. غزتنا في عمان والمدن الكبرى محلات وجبات الأكل السريع والقيم المادية وحب الاستهلاك. غالبية سكان المحافظات من 'المنتجين' انتقلوا الى عمان طلبا للرزق لأن مشاريع التنمية التي كان من المفترض ان تؤهلهم وتوفر لهم فرص عمل وحياة كريمة لم تحصل او تسمر.
العقبة – ثغر الأردن الباسم والبسيط تحول إلى منطقة إقتصادية خاصة 'حديثة' بعمارات شاهقة وفنادق حديثة وساحات وكورنيش طويل ورائع. مركز قيادة جيشنا العربي الباسل في العبدلي جرف بالكامل وتحول مع الأراضي المحيطة به الى ما يسمّى ب'بولفار العبدلي' او قلب عمان الجديدة. غالبية عماراتها تعكس قمّة في حداثة التصميم، لكن جزءا كبيرا منها غير مستغل، في بلد يشهد فجوة طبقية وغلاء فاحش. ازدادت الجسور المعلقة على طريق المطار، حال الطرق الدائرية لكن حوادث المرور تقتل العشرات أسبوعيا. تضاعف عدد السكان– نمو سنوي طبيعي بمعدل 2.3 % ونمو غير طبيعي كان أخره تدفق أخوتنا السوريين، ممن تحولوا بين ليلة وضحاها إلى مهجرين فقدوا مساكنهم، وطنهم ولقمة العيش نتيجة غياب التعامل العقلاني، نرجسية الحكّام وعيشهم في حال إنكار دائم بسبب 'مرض الكرسي' والحاشية المستفيدة. الأردن الذي تركته تغيّر كثيرا. زاد عدد الفقراء والباحثين عن العمل. لم نتخرج بعد من عملية الإصلاحات الأقتصادية منذ 1990، بل لم تخجل حكومة الملقي بفرض ضريبة مبيعات على عشرات السلع الأساسية، بما فيها ملح الطعام، البندورة، الخيار، السردين والبلوبيف. وهكذا تلجأ الحكومة مجددا إلى جيب المواطن المثقوبة لتقليص المديونية المتضخمة، وهي قاصرة على ما يبدو لمحاسبة الفاسدين الذين أوصلونا الى هذا الدرك – وما أكثرهم!!!. مشهدنا السياسي الداخلي محتقن والحال من سيء إلى أسواء بسبب تداعيات تغيير أسس التصويت عام 1993 واتساع فجوة الثقة بصورة مرعبة. حكومتنا شبه فاقدة لولايتها العامة بعد تعديل الدستور، فأصبح الناس يشكون للملك عبدالله الثاني مباشرة. الفساد ينخر المؤسسات والقلوب والعقول أفقيا وعاموديا. برلمان فقد دوره ودمّر ما تبقى من صدقيته. أحزاب بلا أتباع باستثناء الإخوان المسلمين. مجتمع مدني محاصر، وكأن المفاضلة المفروضة تنحصر بين ثنائية السلطة كما هي وبين التيار الديني. إعلام مرعوب هم رئيس التحرير إرضاء 'ولي نعمته'. في لقاء مع طلاب في عيد ميلاده السادس والخمسين قبل أيام، شكا الملك عبدالله الثاني من 'أننا نعمل بعكس الدول عند التعديل الحكومي؛ فإذا لم يكن الوزير المسؤول كفوءا نجربه ستة أشهر وننتظر تعديلا حتى يخرج من منصبه. وهذا أمر خاطىء لأن له تأثيرات على أرض الواقع، والصحيح أن يخرج الوزير أو المسؤول من منصبه فور التأكد من أنه ليس كفوءا'. وأكد الملك على أهمية الضغط الشعبي والنيابي على الحكومات والمسؤولين لتطوير عملهم. جيران عرب تصهينوا حتى النخاع وراء عباآتهم 'الطاهرة'. لم يعد ما يربط الأردن بالعرب إلا اللغة. مستقبل القدس في مهب الريح. حل الدولتين اندثر والأردن بات وحيدا بلا حلف

نيسان ـ نشر في 2018-02-08 الساعة 08:58


رأي: رنا الصباغ كاتبة صحافية

الكلمات الأكثر بحثاً